إغداق الحكومة المصرية على الفقراء لا يضمن الاستقرار لها

القاهرة – أغدقت الحكومة المصرية على الفقراء لتخفيف الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الزيادة في الأسعار وخفض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتسعى نحو توفير السلع الأساسية بتخفيضات واضحة، وزادت من المساعدات للأسر محدودة الدخل.
وتحاول الحكومة حاليا إيجاد حلول عاجلة للكثير من ذوي الدخول المنخفضة، وتحث رجال الأعمال على تقديم تبرعات مباشرة للفقراء، ومؤسسات خيرية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي لتتمكن من تخفيف حدة المشكلات، التي تسعى الحكومة منذ سنوات إلى إحداث توازن في توجهاتها الرأسمالية ومسؤولياتها المجتمعية.
أوقعت الحكومة نفسها في تناقض اقتصادي واضح، حيث تشير تصرفاتها إلى أنها تتبنى نهجا حرا في العملية الاقتصادية، وتبالغ في الحرص على شبكات الأمان الاجتماعية عبر برامج حماية متعددة، أملا في تقويض معاناة الأسر الفقيرة.

محمد سامي: الحكومة تفتقر للقدرة على تقديم أكثر مما قدمته لتخفيف الأزمة
ولا تعبّر هذه الازدواجية عن تناقض في الإجراءات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، فجميع التحركات تعزز التوجه نحو الاقتصاد الحر، وخطواتها الاجتماعية لها أهداف أمنية وسياسية، وتريد سد الثغرات التي يمكن أن تمثل منغصا لعدم الاستقرار.
وتشعر الحكومة بالخطورة التي ينطوي عليها التراخي في أداء دورها المجتمعي، لأنها عندما تراخت حكومات سابقة خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تمكنت جماعة الإخوان وحركات سلفية من ملء الفراغ، واخترقت جمعياتهم الخيرية قاع المجتمع وجدرانه الهشة.
وحصل الإخوان والسلفيون على مردودات إيجابية سريعة لخدماتهم لشريحة كبيرة من الفقراء، ونجحوا في الحصول على تعاطفهم، ما انعكست ملامحه في صناديق الانتخابات، إذ كان هؤلاء يصوتون لصالح الإخوان ومتشددين في انتخابات البرلمان، بما منحهم حضورا في أعلى سلطة تشريعية في البلاد.
زادت الأزمة بحدوث تعاطف مع الطيف الإسلامي لدى الشريحة المتلقية للمساعدات، عندما تمكن النظام المصري من تقويض نفوذ الإخوان والسلفيين، من دون أن ينتبه إلى خطورة الفراغ الذي تركوه بعد انقطاع مساعداتهم.
وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي إن إجراءات الحكومة يمكن أن تسهم في تخفيف الآثار السلبية، لكن قد لا تحقق أهدافها السياسية على مستوى تخفيض مستوى الغضب، بسبب زيادة الأسعار، لأن عددا كبيرا من المواطنين تعرضوا لأزمات جراء الإجراءات الاقتصادية الصعبة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تفتقر للقدرة على تقديم أكثر مما قدمته، حيث حشدت كافة أسلحتها للتخفيف من الآثار الناتجة عن اندلاع الأزمة الأوكرانية، وسوء حظها أن الأزمة تفاقمت قبل شهر رمضان الذي يتضاعف فيه إنفاق الأسر بمصر، ما يجعل التأثيرات السلبية أشد وطأة على فئات اعتادت على طقوس بعينها.
وأوضح أن الجمعيات الأهلية التي تدور في فلك الحكومة لن تستطيع تعويض غياب تنظيم الإخوان وغيره من الحركات الإسلامية، التي كانت لديها مصادر تمويل متعددة وتنفق دون حسابات اقتصادية، فالهدف هو الوصول إلى السلطة بأي ثمن تدفعه القوى الخارجية الداعمة لها، عكس الحكومة التي تنفق من الموازنة العامة للدولة.
وازدحمت برامج الحماية الاجتماعية في السنوات الماضية واتخذت أشكالا متنوعة، خوفا من عودة القوى الإسلامية عبر أذرعها الخفية إلى التأثير في الحلقات الفقيرة والضعيفة، التي يمكن أن تكون مهيأة للانحياز لمن يخفف عنها أزماتها.
إقالة حكومة مصطفى مدبولي، وتغيير عدد كبير من وزراء المجموعة الاقتصادية، أصبحت خيارا مطروحا الفترة المقبلة يمكن أن يوفر استقرارا مؤقتا للنظام
وشجعت الحكومة جمعيات مدنية ليست لها ولاءات مع الإخوان أو السلفيين على تقديم المزيد من المساعدات، بعد أن تمكنت من حصار دور الجماعة السياسي وتضييق الخناق على العناصر الإرهابية، ووضع ضوابط صارمة حول الدور الاجتماعي لأي جهة، لتمنع تكرار تسريب سابق استخدم حيلا متباينة صب في صالح فلول الإخوان.
ينبع تركيز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على مساعدة الفقراء في كل مناسبة اجتماعية من شعور بعظم المسؤولية، وإدراك لخطورة المشكلات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ولا يريد أن تكون نافذة يقفز منها خصومه ويحرضون طبقة واسعة في المجتمع على توجيه معاناتهم وطعناتهم إلى صدر النظام السياسي.
وخفّفت خطوات الحكومة من حدة الغضب الشعبي، وأسهمت ضمن عوامل أخرى، في تمرير الفترة الصعبة الأولى في برنامج الإصلاح الاقتصادي، ما شجعها على اتخاذ خطوات أشد قسوة وهي مدركة أن ردود الفعل لن تخرج عن المألوف.
قد تواجه إجراءات الحكومة ومحاولاتها المستمرة لتبدو منحازة للفقراء من خلال برامج الحماية الاجتماعية، صعوبات تجعلها غير قادرة على الصمود طويلا، لأن الفجوة بين المساعدات والغلاء الفاحش في الأسعار تحتاج إلى ميزانية ضخمة لتجسيرها، بما يقود إلى معاناة كبيرة ربما تؤدي إلى الشعور بعدم الاستقرار.
يقول مراقبون إن الرئيس السيسي يحتفظ بورقة تغيير الحكومة الحالية، والتي أثيرت تكهنات عدة حول تغييرها، ليستخدمها كوسيلة لامتصاص غضب شعبي محتمل، في ظل عدم قدرة المساعدات المقدمة على الوصول إلى الفئة الفقيرة المتزايدة، بسبب غموض الأفق اللازم لتقليل الأزمات الاقتصادية.
ويضيف المراقبون أن إقالة حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وتغيير عدد كبير من وزراء المجموعة الاقتصادية، أصبحت خيارا مطروحا الفترة المقبلة يمكن أن يوفر استقرارا مؤقتا للنظام في مواجهة حزمة كبيرة من التحديات الداخلية والخارجية.