إقالة وزير الاتصال الجزائري تفتح باب الشائعات على مصراعيه

غياب المعلومة يرشح نظرية صراع الأجنحة في السلطة. 
الخميس 2023/06/22
المعلومة الرسمية الغائب الأبرز

انتشرت التكهنات والنظريات على مواقع التواصل الاجتماعي حول إقالة وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني وعلاقته بانتشار خبر كاذب عن سوء العلاقات بين الجزائر والإمارات، دون أن تقدم وسائل الإعلام الجزائرية رواية رسمية.

الجزائر - أقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وزير الاتصال محمد بوسليماني، دون إعطاء أي تفاصيل حول سبب القرار، لكن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ربطوه بنشر خبر طرد السفير الإماراتي بالجزائر، الذي كذبته السلطات.

وذكر البيان الذي نشرته رئاسة الجمهورية على غير العادة قرابة منتصف الليل “بعد استشارة الوزير الأول، أنهى رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون مهام وزير الاتصال محمد بوسليماني، وكلف الأمينة العامة لوزارة الاتصال بتسيير شؤون الوزارة بالنيابة”.

وكانت تدوينة في حساب موقع قناة “النهار” المملوكة للإعلامي المسجون حاليا أنيس رحماني والمحكوم عليه بالسجن عشرة أعوام نافذة، إلى جانب موقع “الجزائر دايلي” الإخباري، قد تحدثا ليل الثلاثاء - الأربعاء عن “طرد الجزائر للسفير الإماراتي في بلادها”.

وهو ما ردت عليه السلطات الرسمية في البلاد بعد ساعات، حيث نفت وزارة الخارجية في بيان نقلته وكالة الأنباء الجزائرية “نفيا قاطعا” طلب الوزارة من السفير الإماراتي مغادرة التراب الجزائري.

وأضاف البيان “ينفي الناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج نفيا قاطعا ما تم نشره وتداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، من أخبار مغلوطة وكاذبة حول طلب الوزارة من السفير الإماراتي مغادرة التراب الجزائري”. وتابع “تؤكد (الوزارة) أن هذه الأخبار مزيفة، ولا أساس لها من الصحة، مع التأكيد على أن بيانات الوزارة هي المصدر الوحيد للمعلومة”.

وواصل البيان “أعرب الناطق الرسمي عن متانة وصلابة العلاقات الثنائية الجزائرية - الإماراتية المتميزة القائمة بين البلدين والشعبين الشقيقين، مع الحرص المشترك على الارتقاء بها إلى أعلى المراتب”.

وبسرعة تم حذف الخبر من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وموقع “النهار”، بعد تكذيب وزارة الخارجية، لكن ذلك لم يمنع تداوله على صفحات أخرى.

واستبعد مصدر، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن “تكون صحيفة ‘النهار’ وموقع ‘الجزائر دايلي’، قد نشرا الخبر بجهد ذاتي، وأن جهة ما في السلطة تكون قد أملته عليهما، بغرض تلغيم العلاقات بين البلدين، وإشاعة أجواء من نظرية المؤامرة لدى الرأي العام”.

وأضاف المصدر لـ”العرب” أن “الخبر له تداعياته على العلاقات الثنائية وعلى المناخ العام في المنطقة، ولذلك سارعت السلطة إلى عزل الوزير من منصبه، رغم عدم وجود علاقة مهنية مباشرة بينه وبين وسائل الإعلام بشكل عام، خاصة وأن الوسيلتين الإعلاميتين مملوكتان للقطاع الخاص”. وتابع “الخطوة التي أقدمت عليها السلطة هي محاولة استباقية لاحتواء الموقف ومحاصرة التداعيات المنتظرة، خاصة وأن رئيس دولة الإمارات كان قد وجه منذ أسابيع قليلة دعوة للرئيس تبون من أجل زيارة بلاده”.

