إفشال خطة التمكين وراء غضب النهضة من إلغاء وزارة الحكم المحلي

قرار حل المجالس البلدية يلقى دعما شعبيا لكنه يزعج حركة النهضة التي سيطرت على محليات كثيرة نجحت في توظيفها لفائدتها.
السبت 2021/11/27
سيطرة الحزب الواحد انتهنت

تونس- أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد إلغاء وزارة الحكم المحلي وإلحاق المحليات بوزارة الداخلية غضبا لدى حركة النهضة التي كانت تراهن على هذه الوزارة من أجل الاستمرار في خطتها لاختراق المجتمع تحت مظلة المجالس المنتخبة.

ووصف بيان لحركة النهضة الجمعة إلحاق مهام وزارة الحكم المحلي بوزارة الداخلية بأنه قرار خطير يمسّ الفصل السابع من الدستور الذي يؤسس للامركزية وتوسيع دائرة الحكم.

وحذّر البيان، الذي صدر باسم رئيس الحركة راشد الغنوشي، ممّا أسماه “القرار الخطير الذي اتخذه الرئيس بشطب وزارة الحكم المحلي وإلحاقها بوزارة الداخلية وما يعنيه من مصادرة للباب السابع من الدستور الذي حقّق أحد أهداف ثورة الحرية والكرامة، فكان قرار إلغاء الوزارة نكوصا إلى صور المركزة الشديدة للسلطة والاستبداد”.

ولم يشر البيان إلى السبب الرئيسي الذي من أجله تعارض النهضة قرار ضم وزارة الحكم المحلي إلى وزارة الداخلية، لكنّ مراقبين محليين يعتبرون أن النهضة منزعجة من القرار لأنه سينهي عمل المجالس البلدية المنتخبة، والتي مكنتها من السيطرة على محليات كثيرة في غياب منافسة متكافئة مع بقية الأحزاب وكذلك مع المستقلين.

◄ حل الوزارة يفوّت على النهضة فرص الاستقطاب المريح وزيادة عدد الأنصار والتهيؤ لتحقيق مكاسب في أي انتخابات قادمة

ونجحت حركة النهضة في الفوز بإدارة بلديات كبرى مثل تونس العاصمة وصفاقس، ووضعت يدها على المشاريع التي تمس المواطن من قريب، كما أنها صارت تتحكم في ميزانية عدد كبير من البلديات، ولا يعرف في أيّ مجال تم صرف تلك الأموال ولا الطريقة التي صرفت بها، خاصة في ظل ضعف الرقابة المالية في الجهات كما في الإدارات المركزية.

ويشير المراقبون إلى أن فوز الحزب المنظم والذي يمتلك عناصر قوة مثل الأموال فتح أمامه الباب لدخول البلديات والتواصل مع الناس، والسيطرة على الخدمات التي تقدم لهم بشكل مباشر، وهو ما يتيح له فرصا للاستقطاب المريح وزيادة عدد الأنصار والتهيؤ لتحقيق مكاسب في أيّ انتخابات قادمة، واختراق مختلف المؤسسات المحلية والجهوية.

وتساءلت مجموعة من المنظمات في بيان لها الجمعة عن ”سبب حذف وزارة الشؤون المحلية وإحالة مشمولاتها وإلحاق هياكلها بوزارة الداخلية، وما إذا كانت هذه الخطوة تمهد لقبر مسار اللامركزية وعدم دفعه إلى التقدم من خلال استكمال مختلف مكوناته”.

وسبق أن أطلقت حركة النهضة تحذيرات من لجوء الرئيس قيس سعيد إلى هذه الخطوة وسعت لتحشيد ردود فعل بقية الأحزاب، ما يظهر الأهمية التي توليها للمؤسسات المحلية.

وفي الأول من نوفمبر الجاري لفت بيان لمجلس شورى حركة النهضة إلى “خطورة استهداف الحكم المحلي والمجالس البلدية المنتخبة باتجاه تعويضها بنيابات خصوصية موالية للرئيس (سعيد)، وذلك من خلال حذف وزارة الحكم المحلي والهجوم المتكرر على العديد من البلديات من قبل تنسيقيات مجهولة الهوية وهو ما سيؤثر سلبا على حياة المواطنين والخدمات البيئية والإدارية والصحية المقدمة لهم”.

وقبل ذلك، كان الغنوشي نفسه قد قال إنه لا يمكن السماح بإلغاء وزارة الحكم المحلي وإلحاقها بوزارة الداخلية معتبرا أن ذلك “سيعيد البلاد إلى الوراء بعد أن عزز الباب السابع من الدستور مكانة الحكم المحلي”.

حركة النهضة اخترقت المجتمع تحت مظلة المجالس المنتخبة

وسبق أن حذرت شخصيات تونسية، سياسية أو من المجتمع المدني، من خطورة سيطرة حزب واحد على المجالس المحلية وتوجيهها لخدمة أجنداته الحزبية، معتبرة أن الفراغ السياسي على المستوى المحلي يمكن أن يتيح له سيطرة تامة على حياة الناس ومصالحهم، ويوفر له ذلك فرصة لشراء الولاءات الشخصية أو العشائرية التي عادت إلى الواجهة بعد الانتخابات الأخيرة ونجحت حركة النهضة في توظيفها لفائدتها.

وكانت الأستاذة الجامعية رجاء بن سلامة، مدیرة المكتبة الوطنية التونسية، قد حذرت في تغريدة نشرتها في صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، من مغبة عودة الإسلام السیاسي وأسلمة المجتمع عبر نافذة الانتخابات البلدیة.

ولاحظ متابعون للشأن التونسي أن تسييس المجالس المحلية قد حولها إلى ملعب للصراع الحزبي وأنساها دورها الرئيسي وهو تقديم الخدمات للناس، وتمثيل الدولة وتنفيذ برامجها. وقاد الصراع إلى حل أكثر من 30 مجلسا بلديا وفرض إعادة الانتخابات في أكثر من منطقة، ما حمّل الحكومة أعباء إضافية.

ويجد قرار حل المجالس البلدية دعما شعبيا كبيرا كشفت عنه الكثير من المواقف على مواقع التواصل الاجتماعي لنشطاء قالوا إن الأحزاب نقلت فوضى الصراع السياسي المركزي إلى البلديات، وبدل بناء الثقة وإرساء تقاليد التعاون تحولت المجالس إلى حلبة لتصفية الحسابات وتسجيل النقاط على الخصوم، وهو ما وسّع دائرة اليأس بين الناس من جدوى الانتخابات.

1