إصلاحات التعليم والأسلمة تهملان الأطفال الأتراك

مدارس الدولة تشهد تراجعا مع تحول قطاع التعليم إلى سوق في ظل التأثير المتزايد للدين في نظام المدارس.
الجمعة 2019/02/08
أردوغان في مدرسة الإمام الخطيب بجانب طفل يقرأ القرآن

شهدت تركيا زيادة حادة في التعليم الديني بموجب إصلاحات طرحها الرئيس رجب طيب أردوغان، ويرى معارضو هذا التوجه أنها حملة مبالغ فيها هدفها إقامة مجتمع أكثر التزاما بالدين الإسلامي لتمنح ضمنيا نفوذا أكبر للحزب الحاكم، ويتواصل انتقاد هذه الإصلاحات لإهمالها وضعية الأطفال بهذه المؤسسات الدينية بعد أن كشفت تقارير عن تعرضهم للتحرش والاغتصاب.

إن الشيء الوحيد الثابت في نظام التعليم في تركيا في قرابة عقدين من الزمان أي منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا هو التيار المستمر من تغييرات السياسة التعليمية. فقد أدخلت الحكومة التركية بالفعل تغييرات كبرى على نظام التعليم 14 مرة في آخر 16 عاما، ويستعد وزير التعليم التركي الحالي ضياء سلجوق لإدخال مجموعة أخرى من الإصلاحات.

ويعني هذا أنه خلال 16 عامًا لم يتخرج أي طلاب من المدارس تحت نفس النظام التعليمي الذي بدأ تطبيقه عليهم. وقد أثارت هذه القضية نقاشا حادا بين المعلمين الأتراك. مثلما فعلت قضية الظروف الخاصة للعاملين في مجال التدريس المتعاقد معهم وأولئك الذين يحصلون على أجرهم بالساعة.

وقال كاظم إيلانجي رئيس فرع اتحاد العاملين في التعليم والعلوم في قاضي كوي، على الجانب الآسيوي من إسطنبول “التعليم أصبح مثل أحجية الصور المقطعة، ونحن لا نفعل أي شيء سوى الرجوع للخلف”.

وقال إيلانجي، وهو مدرس في مدرسة بإسطنبول منذ 15 عامًا، إنه شهد تراجعًا في مدارس الدولة، وهو وضع يُلقي فيه باللائمة جراء تحويل التعليم إلى سوق، بالإضافة إلى التأثير المتزايد للدين في نظام المدارس.

والعلامة اللافتة بشكل صارخ للتأثير المتزايد للدين في نظام المدارس هي زيادة مدارس الإمام الخطيب الدينية التي تخضع لسيطرة الدولة. فقد تحولت هذه المدارس من مؤسسات متخصصة تدرس الموظفين الدينيين المستقبليين، إلى تدريس أكثر من مليون طالب حاليًا تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاما، وذلك منذ صعود الأحزاب السياسية الإسلامية في تسعينات القرن الماضي.

وقد أصبح لهؤلاء أهمية خاصة تحت حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي. والعام الماضي، حصلت المدارس على ما نسبته 23 بالمئة من تمويل التدريس لطلاب المدارس العليا الذين تتراوح أعمارهم ما بين 14 و18 عاما على الرغم من أنها تُدرس ما نسبته 11 بالمئة فقط من الطلاب في هذه الفئة العمرية.

 ويُعد التأثير المتزايد للمؤسسات الدينية جزءًا من هذه الأهمية المتزايدة للإسلام. وتم منح بعض هذه المؤسسات، وربما تكون مؤسسة إنسار مثالًا بارزًا، سلطة التدقيق ووضع المناهج الدراسية للمئات من فصول التعليم الديني.

ويقول إيلانجي “يأتي (المعلمون الدينيون من المؤسسة) إلى المدارس بكتب وضعتها مؤسستهم للمنهج، ويقومون بتسليم هذه الكتب إلى المدرسين. فبأي حق يفعلون هذا؟”

العلامة اللافتة بشكل صارخ للتأثير المتزايد للدين في نظام المدارس هي زيادة مدارس الإمام الخطيب الدينية التي تخضع لسيطرة الدولة، فهي تدرس حاليًا أكثر من مليون طالب تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاما

وقد تسبب وضع المؤسسة في ما يتعلق بتدريس الطلاب في المدارس – حيث توجد نسبة كبيرة منهم لا يتبعون المذهب السني الذي تتبعه المؤسسة- بالفعل في قلق خطير للآباء. وتمت إثارة علامات التحذير الأكثر خطورة في عام 2016 عندما ظهرت إلى النور فضيحة الاعتداء على طفل والتي تؤثر بدورها على العشرات من الطلاب.

وفي شهر مارس من عام 2016، تم توجيه اتهام إلى محرم بويوكتورك، وهو مدرس في مؤسسة إنسار، بالتحرش واغتصاب 45 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 9 و10 سنوات يقيمون داخليًا في سكن تديره المؤسسة في مدينة كارامان الواقعة وسط الأناضول في الفترة ما بين عامي 2012 و2016.

ويقول إيلانجي “إنهم مازالوا يحاولون إشراك المؤسسة المسؤولة عن اغتصاب 45 طفلًا… وقد حان الوقت للوقوف وتقييم الموقف”.

وربما يكون هذا أبرز مثال على الخطر الذي يمثله نظام التعليم على الأطفال في وضعه الراهن. لكن أطفال المدارس يتعرضون أيضًا للإهمال على نطاق واسع بسبب مشاكل هيكلية أخرى، ليس فقط بسبب نظام التوظيف الذي يميز ضد المدرسين الذين يحصلون على أجرهم بالساعة.

