إصلاحات القضاء تضع علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة في خطر

تدرك أوساط سياسية إسرائيلية أن قرارات الحكومة لا تحدث أزمات داخلية فقط وإنما هي توتر العلاقات مع أكبر الحلفاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي تبدي رفضا لما يحدث وتدعو إلى إلغاء مشروع تعديل القضاء واحتواء الأزمة بين السلطة والمعارضة.
القدس - تلقي خطط الحكومة الإسرائيلية لإصلاح القضاء بظلالها ليس فقط على الشأن الداخلي لكنها تغير طبيعة العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، حيث تفيد تقارير بأن الأوساط السياسية بدأت تلتمس وجود خطر على علاقة إسرائيل بواشنطن.
وحذر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي من أن العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل “في خطر” جراء خطة الحكومة لـ”إصلاح القضاء” وسياساتها تجاه الفلسطينيين والعزلة المتزايدة بين اليهود الأميركيين وتل أبيب، مقترحا ثلاث توصيات لإصلاح تلك العلاقات.
وفي دراسة جديدة قال المعهد التابع لجامعة تل أبيب “في الوقت الحالي، العلاقات الإسرائيلية – الأميركية الخاصة في خطر، لاسيما بالنظر إلى اتساع الفجوات في تصور الديمقراطية، والسياسة الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية، والعزلة المتزايدة بين الجالية اليهودية الأميركية ودولة إسرائيل”.
ويأتي هذا التحذير على خلفية إصرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو على تمرير مشاريع قوانين خاصة بما تعتبرها “إصلاحات قضائية”، ولا تخفي واشنطن معارضتها لعدم وجود إجماع إسرائيلي بشأن التشريعات.
على الرغم من الاحتجاجات المتواصلة على مشاريع قوانين "إصلاح القضاء"، تتواصل الجهود لتمريرها من جانب الحكومة
ويتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين منذ شهور ضد الإصلاحات القضائية المقررة. وقد تظاهر المئات من الأشخاص في مواقع مختلفة اليومين الماضيين ضد الإصلاح القضائي.
ويهدف الإصلاح الذي تؤيده الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل إلى تغليب سلطة النواب على سلطة القضاة.
وترى الحكومة أن هذه الخطة ستعيد “توازنا مفقودا” منذ سنوات بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، بينما تقول المعارضة إنها ستمكن الحكومة من السيطرة على السلطة القضائية و”تحول إسرائيل إلى دكتاتورية”.
وقد أصبح مسار حكومة نتنياهو اختبارا للعلاقات الأميركية – الإسرائيلية في الأشهر الماضية. وقد طمأن الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الصداقة بين البلدين في رأيه “لا يمكن ببساطة تحطيمها”. وقال الرئيس الأميركي إن “التزام الولايات المتحدة إزاء إسرائيل قوي ومتين”.
لكن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي شدد على أنه “بدون قيم مشتركة، لا توجد مصالح مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ولا علاقات خاصة، وللمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن إسرائيل لن تكون دولة ديمقراطية بعد الآن”.
وشدد على أن “العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة توضح الفرق بين إسرائيل كقوة إقليمية وإسرائيل كدولة صغيرة ذات قدرات محدودة”.
ولفت إلى معارضة إدارة الرئيس الأميركي بشدة لكل من “الإصلاح القضائي والسياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية”.
وكان الرئيس الأميركي أعرب أيضا عن أمله في أن “تتخلّى” الحكومة الإسرائيلية عن هذه التعديلات.
الإصلاح الذي تؤيده الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل يهدف إلى تغليب سلطة النواب على سلطة القضاة
وأعلن بايدن الاثنين موافقته على عقد لقاء مع نتنياهو في وقت لاحق هذا العام في الولايات المتحدة سيكون الأول منذ عودة الأخير إلى السلطة العام الماضي.
وفي غضون ذلك، التقى بايدن بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الثلاثاء في واشنطن، ودعا هرتسوغ الذي يشغل منصبًا فخريًا الأطراف الإسرائيلية إلى إيجاد حل وسط قبل مغادرته إلى الولايات المتحدة.
