إلغاء الحق الدستوري في الإجهاض يهدد قدرة الأطباء الأميركيين على تأدية وظيفتهم

العقوبات في ظل القانون الجديد لا تقتصر على فقدان رخصة مزاولة مهنة الطب فحسب.
الثلاثاء 2022/07/19
النساء لن يكن قانونيا في مأمن

مثّل القرار الذي اتخذته المحكمة الأميركية العليا بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض صدمة لأطباء النساء وتهديدا لقدرتهم على تأدية وظيفتهم وصحة مرضاهم، حيث سيكون الأطباء قلقين حتى عندما يقدمون رعاية مشروعة لحالات الحمل التي قد تهدد الحياة. وحذر الخبراء من أن صحة وحياة النساء ستكونان في خطر، مشيرين إلى أن حقوقا أخرى قد تتعرض للتهديد مستقبلا.

واشنطن - يواجه أطباء النساء في الولايات المتحدة ضغوطا بعد إلغاء المحكمة الأميركية العليا الحق الدستوري في الإجهاض، وبينهم الطبيبة ماي وينشستر التي زارتها بعد أيام من إقرار ولاية أوهايو الحظر مريضة تحتاج إلى إنهاء حملها لإنقاذ حياتها.

ففي الرابع والعشرين من يونيو ألغت المحكمة العليا الحق في الإجهاض الذي كان يكرسه الدستور الأميركي منذ عقود. وعقب ذلك، حظّرت العشرات من الولايات المحافظة أو قيدت بشدة عمليات الإجهاض على أراضيها.

وسألت المريضة التي كانت حاملا في الأسبوع التاسع عشر عما إذا كانت “قانونيا ستكون في مأمن وما إذا كنت أنا سأكون قانونيا في مأمن”، كما قالت وينشستر لوكالة فرانس برس.

لكن ذلك السؤال لم يكن يطرح عندما كان الإجهاض حقا محميا على مستوى البلاد في دستور الولايات المتحدة.

ومنذ هذا التحول التاريخي، استحال المشهد القانوني ضبابيا فيما يقول أطباء في أنحاء البلاد إن ذلك يهدد قدرتهم على تأدية وظيفتهم وصحة مرضاهم.

الخطر لا يقع فقط على كواهل الأطباء. ففي تكساس، تتم إقامة دعاوى على أي شخص يساعد النساء في الإجهاض

والشهر الماضي دخل حيز التنفيذ في أوهايو حيث تعمل وينشستر قانونا يحظر عمليات الإجهاض كلها بعد ستة أسابيع من الحمل ولا يستثني العمليات التي تنهي حملا حصل نتيجة اغتصاب أو سفاح قربى.

ونظرا إلى أن مريضتها كانت تعاني حالة طبية طارئة واضحة، اتصلت وينشستر بمحامي المستشفى في تلك الليلة.

وقالت “أعرف ما يجب أن أقوم به من الناحية الطبية، لكن من الناحية القانونية، كيف أحميها؟ كيف أحمي نفسي؟ كيف أحمي مؤسستنا؟ كيف أحمي ممرّضينا وطبيب التخدير الذين سيشاركون في هذه العملية؟ إن ذلك يعني الجميع”.

وأثار أطباء من تخصصات مختلفة هذه المخاوف أيضا، بالإضافة إلى محامي المؤسسات والعاملين في مجال الرعاية الصحية والذين يعملون على مساعدة هؤلاء في التعامل مع هذا التغيير.

وأوضح هاري نيلسون الشريك الإداري في شركة المحاماة “نيلسون هاردمان” التي تقدم استشارات للأطباء “إنه وضع غريب حيث يتعين على الأطباء أن يكونوا قلقين حتى عندما يقدمون رعاية مشروعة للحالات التي قد تهدد الحياة”.

وقد تكون العقوبات في ظل القانون الجديد شديدة ولا تقتصر على فقدان رخصة مزاولة مهنة الطب فحسب بل تشمل أيضا اتهامات جنائية محتملة… السجن لسنوات وغرامات بالآلاف من الدولارات.

وقال نيلسون إنه حتى التهديد بالمقاضاة سيكون له تأثير، مشيرا إلى أن عددا قليلا فقط من المنظمات والأفراد يمكنهم تحمل الكلفة المالية واللوجستية والنفسية “من دون مستوى كبير من التوتر”.

وحاولت حكومة الرئيس جو بايدن توفير بعض الطمأنينة للأطباء من خلال تأكيد أن القانون الفدرالي “يسمو” على قانون الولايات في ما يتعلق بحالات الطوارئ الطبية.

