إقليم كردستان: دور إستراتيجي في إضعاف الجاذبية الأيديولوجية لتنظيم داعش في العراق

الخطابات المضادة ضرورية لإضعاف الجاذبية الأيديولوجية، لاسيما الدعاية التي تستهدف السكان الأكراد.
الخميس 2024/09/05
دعم الحلفاء الدوليين مهم

أربيل – منذ وفاة أبوبكر البغدادي في عام 2019، حدثت تغييرات ملحوظة في إستراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية وعملياته، لاسيما في بعض المحافظات العراقية المهمة مثل كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى، التي كانت في الماضي نقاطا ساخنة لأنشطة المتمردين وهي تؤدي اليوم دورا محوريا في إعادة تنظيم المجموعة وعملياتها داخل العراق.

ولطالما شكلت “الأراضي المتنازع عليها” في العراق ملاذا للمنظمات الإرهابية، وهي أراض يطالب بها كل من الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان. فكان القائدان الإرهابيان أبومصعب الزرقاوي وأبوعمرالبغدادي يعملان في مخابئ متاخمة للمناطق المتنازع عليها حيث قُتلا في نهاية المطاف، وقد استغلت شخصيات أخرى مثل أبوبكر البغدادي وأبوإبراهيم القرشي وأبوالحسن القرشي الوضع الأمني المتقلقل لتنفيذ العمليات في هذه المواقع. إلا أن المجموعات المتطرفة لا تزدهر في هذه المناطق المتنازع عليها لأنها تلائمها فحسب، فتتمتع محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى كلها بأهمية إستراتيجية واقتصادية وجغرافية كبيرة.

ويقول الباحث المتخصص في شؤون الاستخبارات والأمن في إقليم كردستان العراق فرزند شيركو، في تقرير نشره معهد واشنطن، إن كركوك شكلت هدفا مغريا بسبب وفرة مواردها النفطية، كما أن قُرب صلاح الدين من بغداد يمنحها أهمية تاريخية وإستراتيجية هائلة. وأما ديالى، فهي تُعتبَر نقطة إطلاق قيّمة للهجمات عبر الحدود نظرا إلى حدودها المشتركة مع إيران.

وتظل نينوى مركزا رمزيا وعملياتيا مهما حتى بعد فقدان سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أراضيها، بما أن هذه المحافظة هي موطن مدينة الموصل، التي كانت تشكل العاصمة الفعلية لخلافة التنظيم. كما أن التركيبة العرقية المتنوعة في كل من هذه المحافظات كانت محل اهتمام تنظيم الدولة الإسلامية، الذي سعى إلى استغلال الانشقاقات المحتملة.

وبالإضافة إلى العمليات العسكرية، يشن هذا التنظيم حربا نفسية تهدف إلى زعزعة استقرار سلطة الدولة ونشر الخوف بين السكان. ويؤدي عدم الاستقرار المستمر في هذه المناطق، الذي تفاقم بسبب الخلافات السياسية وسوء الإدارة، إلى تعزيز فعالية هذه الجهود. إلا أن النشاط في أربيل والسليمانية يتضح أيضا أكثر فأكثر بالنسبة إلى قوات الأمن وقوات مكافحة الإرهاب الكردية.

التكفيريون في أربيل

oo

تعود جذور الحركات التكفيرية الجهادية الشمولية في كردستان إلى أواخر تسعينات القرن العشرين، عندما تم تأسيس “المركز الإسلامي” و”قوة سوران الثانية” في “الحركة الإسلامية في كردستان العراق”. فأدت “الحركة الإسلامية في كردستان العراق” دورا حاسما في جمع المتطرفين الأكراد والشبكات العربية من الجهاديين العالميين، مما وضع الأساس للأيديولوجية التكفيرية في المنطقة. وقد شكلت هذه المجموعات الأولى أساسا للروابط التي تطورت لاحقا لتصبح هياكل أكثر تنظيما.

وظهرت مجموعة “أنصار الإسلام”، التي نشأت من “جند الإسلام” و”جناح الإصلاح” (مجموعة الملا كريكار)، في عام 2001 كمجموعة إسلامية شمولية أكثر تشددا وتنظيما، تُركّز بوضوح على إنشاء إمارة إسلامية في كردستان. وسرعان ما اكتسبت هذه المنظمة سمعة سيئة بسبب التزامها الصارم بالشريعة الإسلامية وتكتيكاتها الوحشية، التي شملت شن الهجمات ضد كل من الأهداف الحكومية الكردية والعراقية بعد صيف عام 2003.

وخلال الفترة التي تلت غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، ازداد التعاون بين المجموعات التكفيرية الكردية المحلية والمنظمات الإرهابية العالمية. فوحّد أعضاء رئيسيون من مجموعة “أنصار الإسلام”، التي تضم جهاديين أكرادا، جهودهم مع أبي مصعب الزرقاوي، وهو شخصية بارزة مرتبطة بتنظيم القاعدة والجهاد العالمي. وأسفرت هذه الشراكة عن إنشاء مجموعة “التوحيد والجهاد”، التي أعلنت في نهاية المطاف ولاءها لتنظيم القاعدة.

وكنتيجة لذلك، أصبحت العناصر التكفيرية الكردية جزءًا من حركة إرهابية دولية أوسع نطاقا. وفي عام 2006، اعترف تنظيم القاعدة بالأهمية الإستراتيجية التي يتمتع بها إقليم كردستان، وأسّس رسميا “كتائب كردستان”. فلم تجنّد هذه القوة المتخصصة الجهاديين الأكراد العراقيين والسنّة الإيرانيين فحسب، بل أدت أيضا دورا حاسما في ربط تنظيم القاعدة في أفغانستان بالعمليات الإرهابية في العراق. وعلى الصعيد الداخلي، أعادت “كتائب كردستان” توجيه عملياتها من كركوك والموصل إلى إقليم كردستان. وفي البداية، ركّز تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” تحت قيادة أبي عمر البغدادي جهوده ضد إقليم كردستان العراق أيضا.

