إقالات البرهان المتسارعة في الداخلية والجيش تلخص ارتباكه

قائد الجيش السوداني يعفي مدير عام قوات الشرطة وضباط كبار في الجيش ومحافظ البنك المركزي وينهي خدمة عدة سفراء في وزارة الخارجية في أقل من أربع وعشرين ساعة.
الاثنين 2023/05/15
الجيش السوداني يقصف مستشفى في الخرطوم ويتسبب في مقتل وإصابة العشرات

الخرطوم – أعفى الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للقوات المسلحة اليوم الاثنين مدير عام قوات الشرطة عنان حامد محمد عمر من منصبه، كما أنهى خدمة سفراء بوزارة الخارجية، وذلك بعد ساعات قليلة من إعفاء ضباط كبار في الجيش ومحافظ البنك المركزي وتجميد حسابات قوات الدعم السريع، في قرارات بدت وكأنها تعكس ارتباكا وتشنجا لعدم تمكنه من حسم الصراع وفق خططه.      

وجاء في بيان صادر عن مجلس السيادة أن البرهان قرر أيضا تكليف خالد حسان محيي الدين بمهام مدير عام قوات الشرطة.

وفي وقت سابق الاثنين قرر البرهان إنهاء خدمة السفير عبدالمنعم عثمان محمد أحمد البيتي والسفير حيدر بدوي صادق من العمل بوزارة الخارجية.

ووجه وزارة الخارجية والجهات ذات الصلة وضع القرار موضع التنفيذ.

وقبل ساعات من هذه القرارات -التي بدت غير مبررة- أعفى البرهان مساء الأحد أربعة ضباط كبار في الجيش السوداني. وفق وكالة الأنباء السودانية.

وذكرت الوكالة أن الضباط المحالين للتقاعد بالمعاش هم: اللواء الركن عثمان محمد حامد محمد، واللواء الركن حسن محجوب الفاضل عبدالحميد، والعميد الركن أبشر جبريل بلايل، والعميد الركن عمر حمدان أحمد حماد.

وتأتي هذه قرارات البرهان غداة أخرى مماثلة أصدرها الأحد شملت إعفاء محافظ البنك المركزي حسين يحيى جنقول من منصبه، وتعيين برعي الصديق أحمد، أحد نواب جنقول، محافظًا جديدًا للبنك، دون ذكر سبب القرار.

كما قام البرهان بتجميد حسابات قوات الدعم السريع وشركاتها في جميع البنوك بالسودان وفروعها في الخارج. ونص القرار على منع صرف أي استحقاقات أو ميزانيات مرصودة للدعم السريع.

ويرى مراقبون أن القرارات المتسارعة التي اتخذها البرهان خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، تعكس ارتباكه حيث أنه لم يحقق أي انتصارات ميدانية، على قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" منذ بداية الصراع.

ويشير هؤلاء إلى أن تصعيد البرهان تجاه الدعم السريع بتجميد حساباتها لا يخلو من مخاوف من أن تستخدم قوات حميدتي هذه الحسابات لشراء الذخيرة والمعدات العسكرية.

وتأتي خطوة البرهان بعد أن أحكمت قوات الدعم السريع الخناق على الجيش السوداني إثر محاصرة مقر قيادته العامة، ما اضطر العديد من قياداته إلى الاستسلام، مؤكدين انهيار قوات البرهان وبحثها عن خروج آمن.

وواصل الجيش السوداني اليوم الاثنين شنّ هجماته بالطيران الحربي مستهدفا مستشفى في محلية شرق النيل التابعة لولاية الخرطوم وتدمير جزء منها، والتسبب في مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، وفق بيان لقوات الدعم السريع، وذلك رغم تعهده في إعلان المبادئ الذي وقعه ممثلوه الخميس في مدينة جدة بالسعودية بضمان حمايتهم والسماح بوصول المساعدات الانسانية.

وقالت قوات الدعم السريع نشرته عبر صفحاتها على فيسبوك وتويتر "تواصلت اعتداءات الانقلابيين اليوم (الاثنين) على المناطق المأهولة بالسكان المدنيين حيث قصفت الطائرات عدد من المناطق بالخرطوم".

وأضافت أن من بين الأهداف التي تم قصفها بطيران الجيش السوداني مستشفى شرق النيل.

وأكدت إن الهجوم "تسبب في مقتل وإصابة العشرات من المواطنين الأبرياء وتدمير جزء كبير من المستشفى".

ويشهد السودان حالة من الاضطراب منذ اندلاع الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في منتصف أبريل، وقد أوقعت الحرب الدائرة أكثر من 750 قتيلا وآلاف الجرحى، إضافة إلى قرابة مليون نازح ولاجئ.