فإذا رأى الطبيب أن الإجهاض ضروري “لتحقيق الاستقرار” في حالة المرأة الحامل، يجب عليه إجراؤه، كما كتب وزير الصحة كزافييه بيسيرا إلى أطباء الطوارئ في البلاد.

لكن ذلك التوجيه تعرض لانتقادات، مع إقامة المدعي العام في تكساس كن باكستون دعوى قضائية على الإدارة قائلا إنها “تسعى لتحويل كل غرفة طوارئ في البلاد إلى عيادة إجهاض”.

ومن جهة أخرى، قال أكثر من 90 مدعيا في أنحاء البلاد إنهم لن يلاحقوا قضايا الإجهاض.

لكن في ولاية إنديانا حيث ما زال الإجهاض قانونيا حتى فترة 22 أسبوعا من الحمل وحيث يدرس المجلس التشريعي الذي يهيمن عليه الجمهوريون فرض قيود أكثر صرامة على الإجهاض، تم تهديد طبيبة نسائية بملاحقتها قضائيا لإجرائها عملية إجهاض لفتاة تبلغ 10 سنوات كانت ضحية اغتصاب.

الإجهاض لم يعد اختيار متاح
الإجهاض لم يعد اختيار متاح

واتُهمت الطبيبة بعدم الإبلاغ عن هذه الحالة كما يقتضي قانون الولاية في حالة الجرائم الجنسية التي تطال قاصرين، لكن تم دحض تلك التهمة.

وقال نيلسون ومحامون آخرون إن ذلك يمكّن مدعين عامين من استخدام “أساليب ترهيب” لمنع الأطباء عن إجراء عمليات إجهاض، مع تحسين رصيدهم السياسي بين معارضي الإجهاض.

والخطر لا يقع فقط على كواهل الأطباء. ففي تكساس وأيداهو وأوكلاهوما تسمح القوانين بإقامة دعاوى مدنية على أي شخص يساعد النساء في الإجهاض، وهو الأمر الذي قد يؤثر مثلا على سائق سيارة الأجرة التي أقلت تلك المرأة وصولا إلى الجمعية التي موّلت العملية.

إلا أن أطباء النساء ليسوا المعنيين الوحيدين، إذ يعبر أطباء من مجالات مختلفة عن مخاوفهم من تأثير ذلك على رعاية المرضى الحوامل المصابات بأمراض مثل السرطان مع احتمال إضرار العلاج بالحمل.

وقالت الطبيبة النسائية كريستين لايرلي من ويسكونسن، وهي مسؤولة في الكلية الأميركية لأطباء التوليد وأمراض النساء “نظرا إلى اختلاف المواقف والحالات، من الصعب بالنسبة إلينا كتابة إرشادات فيما يطالب الجميع بها”.

وأوضحت لوكالة فرانس برس “التعامل مع الحمل أمر معقد لكن يجب على الأطباء أن يقوموا بذلك وليس السياسيين”.

ومنذ إلغاء حق الإجهاض، قالت لايرلي إنها وزملاءها عالقون “بين المطرقة والسندان”.

قرار المحكمة الأميركية العليا بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض مثّل صدمة لأطباء النساء وتهديدا لقدرتهم على تأدية وظيفتهم

وتابعت “ماذا يفترض بنا أن نفعل؟ عدم الإيفاء بالتزاماتنا المهنية أو الذهاب إلى السجن لأننا أجرينا عملية إجهاض؟”.

وكانت المحكمة العليا الأميركية قد أنهت الجمعة حق الإجهاض بإصدارها قرارا له وقع مزلزل ويقضي على نصف قرن من الحماية الدستورية في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي.

وألغت المحكمة القرار التاريخي المعروف باسم “رو ضد واد” والذي صدر عام 1973 ليكرس حق المرأة في الإجهاض وقالت إن بإمكان كل ولاية أن تسمح بالإجراء أو أن تقيده كما ترى، كما كان سائدا قبل السبعينات.

وقالت المحكمة وأغلب قضاتها محافظون إن “الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض، يُنقض ‘رو ضد واد’ وتعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثّليهم المنتخبين”.

ووصف الرئيس جو بايدن الحكم بأنه “خطأ مأساوي” نابع من “أيديولوجيا متطرفة”، معتبرا أنه “يوم حزين للمحكمة والبلد”.

وأضاف بايدن أن “صحة وحياة النساء في هذه الأمة في خطر الآن”، محذرا من أن حقوقا أخرى قد تتعرض للتهديد مستقبلا، مثل الزواج المثلي ووسائل منع الحمل.

وحضّ الرئيس الديمقراطي الكونغرس على سنّ قانون فيدرالي يحمي حق الإجهاض، وقال إن المسألة ستكون في صلب الانتخابات النصفية في نوفمبر.

17