إسرائيل والسعودية تخفضان تكتيكيا من اندفاعهما نحو التطبيع

الرياض - أثار خبر توقّف المباحثات السعودية - الأميركية بشأن التطبيع مع إسرائيل التساؤلات عمّا إذا كان الأمر يتعلّق بقرار سعودي بعدم السير في مسار التطبيع الذي بدا للحظة أنّه تقدّم بعض الخطوات، أم أنّه مجرّد تغيير تكتيكي متفّق عليه بين الرياض وتل أبيب يقوم على إرجاء إقامة علاقات رسمية بين الطرفين والاكتفاء بتطبيع الأمر الواقع القائم عمليا على الأرض.
ويتجلّى ذلك التطبيع المقنّع في فتح المجال لتبادل الزيارات بين مسؤولين من غير الصفوف القيادية، واستقبال الوفود الرياضية، والانخراط المشترك في مشاريع اقتصادية مثل مشروع الخط التجاري بين الهند وأوروبا عبر الأراضي السعودية والإسرائيلية.
نهج "السعودية أولا" يجعل تمسك المملكة بحقوق الفلسطينيين في محادثات التطبيع مجرد خيار تكتيكي
وتمّ ربط وقف المباحثات بطلب السعودية إقحام الملف الفلسطيني ضمن مسار التطبيع مع إسرائيل وهو الشرط الذي لا تستطيع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستجابة له، حيث لا يمكنها تقديم أي تنازلات للفلسطينيين في ظل وجود الأحزاب الأكثر تشدّدا ضمن مكوّناتها.
لكنّ مراقبين رأوا أنّ تمسّك السعودية بذلك الشرط قد لا يكون ضروريا بالنظر إلى السياسات البراغماتية التي أخذت المملكة تسلكها بشكل متزايد خلال الفترة الأخيرة، وتقوم على تقديم مصالح المملكة على أي اعتبارات أخرى ولو تعلّق الأمر بأقرب حلفائها في نطاق ما يطلق عليه المراقبون منظور “السعودية أولا”.
واعتبر هؤلاء أن اعتبارات داخلية سعودية وإسرائيلية قد تكون دفعت الطرفين معا إلى التوافق على التخفيض من الاندفاع نحو تطبيع العلاقات بشكل رسمي واعتماد التدرّج عبر الاكتفاء بما هو قائم من علاقات غير رسمية.
ومنذ الإعلان عن إقامة علاقات رسمية بين كلّ من دولة الإمارات ومملكة البحرين ودولة إسرائيل قبل أربع سنوات، فتحت السعودية مجالها الجوّي في أكثر من مناسبة أمام الرحلات الإسرائيلية.
واستقبلت منذ ذلك الحين مشاركين إسرائيليين في مناسبات رياضية واقتصادية، كما استقبلت مؤخّرا موفدين من إسرائيل للمشاركة في اجتماع عقدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” بالعاصمة الرياض، وذلك بناء على دعوة وجهتها لهم المنظمة.
لكن أكبر مجال للتطبيع بحكم الأمر الواقع بين إسرائيل والسعودية سيكون مشروع السكة الحديدية الذي وافقت المملكة على الانخراط فيه ويمتد عبر أراضيها باتجاه الساحل الإسرائيلي، وذلك في نطاق الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا والذي أقر خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة.
وتقول مصادر دبلوماسية إنّه بالإضافة إلى أنّ لنتنياهو مصلحة في تهدئة الاندفاع نحو التطبيع مع السعودية باعتباره يمس الموضوع الفلسطيني الذي لا يمكن مقاربته الآن، فإن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القائد الفعلي للتغييرات التي تشهدها المملكة مصلحة في إرجاء إقامة تطبيع رسمي وعلني مع إسرائيل، حتى يتجنّب استثارة جهات متشدّدة دينيا لم يتمكّن إلى حدّ الآن من اجتثاثها بالكامل وإنهاء تأثيرها على فئات من المجتمع، رغم تمكّنه من تحجيم دورها المباشر في الدولة.
منذ الإعلان عن إقامة علاقات رسمية بين كلّ من دولة الإمارات ومملكة البحرين ودولة إسرائيل فتحت السعودية مجالها الجوّي في أكثر من مناسبة أمام الرحلات الإسرائيلية
وقال أحد المصادر إنه من مصلحة ولي العهد الطموح رغم ما أظهره من جرأة في العديد من قراراته أن يتجنّب قدر الإمكان كل ما من شأنه أن يخصم من رصيد شعبيته خلال مرحلة استعداده لخلافة والده على عرش المملكة.
وأضاف أنّ أكثر الأطراف الثلاثة المعنية بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل استعجالا لاستكمال المسار هو الولايات المتّحدة الأميركية التي تتلهّف إدارتها الحالية بقيادة الرئيس الديمقراطي جو بايدن لتحقيق خرق دبلوماسي يحسب في رصيده خلال مقارعته للجمهوريين في الانتخابات القادمة، خصوصا وأنّه يحسب في رصيد هؤلاء تمكنّهم قبل سنوات من رعاية التطبيع بين إسرائيل وعدّة دول عربية.
لكنّ واشنطن، بحسب المصدر ذاته، لا تستطيع إجبار حليفتيها على تطبيع عاجل وغير مدروس قد لا يؤدّي إلى النتائج المرجوّة منه.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إثر مباحثات أجراها مؤخرا في الرياض إنه لا يوجد بنود جاهزة للتوقيع بما يخص التطبيع بين إسرائيل والسعودية، موضّحا أن “العديد من عناصر المسار نحو التطبيع مطروحة الآن على الطاولة، لكن لا يزال هناك عمل يجب القيام به، ونحن نعمل من خلال ذلك”.
وأضاف قوله “أعتقد أن هناك فهما واسعا للعديد من العناصر الأساسية، وتتطلب التفاصيل قدرا لا يصدق من العمل والانضباط والدقة، وجميع أصحاب المصلحة في هذا يطبقون ذلك”.