إسرائيل تدرس سلسلة تدابير لتعزيز السلطة الفلسطينية

يمثل ضعف السلطة الفلسطينية خطرا على إسرائيل التي تدرس بدورها خطة لتعزيز قيادة محمود عباس تفاديا لسيناريو فوضى محتمل، في حال استبعاده أو شغور منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
القدس - تعكف الحكومة الإسرائيلية على دراسة سلسلة من التدابير لتعزيز السلطة الفلسطينية التي أضعفتها قيادة محمود عباس مع تزايد الغموض حول مستقبل القيادة والصراعات داخل حركة فتح.
وبدأت الحكومة الإسرائيلية بإيعاز أميركي دراسة مقترحات للإفراج عن معتقلين فلسطينيين، من كبار السن والمرضى، وغير متهمين بقتل أو محاولة قتل إسرائيليين، إضافة إلى الإفراج عن جثامين شهداء فلسطينيين، في إطار هذه الخطة.
وتخص التدابير التي تبحثها إسرائيل جميع مجالات التداخل بين إسرائيل والفلسطينيين، بالتنسيق مع الإدارة الأميركية.
ومنذ العام الماضي، تطالب الولايات المتحدة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، باتخاذ إجراءات لنزع فتيل التوتر في الأراضي الفلسطينية.
ويعمل النظام الأمني الإسرائيلي في الوقت الحالي على تقليل إغلاق المعابر (بين الضفة الغربية وإسرائيل) قدر الإمكان والسماح بدخول وخروج الشاحنات المحملة بالبضائع من إسرائيل إلى مناطق السلطة الفلسطينية والعودة، وغيرهما من الإجراءات التخفيفية.
وفي المقابل أشارت مصادر إسرائيلية إلى إنه لم يتم حسم الموقف الإسرائيلي بشأن المطالب الفلسطينية بوقف الاجتياحات الإسرائيلية للمناطق المصنفة “أ” بالضفة الغربية، والتي تقع تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، ووقف هدم المنازل وتقييد البناء الفلسطيني في المنطقة “ج” التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، إضافة إلى عنف المستوطنين بالضفة الغربية.
وكشفت أحداث العنف الأخيرة في الضفة الغربية الضعف الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية في مواجهة المئات من المسلحين الفلسطينيين في المدن المضطربة مثل جنين ونابلس، فيما يوجه توسع المستوطنات الإسرائيلية المزيد من الضربات لآمال الفلسطينيين في إقامة دولة على الأرض التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
ويتحدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس النبوءات المتكررة عن نهاية عقدين من حكمه ويرفض مطالب متزايدة برحيله، في وقت أصبحت فيه احتمالات تحقيق السلام الدائم تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
ويجمع عباس بين منصبي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة فتح، ولم يختر خليفة له وبقي في السلطة على الرغم من انتهاء فترة ولايته رسميا في عام 2009.
وقال مسؤول كبير في فتح، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، إن مسألة خلافة عباس أصبحت في الأشهر القليلة الماضية “موضوعا يناقش أكثر من أي مرة”.
وتتنافس مجموعة من كبار قادة فتح على المنصب منذ شهور، في مناورات تجري في الدهاليز الخفية وخلف الستار. ومما يزيد الأمر تعقيدا عدم إجراء انتخابات منذ عام 2006، وعدم وجود آلية واضحة لتحديد انتقال الخلافة.
محللون إسرائيليون يخشون أن يؤدي رحيل عباس إلى فترة من الفوضى، ربما تؤدي إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية
ومن بين الخلفاء المحتملين حسين الشيخ، أحد أقرب حلفاء عباس أو مروان البرغوثي، وهو أسير لدى إسرائيل منذ عقدين وزعيم انتفاضة فلسطينية بين عامي 2000 و2006 وينظر إليه كثيرون من الفلسطينيين على أنه بطل.