ورغم أن خبر طرد السفير الإماراتي لم تسنده الوسيلتان الإعلاميتان إلى أي مصدر ونزل في توقيت مشبوه (منتصف الليل)، فإن مسارعة رئاسة الجمهورية إلى الاستغناء عن الوزير بوسليماني جعلت الناشطين يطرحون فرضية وجود علاقة بينه وبين الخبر، ورأوا أن ذلك يوحي بأن جناحا في السلطة أراد استغلال فتور العلاقات بين البلدين لخلق أزمة علنية بينهما عبر توريط الوزير والوسيلتين الإعلاميتين المعروفتين بقربهما من السلطة، رغم أن مالك “النهار” موجود في السجن، ومحسوب على نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة. وعلق ناشط:

وكتب مغرد:

وتم تأويل وتفسير خبر إقالة الوزير بسيناريوهات متعددة من قبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لم يقتنعوا بفكرة إقالة وزير بسبب خبر كاذب نشرته جريدة غير رسمية، واعتبروا أن ذلك يؤشر على صراع الأجنحة في أعلى هرم السلطة. وقال حساب:

وكتب مغرد:

وافترض آخر أن هناك خلفية أخرى للواقعة:

كما حضرت نظرية المؤامرة في تفسيرات وتعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وقال أحدهم:

وأشار البعض من المتابعين إلى تدخل الإخوان في القضية، وغرد متفاعل:

وكان وزير الاتصال محمد بوسليماني من الوجوه المرشحة لمغادرة الطاقم الحكومي في التعديل الذي أجراه الرئيس تبون، في منتصف شهر مارس الماضي، بسبب فشل الوزير في إدارة شؤون القطاع، خاصة وأنه كان ضحية لمقلب نفذه ما يعرف بـ”المراهق النصاب”، وهو شاب جزائري “مهاجر غير شرعي” (22 عاما) في دولة اليونان، اتصل منذ أشهر بالوزير هاتفيا وقدم له نفسه على أنه ضابط سام في المؤسسة العسكرية ومدير الأمن الداخلي، ثم وبخه توبيخا شديدا على تعاطي الإعلام المحلي مع خبر يتعلق به شخصيا.

وشكل حينها التسجيل الذي تم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي إهانة مضاعفة للوزير وللمؤسسة الحكومية، خاصة وأن بوسليماني ظهر في موقف حرج أمام شاب مراهق، تمكن من التلاعب بالوزير وقبله بالعديد من وسائل الإعلام التي كانت تقدمه على أنه “خبير في العلاقات والأمن الدوليين”.

والوزير المقال كان أيضا في قلب اللغط الذي أثير حول ما يعرف بـ”التحكيم التقني” (الفار) لإدارة لقاء اتحاد العاصمة ويانغ أفريكانز التانزاني، في نهائي كأس الاتحاد الأفريقي بالعاصمة، لما ظهر سوء تنسيق كبير بين الجهتين الوصيتين، وهما وزارة الاتصال والتلفزيون العمومي، والاستعانة بشركة إسبانية لتأمين التجهيزات وتثبيتها، وتعرضها للتوقيف من طرف الأمن المحلي، لشكوك حول هويتها ومهامها، ثم اتضح أنها كانت تشتغل في إطار عقد ثنائي.

ورفضت “النهار” و”الجزائر دايلي” الرد أو التعليق على الخبر المنشور لديهما، خلال اتصال صحيفة “العرب” بهما، مما يوحي بأن مفعول القوة التي تدخلت لعزل الوزير وسحب الخبر من الموقعين أثقل بكثير من المصدر الذي زودهما بالخبر، ولا يستبعد اتخاذ قرار إداري بشأنهما في المدى القريب.

ويقول متابعون إن الوصاية على الإعلام اتخذت أشكالا متعددة في الجزائر مع تداخل العوامل الاقتصادية والسياسية؛ إذ انضمت تداعيات الأزمة الاقتصادية على القطاع إلى الضغوط السياسية لتساهم في تكميم المؤسسات الصحفية والأقلام الناقدة للسلطة، لذلك بات من الصعب أن يصل المواطن إلى الحقائق والمعلومة الصحيحة وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد تغص بالشائعات على حساب الحقائق.

ويتأسف ناشطون اليوم على حقبة الانفتاح في تسعينات القرن الماضي حين كانت الصحف تتحدى السلطة بمواقفها ومضامينها، رغم حساسية الوضع السياسي والأمني للبلاد آنذاك، واستطاعت بذلك أن تحفظ لنفسها ولو نسبيا مكانتها داخل المجتمع كسلطة رابعة.

5