ويعني هذا النظام أن بعض المدرسين يحصلون على 1500 ليرة تركية فقط (أي ما يعادل 280 دولارا) شهريا، وهو أقل من نصف ما يتقاضاه أولئك الذين يعملون بنظام العقد عن نفس عدد الساعات التي يعملها المدرسون العاملون بنظام الساعة، كما أن هذا المبلغ أقل من الحد الأدنى للأجور في تركيا. والأكثر من ذلك أن هؤلاء الذين يعملون بنظام الساعة لا يحصلون على مقابل أيام العطلات والإجازات المرضية بالإضافة إلى أنهم يخسرون جزءًا كبيرًا من مدفوعات الضمان الجماعي الخاص بهم، الذي لابد أن يدفعوه من جيوبهم وإلا واجهوا عقوبات.

وتقول ألين ألتونكايا، وهي مدرسة دراما تحصل على أجرها بالساعة، “نحن من بين أدنى الحالات… فنحن نحصل على رواتبنا طبقا لعدد الحصص التي قمنا بتدريسها. ويتم تحديد المبلغ بناء على عدد الطلاب في الفصول ولا يتجاوز بأي حال من الأحوال 20 ليرة في الساعة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يتوقعون الكثير منك. فهم يعتقدون أن الدراما تتعلق فقط بتمثيل المسرحيات، لذا فهم يتوقعون تقديم عرض خاص كل يوم”.

وبالنسبة إلى ألتونكايا، فإن الدراما، والموسيقى، والفن تتعرض للإهمال على حد السواء من قبل الآباء والنظام الذي يرفض منح المدرسين عقودًا ويتركهم بدون ضمان اجتماعي.

وقالت “نحن في نفس الوضع حيث أننا نعمل دون وثائق. ولا ينظر إلينا زملاؤنا حتى على أننا مدرسون”.

وفي الوقت نفسه، تراجعت جودة المدرسين بصورة شاملة إلى درجة أن تقريرًا صدر مؤخرا خلُص إلى أن متوسط الإجابة الصحيحة للمدرسين الذين تخرجوًا حديثًا في مواد مثل الفيزياء، والرياضيات، والكيمياء كان 10 من 50 سؤالًا فقط في المواد التي يقومون بتدريسها.

الدراما والموسيقى، والفن تتعرض للإهمال على حد السواء من قبل الآباء والنظام الذي يرفض منح المدرسين عقودًا ويتركهم بدون ضمان اجتماعي

وبالنسبة لعباس جوتشلو، وهو صحافي معني بقطاع التعليم في صحيفة ملييت، فإن الوضع لا يثير الدهشة.

ويقول جوتشلو “لا يتعلق هذا بالمدرسين فقط. فنحن نرى وضعا مماثلا في كل قطاع تقريبا.. ويجب أن يكون الوضع مختلفًا مع المدرسين، لكنهم يفتحون كليات تربية (ذات مستوى منخفض أيضًا)، وسيكون توقعك بأن بمقدور المدرسين الذين يتخرجون من هذه الكليات تقديم الكثير ما هو إلا حلم”.

وقال جوتشلو، إن المشكلة تكمن في نظام التعليم الذي يركز على الاختبار على حساب التعليم الأعمق. ويضيف أنه مع وجود مثل هذا الاهتمام الصارم بالنجاح في الاختبارات، فإن المدرسين لا يحصلون على حرية المبادرات في الفصل والتي من شأنها أن تفيد طلابهم بالفعل.

وبدلًا من ذلك يُجبر المدرسون على الالتزام بالمناهج التي أصبحت مسيسة بشكل كبير. ويقول إيلانجي إنه تم العثور في كتب المدرسة على مواد جنسية وقومية ودينية. وفي نفس الوقت، فإن الجذور الدينية لحزب العدالة والتنمية لها تأثير كبير على تدريس العلوم: ففصول علم الأحياء، والتي يقتصر تدريسها على ساعتين فقط أسبوعيًا، لم تعد تحتوي على نظرية التطور منذ عام 2017. في حين أن الطلاب لديهم حرية اختيار دراسة دروس اللغة الإنكليزية والثقافة الإعلامية، ويقول المدرسون إن النظام يدفعهم بدلًا من ذلك نحو الدروس الدينية.

ولا شك في أن المدارس الخاصة في تركيا قد تحسنت في السنوات الأخيرة بدرجة تجاوزت مدارس الدولة حيث إن متوسط ما يحصل عليه طلاب المدارس العليا في الامتحانات في المدارس الحكومية هو 339.94 من 500 بالمقارنة بما يحصل عليه طلاب المدارس العليا في الامتحانات في المدارس الخاصة والبالغ 380.55.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المدرسين في هذه المدارس يخضعون لضغط أكبر من زملائهم في المدارس الحكومية.

وقال مدرس في إحدى المدارس الخاصة والذي طلب عدم الكشف عن اسمه “يجب علينا القيام بالكثير من الأعمال الإدارية مثل وضع خطط الدروس، والدرجات، وتقارير التقييم، وخطط الأنشطة.. نحن مضطرون للعمل حتى في أيام عطلات نهاية الأسبوع. إنه شيء مُتعب”.

ويقول إيلانجي “إن الاستغلال وعبء العمل في هذه المدارس في مستوى عال، حيث تصل ساعات العمل بصورة فعلية 24 ساعة أسبوعيًا، سبعة أيام في الأسبوع.. وليس لديهم أمن وظيفي، حتى وإن كانوا يعملون بعقود. فإذا غيرت الشركة سياستها الاقتصادية، فيمكن أن تفصلك. ولا يهم مدى جودة الأداء الذي تؤدي به وظيفتك”.

12