وشهد صعود تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014 مشاركة نشطة من جانب الإسلاميين الأكراد الشموليين، كما يتضح من تشكيل “لواء صلاح الدين الأيوبي” فأدى الأعضاء الأكراد دورا هاما في مختلف العمليات، مثل مجزرة سنجار.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، ارتفع عدد عمليات اعتقال إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية في السليمانية وأربيل وكركوك بشكل هائل. ويعود سبب هذا الارتفاع جزئيا إلى زيادة التنسيق بين بغداد وأربيل، ردا على شن هجومين دمويين كبيرين في أواخر عام 2021 ضد قوات البيشمركة في أربيل والسليمانية.

وفي السابع والعشرين من نوفمبر 2021، هاجم تنظيم الدولة الإسلامية اللواء الخامس من قوات البيشمركة في كولجو في ديالى، مما أسفر عن مقتل وإصابة تسعة من أفراد البيشمركة. وفي الثالث من ديسمبر 2021، ضرب تنظيم الدولة الإسلامية قرية كردية في مخمور (على بُعد 60 كم جنوب غرب أربيل)، مما أسفر عن مقتل 13 فردا من البيشمركة والمدنيين. فبعد وقوع هذين الحادثين، أصبح التنسيق بين إقليم كردستان وبغداد ضرورة حتمية.

وبناءً على ذلك، تم اتخاذ قرار دمج اللواء العشرين من قوات البيشمركة التابع لـحكومة إقليم كردستان مع اللواء 66 من الجيش العراقي، وتشكيل قوة مشتركة مؤلفة من 8 آلاف مقاتل لحماية المناطق المتنازع عليها بين محافظة السليمانية في إقليم كردستان ومحافظة ديالى الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد.

إستراتيجية متماسكة

eee

بهدف ضمان الاستقرار ومكافحة التهديد المتجدد الذي يطرحه تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، يحتاج الشركاء الأكراد والعراقيون والدوليون إلى إنشاء إستراتيجية متماسكة. ومن المهم أن يُنشئ الأطراف كلهم إطارا أكثر تكاملا لتبادل المعلومات الاستخباراتية. فيتعين على حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية والولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي ضد داعش اللجوء بانتظام إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية الكافية للتدخل، والمشاركة في برامج التدريب المشتركة، وتطوير قاعدة بيانات استخباراتية مركزية.

وتجب مواصلة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة بين قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي وتعزيزه، لاسيما في المناطق المتنازع عليها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال نشر ألوية مشتركة في مواقع تكتيكية رئيسية، لتعطيل عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” ومنع هذه المجموعة من إحراز التقدم.

وكان تنظيم الدولة الإسلامية حريصا على استغلال التوترات العرقية والحرمان من الحقوق السياسية والمصاعب الاقتصادية. فلا بد من بذل الجهود لتعزيز الحوكمة الشاملة والتنمية المنصفة بهدف الحد من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة، لاسيما في المناطق المتنازع عليها.

ومن الضروري زيادة التعاون بين الدول المجاورة للسيطرة على حركة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية وموارده. ويشمل ذلك تشديد أمن الحدود وتحسين قدرات المراقبة. ويعد الدعم المستمر من الحلفاء الدوليين، لاسيما الولايات المتحدة وقوات التحالف، أمرا بالغ الأهمية لبناء قدرة قوات الأمن في حكومة إقليم كردستان وتعزيز فعاليتها في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ومن أجل مكافحة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية، لاسيما في المناطق الناطقة باللغة الكردية، يجب تطوير إستراتيجيات لمكافحة الدعاية وتنفيذها. فقد يشمل ذلك برامج إشراك المجتمع، وحملات نشر سردية مضادة، واستخدام وسائل الإعلام المحلية لنشر الرسائل التي تقوّض أيديولوجية تنظيم “الدولة الإسلامية” وجهود التجنيد فيه. ونظرا إلى براعة تنظيم الدولة الإسلامية في استخدام المنصات عبر الإنترنت للدعاية والتجنيد، يجب تعزيز تدابير الأمن السيبراني والمراقبة عبر الإنترنت من أجل الكشف عن أنشطته الرقمية ومواجهتها.

ومن أجل إعادة دمج الأعضاء الذين كانوا ينتمون سابقا إلى تنظيم الدولة الإسلامية ويتعاطفون معه في المجتمع الأوسع نطاقا، لا بد من تقديم بعض الخدمات مثل الدعم النفسي والتعليم والتدريب المهني والمبادرات المجتمعية، وهي ستتطلب استثمارا مكثفا من جانب حكومة إقليم كردستان.

وتعتبر الخطابات المضادة الفعالة ضرورية لإضعاف الجاذبية الأيديولوجية التي تتمتع بها المجموعة، لاسيما الدعاية التي تستهدف السكان الأكراد. وعلى الرغم من المرونة والتقدم اللذين أظهرتهما الجهود الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في إقليم كردستان، ما زال الوضع متقلبا ويتطلب يقظة مستمرة. وأما مفتاح النجاح المستدام في مكافحة التطرف وعدم الاستقرار في المنطقة، فيكمن في اتباع المناهج الشاملة التي تتجاوز التكتيكات العسكرية من أجل معالجة الأسباب الجذرية.

7