وستتوقف الكثير من الأمور على ما ترغب إسرائيل في قبوله، لكنها تجنبت، على الأقل في العلن، الانحياز إلى أي طرف. وقال مسؤول حكومي إسرائيلي كبير “لا يمكن لإسرائيل أن تختار قيادة للفلسطينيين”.
ويخشى محللون إسرائيليون أن يؤدي رحيل عباس إلى فترة من الفوضى، ربما تؤدي إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية أو على الأقل الانقسام إلى “كانتونات” بين قادة يتمتعون بمراكز قوة مختلفة في الضفة الغربية. ومن الممكن أيضا أن يمتد نفوذ حركة حماس إلى خارج قاعدتها في غزة.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال حجاري “هناك خياران سيئان أحدهما هو الفوضى والآخر هو تولي حماس السلطة في الضفة الغربية ويجب منع كليهما”.
وقال باسم نعيم، أحد كبار مسؤولي حماس في غزة، إن رحيل عباس سيوفر للحركة فرصا تصمم إسرائيل وحلفاؤها الدوليون على عرقلتها.
وأضاف أن عباس هو “في ما أعتقد آخر شخص في فتح يستطيع السيطرة على هذه المنظمة… كل الباقين ليست لديهم القوة ولا التاريخ ولا الكاريزما ولا الصلات للسيطرة على التنظيم والضفة الغربية”.
ويقول محللون إن من أجل إعادة استتباب الأمن وتوسيع اتفاقيات أبراهم على الولايات المتحدة وحلفائها اتخاذ خطوات عاجلة لمنع السلطة الفلسطينية من الانهيار، كالعمل على قيام الدول المانحة بالضغط لتعيين رئيس وزراء إصلاحي وزيادة فرص العمل للفلسطينيين الشباب الذين لم يعودوا يرون سببا للامتناع عن العنف.
وتكمن المشكلة الأعمق في ضعف السلطة الفلسطينية، التي تفتقر إلى الشرعية الشعبية لأسباب متعددة، منها الفساد المستشري، وسوء الحكم، وعدم استعدادها لإجراء انتخابات، ونظامها السياسي المتصلب الذي يمنع ارتقاء قادة محتملين أصغر سنا، وغياب أي رؤية سياسية حقيقية أو إنجازات تجاه الإسرائيليين.
وتزيد العمليات العسكرية الإسرائيلية مثل هذه الأخيرة من ضعف السلطة الفلسطينية، وتبرز عدم أهميتها. وإذا لم تضع السلطة الفلسطينية حدا لتطور البنية التحتية للفصائل المسلحة والهجمات ضد الإسرائيليين، أو لا تستطيع القيام بذلك، فستواصل إسرائيل شن مثل هذه العمليات العسكرية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار على نطاق واسع وحتى انهيار السلطة الفلسطينية.
وتكمن مشكلة السلطة الفلسطينية، التي أنشئت في عام 1994، في افتقارها الأساسي إلى الشرعية. فقد وعدت شعبها بأن الدبلوماسية وجهود التعاون مع إسرائيل من شأنهما أن يؤديا إلى إنهاء الاحتلال وتحسين مستوى معيشته. ولكن منذ الانتفاضة الثانية، فقد هذا الوعد كل مصداقيته حيث تضاءلت فرص التوصل إلى اتفاق سلام، وطغى الصراع على العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية بدلا من التعاون. ولا يعود ضعف شرعية السلطة الفلسطينية إلى فشل عملية السلام فحسب، بل يُعزى أيضا إلى الطريقة المؤسفة التي حكمت بها السلطة والتي أدت بشكل كبير إلى تراجع مكانتها.
ووصل مستوى شعور العزلة لدى الفلسطينيين إلى درجة أن 63 في المئة منهم اعتبروا أن السلطة الفلسطينية تشكل عبئا على الشعب الفلسطيني. فوفقا لاستطلاع أخير للرأي، يرى حوالي 84 في المئة من الشعب الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية فاسدة، ويريد أكثر من 80 في المئة استقالة الرئيس عباس.