وتعد إسرائيل أهم شريك للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وترتبط الدولتان ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات التاريخية والثقافية بالإضافة إلى المصالح المشتركة.
وترتكز العلاقات الثنائية بين الدولتين على أكثر من 3 مليارات دولار من التمويل العسكري الأجنبي سنويًا. وبالإضافة إلى الدعم المالي، تشارك الولايات المتحدة إسرائيل في عمليات متبادلة رفيعة المستوى، تشمل التدريبات العسكرية المشتركة، والبحوث العسكرية، وتطوير الأسلحة. ومن خلال القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب والحوار الإستراتيجي كل ستة أشهر، عززت الولايات المتحدة وإسرائيل تعاونهما في مكافحة الإرهاب.
وتعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لإسرائيل. ومن أهم خمس صادرات أميركية إلى إسرائيل: الماس، والآلات، والمنتجات الزراعية، والطائرات، والأجهزة البصرية والطبية؛ وأكبر خمس واردات أميركية من إسرائيل: الماس، والمنتجات الصيدلانية، والآلات، والأدوات البصرية والطبية، والمنتجات الزراعية. والاستثمار الأميركي المباشر في إسرائيل موجه في المقام الأول إلى قطاع الصناعات التحويلية، كما هو الحال مع الاستثمار الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
وأبرمت الولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقية تجارة حرة في عام 1985، وهي بمثابة الأساس لتوسيع التجارة والاستثمار بين البلدين من خلال الحد من الحواجز وتعزيز الشفافية التنظيمية. ومن أجل تسهيل التعاون الاقتصادي، يعقد البلدان مجموعة اقتصادية مشتركة للتنمية كل عام لمناقشة الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين والإصلاحات الاقتصادية المحتملة للسنة القادمة.
كما تنسق الولايات المتحدة وإسرائيل التبادلات العلمية والثقافية من خلال مؤسسة العلوم الثنائية، والمؤسسة الثنائية للتنمية والبحوث الزراعية، ومؤسسة التعليم الأميركية – الإسرائيلية.

وعلى الرغم من احتجاجات شعبية متواصلة للأسبوع الثامن والعشرين على مشاريع قوانين خطة ”إصلاح القضاء”، تتواصل الجهود لتمريرها من جانب الحكومة التي تولت السلطة في 29 ديسمبر الماضي، وتوصف بأنها “أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل”.
وفي أكثر من مناسبة، أكدت واشنطن تمسكها بحل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، ورفضها للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها البناء الاستيطاني وهدم والاستيلاء على منازل فلسطينيين.
وتابع تقرير المعهد أنه “على الجبهة السياسية الداخلية الأميركية، يدعم الناخبون الديمقراطيون الفلسطينيين أكثر ويؤيدون إسرائيل أقل. كما أن الولايات المتحدة محبطة من موقف إسرائيل من الصين وسياساتها في ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية”.
اقرأ أيضا:
وتحتفظ إسرائيل بتعاون وعلاقات جيدة مع الصين، المنافس الإستراتيجي للولايات المتحدة، وترفض حتى اليوم تزويد أوكرانيا المدعومة من الغرب بمعدات عسكرية في حربها المتواصلة مع روسيا منذ 24 فبراير 2022.
وبخصوص اليهود الأميركيين، حذر المعهد من أنهم “يبتعدون عن إسرائيل”.
وقدم معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي 3 توصيات للحكومة الإسرائيلية لإصلاح الوضع مع الإدارة الأميركية، وهي “وقف التشريع أحادي الجانب (تعديل القضاء) والمضي قدما على أساس اتفاق وطني واسع، والامتناع عن الخطوات أحادية الجانب التي تغير الوضع الراهن على الأرض (في الأراضي الفلسطينية)، والدفع بمبادرة إسرائيلية استباقية على الجبهة الفلسطينية”.
ومنذ أبريل 2014، توقفت مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لأسباب بينها تمسك تل أبيب باستمرار الاستيطان وتنصلها من إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقا لمبدأ حل الدولتين.