إعصار يزعزع جنبات المدارس التقليدية

المنتخب الإسباني لم يقنع في مجمل مبارياته الثلاث ضمن دور المجموعات، قبل أن تحين ساعة الصفر في الدور الثاني ضد منتخب روسي مغمور.
الثلاثاء 2018/07/03
خروج الكبار

اصطف الجمع منذ برهة من الزمن في محطة الانطلاق نحو اللقب العالمي، كان الكل يتنافس من أجل اللحاق بالركب، الكل يخشى زلة القدم وعدم التمكن من “السفر” إلى الأراضي الروسية، لم يمهل الحظ وسوء التقدير منتخبات عريقة تعثرت باكرا وتخلفت عن الرحلة.

لقد سقط المنتخب الإيطالي البارع عبر المراحل التاريخية السابقة في المونديال، آن له كي يتنازل عن كبريائه وهو الذي فشل في أخذ مكانه في هذا القطار، سار حذوه المنتخب الهولندي، فالتاريخ المميز لكليهما لم يشفع لهما كي يحضرا العرس الكروي.

انطلق القطار بسرعة، وحل الركب وبدأت المنافسات والرهانات، كانت أشبه بلعبة “مجنونة” في مدينة ملاهي تطيح بمن تشاء وتصعد بمن تشاء، أبت هذه اللعبة إلا أن تكون لها كلمات مغايرة، فلم ترحم المنطق التاريخي، لتعبث بـ”الكبار” بعد أن فعل ذلك في السابق ذلك القطار.

لم ترحم قواعد اللعبة الجديدة بعض من “صفوة العشيرة”، كان الضحايا كثر، فغادر المنتخب الألماني حامل اللقب مبكرا غير مأسوف عليه، أسعفت البعض الآخر، لكن هذه “اللعبة” باتت أكثر عنفا، فجاء الدور على المنتخب الأرجنتيني ثم تبعه بسرعة قياسية المنتخب البرتغالي، قبل أن يأتي الدور على المنتخب الإسباني “الجريح” منذ المونديال السابق، فلم ترحمه نواميس اللعبة وألقت به بعيدا عن دائرة المراهنة.

لقد بدت اللعبة الجديدة تفرض شروطا جديدة وغير مسبوقة، لم تعد ترضى اليوم بالقوالب البالية والنمطية المستهلكة في أساليب التدريب والتعاطي مع كرة القدم، وسط عالم متسارع النبضات والتغييرات.

لقد “عبثت” اللعبة بكل المدارس و”هدّت البيوت على ساكنيها”، تمنعت على المدرسة الإيطالية المرتكزة على الدفاع القوي الصامد أو ما يعرف بـ”الكاتيناتشو”، رفضت أسلوب الكرة الهولندية الشاملة ليلف النسيان منتخب “الطواحين” فسقط بدوره قبل بدء السباق. ليأتي الدور بعد ذلك على المنتخب الألماني، فالمنتخب الذي عُرف أساسا بالانضباط الخططي البارع والصارم لم يقو بدوره على الصمود أمام هذا “الإعصار المدمر” الذي زعزع كل جنبات وأركان المدارس التقليدية، فلم تسلم منه تلك المنتخبات التي تعتمد على نظرية “النجم الأوحد”، فاستسلم ميسي ورونالدو وغادرا مع منتخبي الأرجنتين والبرتغال الأرض الروسية دون وداع حار.

تداعيات هذا الإعصار أو “التسونامي” الذي جاء هذه المرة ليقوّض أسس كل المدارس المعروفة، استمرت ليلحق المنتخب الإسباني بقائمة ضحاياه، لقد دمر هذا الإعصار كل شيء واغتال الأحلام الإسبانية.

لقد فرضت قواعد هذه “اللعبة” الجديدة ضرورة تنظيف المكان من كل “آثار” المدارس القديمة ومن بينها تلك المدرسة الإسبانية التي انبنت على أسس متينة عمادها “التيكي تاكا” أو ما يعرف بأسلوب الاستحواذ الكلي على الكرة.

صارت هذه “التيكي تاكا” معدمة ومفلسة وفقا للشروط الجديدة في اللعبة، لم يعد لها أي أثر قوي بعد أن أتاحت للمنتخب الإسباني منذ عشر سنوات بالضبط فرصة فرض الهيمنة أوروبيا وعالميا طيلة ثماني سنوات، كانت هذه الفترة بمثابة العصر الذهبي الذي حاز خلاله منتخب “الماتادور” على لقبين في أمم أوروبا ولقب أغلى في كأس العالم سنة 2010.

لكن كل شيء ولى وانتهى، والمونديال الروسي بشروط “لعبته” وبإعصاره المزلزل أراد أن يضيف مدرسة “التيكي تاكا” إلى قائمة الضحايا.

كل المؤشرات الأولية وكل الارتدادات التي تسبق لحظة الإعصار أكدت هذا السقوط، فالمنتخب الإسباني لم يقنع في مجمل مبارياته الثلاث ضمن دور المجموعات، قبل أن تحين ساعة الصفر في الدور الثاني ضد منتخب روسي مغمور.

كانت لحظة الترنح والسقوط، فجاءت قوية للغاية، كانت عنيفة إلى درجة أن البعض بدأ يتحدث عن نهاية الزمن الجميل لهذه “التيكي تاكا” الممتعة، لم تعد اليوم ممتعة بل باتت معدمة ومكشوفة أمام الجميع.لقد غدت هذه المدرسة مثل بقية المدارس التقليدية بحاجة ماسة إلى التغيير والمراجعة.

23