والاثنين أفاد شاهد عيان في العاصمة وكالة فرانس برس بتعرض منطقة "شرق النيل في شرق الخرطوم لقصف جوي"، فيما أكد آخر في جنوب العاصمة يبلغ من العمر 37 عاما بأن "قصف الطيران وضرب المضادات له يجري منذ الثامنة والنصف صباحا .. لم يتغير شيء منذ بداية النزاع".

وأضاف "الأوضاع تتجه إلى الأسوأ رغم الحديث عن الهدنة، لكن عنف الطرفين ومخاوف الناس تتزايد كل يوم".

في جميع أنحاء السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يعيش 45 مليون مواطن في الخوف ويعانون من أزمات غذائية تصل الى حد الجوع.

وقبل الحرب كان ثلث من سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، واليوم أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الانسانية نهبت كما علقت الكثير من هذه المنظمات عملها بعد مقتل 18 من موظفيها.

وأصبحت السيولة نادرة. فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ الخامس عشر من أبريل، فيما سجلت الاسعار ارتفاعا حادا وصل إلى أربعة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية و20 ضعفا بالنسبة للوقود.

ويعيش سكان الخرطوم الخمسة ملايين مختبئين في منازلهم في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، فيما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة ونيران المدفعية التي لا تطال حتى المستشفيات والمنازل.

وفي جدة بالسعودية، يجري الطرفان محادثات حول وقف إطلاق نار "إنساني" للسماح للمدنيين بالخروج وإتاحة المجال لدخول المساعدات.

لكنهما لم يتفقا حتى الآن سوى على قواعد إنسانية بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات.

ويقول الباحث علي فرجي "إذا لم يغير الطرفان طريقة تفكيرهما، فمن الصعب تصور ترجمة حقيقية على الأرض للالتزامات التي يوقعان عليها على الورق".

ويكرر الخبراء والدبلوماسيون أن كلّا من الجنرالين "مقتنع بأنه يستطيع حسم الأمر عسكريا".

ولكل منهما عدد كبير من العناصر ودعم كبير من الخارج، وهذا ما يجعل الجنرالين يفضلان خوض نزاع طويل الأمد على تقديم تنازلات حول طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية.

والواقع أنه في كل مرة يتعهدان وقف إطلاق نار، يخرقانه منذ الدقائق الأولى.

ويقول أليكس روندوس ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الأفريقي إن "الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع".

وعرف السودان الكثير من النزاعات. في دارفور، أسفر قمع أقليات عرقية مطلع الألفية في عهد عمر البشير (1989-2019) من قبل قوات الجيش وقوات دقلو المتحالفة آنذاك، عن سقوط 300 ألف قتيل ونزوح ما يزيد على 2.5 مليون شخص.

ولا تزال المنطقة إلى اليوم غير مستقرة. ومع اندلاع الحرب بين الجنرالين في الخرطوم، بات الجميع يقاتل في الإقليم الغربي في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع والمقاتلون القبليون ومدنيون مسلحون.

وقال محمد عثمان من هيومن رايتس ووتش لوكالة فرانس برس "نتلقى تقارير بأن قناصة يطلقون النار على أي شخص يخرج من بيته".

وأضاف أن "أشخاص جرحوا في المعارك قبل أسبوعين يموتون في منازلهم" لأنهم لا يستطيعون الخروج منها.

وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن نازحي دارفور في المخيمات "باتوا يأكلون وجبة واحدة يوميا بدلا من ثلاث وجبات".

وحذرت الأمم المتحدة من أن الجوع سيطال 19 مليون سوداني في غضون ستة أشهر، إذا استمرت الحرب.

وكل يوم، يدخل آلاف اللاجئين إلى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وهي الدول الحدودية مع السودان، ما يثير قلق القاهرة التي تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، فيما تخشى الدول الأخرى أن تنتقل عدوى الحرب الى حركات التمرد فيها.

لم يعد هناك في الخرطوم لا مطار ولا أجانب بعدما تم إجلاؤهم جميعا على عجل في الأيام الأولى للقتال، ولا مراكز تجارية إذ تعرضت كلها للنهب.

كذلك، أغلقت الإدارات الحكومية "حتى إشعار آخر" ولم يتحدث الجنرالان إلا لتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام.

وانتقلت بقية إدارات الدولة الى بورتسودان، على بعد 850 كيلومتر شرقا على ساحل البحر الأحمر.

هناك، يسعى فريق مصغر من الأمم المتحدة للتفاوض على مرور المساعدات الانسانية، ويعقد بعض الوزراء وكبار المسؤولين مؤتمرات صحافية يومية يحرصون فيها على توجيه رسائل طمأنة.

ويؤكد فرجي لوكالة فرانس برس أنه "مع تدمير معامل للصناعات الغذائية أو مصانع صغيرة، تسببت هذه الحرب بانحسار التصنيع جزئيا في السودان".

ويضيف "هذا يعني أن السودان سيصبح مستقبلا أكثر فقرا ولفترة طويلة".