إغلاق عشرات الإذاعات المستقلة في العراق بالقوة

صحافيون عراقيون يرون أن الإجراء يهدف إلى منح ترددات لإذاعات عدد من الأحزاب السياسية خاصة وأن هيئة الإعلام لم تغلق أيا من الإذاعات التابعة لأحزاب السلطة.
الخميس 2020/06/25
إجراء يقوض حرية العمل الإذاعي

بغداد - أغلقت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية 22 إذاعة محلية في أنحاء العراق بذريعة عدم تسديد الديون المتخلدة بذمتها، رغم استمرار عشرات الإذاعات الأخرى في البث دون تسديد ديونها، في إجراء اعتبر ذا خلفية سياسية ويهدف إلى إخضاع وسائل الإعلام لهيمنة السلطة.

ونقلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، عن صحافيين عاملين في هذه القنوات أن هيئة الإعلام قامت بإرسال فرق من كوادرها مصحوبة بعناصر من الأمن الوطني إلى مقرات الإذاعات وإرغامها على إنزال الإشارة وإغلاق المكتب لحين تسوية الديون.

وأوضحوا أن الهيئة أبلغت إدارات الإذاعات بحجز الأطياف الترددية الخاصة بها لفترة محددة، وفي حال عدم تسوية الأمور المالية فإن الهيئة ستبيع تلك الأطياف الترددية إلى إذاعات أخرى.

ويرى الصحافيون أن هذا الإجراء يهدف إلى منح إذاعات عدد من الأحزاب السياسية ترددات، بعد امتلاء الفضاء العراقي بالترددات بسبب الفوضى وعدم التنظيم، واستحواذ شركات الهاتف النقال والإنترنت على معظم مجالات الفضاء العراقي.

ولفتوا إلى أن “الهيئة لم تغلق أيا من الإذاعات التابعة للأحزاب السياسية ولاسيما أحزاب السلطة، التي تعمل على الرغم من ترتب ديون كبيرة بذمتها، بل إن بعضها يعمل دون رخصة من الهيئة”.

جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق تطالب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بفتح تحقيق في إجراءات الهيئة الأخيرة، والوقوف على خروقات الهيئة باسم القانون

وتمارس هيئة الإعلام والاتصالات ضغوطا كبيرة على إذاعات مستقلة منذ أشهر عديدة، وفي أبريل الماضي توجهت قوات عسكرية برفقة الأمن الوطني لإجبار إذاعات مستقلة على الإغلاق بالقوة، أو دفع رسوم أقرت عام 2004 في عهد سلطة الائتلاف، لكن هذه الممارسات لم يتم تطبيقها بحق مؤسسات الأحزاب الإعلامية.

ونوهت الجمعية إلى أن استيفاء الأجور المالية من الإذاعات حق مشروع وقانوني، إلا أنها تعتبر الانتقاء في التعامل موضوع خطير يهدف إلى تقويض حرية العمل الإذاعي، وضرب وسائل الإعلام المستقلة، لاسيما وأن الهيئة تتحرك وفق أهداف تبدو سياسية أو مالية أكثر من كونها مهنية.

وطالبت الجمعية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بفتح تحقيق في إجراءات الهيئة الأخيرة، والوقوف على خروقات الهيئة باسم القانون، وقالت إنها ستعده شريكا معها في تقويض دور الصحافة المستقلة في حال سكوته على ذلك.

وكشف مصدر في هيئة الإعلام والاتصالات أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عقد مؤخرا اجتماعا برئيس الهيئة وعدد من الأمناء وطالبهم بالكشف التفصيلي عن الإيرادات التي استوفتها الهيئة.

ويتوقع المسؤولون في الهيئة أن يعفي رئيس الوزراء الرئيس والأمناء ويستعين بفريق جديد متخصص، لذلك يحاول رئيس الهيئة جباية مبالغ الديون المترتبة على الإذاعات والفضائيات أو منح الأطياف الترددية للإذاعات التي تمتنع عن دفع ديونها وبيعها من جديد، لإقناع الكاظمي بجدوى عملهم.

وأضاف المصدر “أن حجم الديون المترتبة على الفضائيات العراقية والإذاعات المحلية يصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار”.

بدورها، أصدرت النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين بيانا اتهمت فيه الهيئة بـ”ازدواجية التعامل، إثر ملاحقتها الإذاعات المستقلة وغض الطرف عن تلك التابعة لأحزاب السلطة”.

الإغلاق الجماعي يشكل مخالفة دستورية
الإغلاق الجماعي يشكل مخالفة دستورية

وأشارت إلى أن هيئة الإعلام والاتصالات متهمة بلعب دور سياسي منحاز منذ اندلاع الاحتجاجات في العراق وإغلاقها 19 وسيلة إعلام في يوم واحد لإسكات الصحافة التي تنقل أخبار الاحتجاجات.

وتثير قرارات هيئة الإعلام والاتصالات جدلا واسعا في العراق، بسبب ممارساتها التي يعتبرها البعض تعسفية ومبالغا فيها، وتسيرها وفق مصالح جهات سياسية معينة، ففي ديسمبر الماضي أصدرت قرارا بإغلاق مكاتب 8 فضائيات و5 إذاعات، بدعوى ”مخالفتها مدونات السلوك المهني“، بينها ”العربية الحدث“ و“أ.إن.بي“ اللبنانية، إضافة إلى 6 محلية هي ”إن.آر.تي“ (شبكة قنوات تُبث من مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق) و“دجلة“ و“الشرقية“ و“الفلوجة“ و“الرشيد“ و“هنا بغداد“.

كما قررت الهيئة إغلاق مكاتب 5 إذاعات بينها إذاعتا ”الحرة عراق“ و“سوا“ الأميركيتان و3 محلية هي ”راديو الناس“ و“إذاعة اليوم“ و“نوا“، قائلة إن هذه القرارات جاءت إثر ”مخالفة“ تلك الفضائيات والإذاعات ”مدونات السلوك المهني“.

وتمتلك وسائل الإعلام المشار إليها مكاتب أو مقرات رئيسية في العاصمة بغداد كما أن لدى أغلبها مكاتب في المحافظات الأخرى من البلاد وخاصة القنوات التلفزيونية المحلية. وأكدت منظمات حقوقية أن هذا الإغلاق الجماعي يشكل مخالفة دستورية صريحة للدستور الذي كفل حرية الصحافة والإعلام والإعلان والنشر بكل أشكاله.

وشكك “بيت الإعلام العراقي” في دستورية قرار الإغلاق واعتبر أن توقيت القرار (جاء خلال تظاهرات شعبية) وشموله وسائل إعلام بارزة بشكل متزامن يمثلان إشارة سلبية إلى تراجع حرية الرأي والتعبير، وخضوع هيئة من المفترض أن تكون مستقلة، إلى إرادة السلطات التنفيذية، لتتخلى عن استقلاليتها بشكل واضح.

 ورغم المطالبات بمحاسبة الهيئة على قراراتها التعسفية في الأعوام الماضية، إلا أنه لم يتم أي تحرك في هذا المجال.

ويستند عمل هيئة الإعلام والاتصالات على الأمر الصادر من رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة بول بريمر بالرقم 65 لسنة 2004 ولم تفلح المساعي لإقرار قانون جديد تحت قبة البرلمان حتى الآن.

18