إستراتيجية التوازن المصرية في حرب غزة على المحك

القاهرة - منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة تتبع مصر دبلوماسية متوازنة بتأكيد تضامنها مع الفلسطينيين والحرص على الإبقاء على علاقاتها مع إسرائيل التي تهدد باجتياح مدينة رفح الواقعة على حدودها.
ومعبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة هو الوحيد نظريا غير الخاضع للسيطرة الإسرائيلية. وعمليا تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الدخول والخروج منه. وتمر عبره المساعدات الإنسانية المخصصة لغزة التي تعاني من نقص شديد في الغذاء، بينما تتخوف الأمم المتحدة من “مجاعة واسعة النطاق” في القطاع.
ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس تعرض الجانب الفلسطيني من معبر رفح للقصف أكثر من أربع مرات، ما دفع الجانب المصري إلى إغلاقه آنذاك وإجلاء الموظفين. وتؤكد السلطات المصرية باستمرار أنها لا تتحكم في إدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني، ولكن على الرغم من ذلك ترتفع أصوات على نحو متكرر لمطالبة القاهرة بفتح بوابات المعبر وتقديم العون لسكان غزة.
وألقت إسرائيل نفسها باللوم على مصر في ما يتعلق بإدخال مواد الإغاثة إلى غزة، إلا أن في يناير نفت القاهرة ما وصفته بأنه “أكاذيب” أطلقها فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بقوله إن مصر “مسؤولة” عن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وقال رئيس هيئة الاستعلامات المصرية المتحدث الرسمي باسم الدولة ضياء رشوان في بيان إن مصر أعلنت “عشرات المرات… أن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، (ونطالب) الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها".
وفي هذا الصدد تقول الباحثة في "كولاج دو فرانس" ديما السجدية “على الأرض.. مصر تتبع أوامر الإسرائيليين، وتحاول في بعض الأحيان التفاوض ولكنها في النهاية تحترم الشروط التي يفرضونها”، في إشارة إلى عمليات التفتيش الدقيقة التي تعيق حركة الشاحنات التي تحمل المساعدات.
ويرى الباحث فرانسوا سيكالدي من "كولاج دو فرانس" أن "سيطرة إسرائيل على المجالات الجوية والبحرية والبرية، وكذلك على جميع تحركات البضائع والأشخاص، تضع غزة فعليا تحت الاحتلال”. وبينما تتراكم آلاف الأطنان من المساعدات في مطار العريش بمحافظة شمال سيناء، يعول المجتمع الدولي الآن على ممر بحري بين قبرص وغزة لإيصال مواد الإغاثة إلى الفلسطينيين.
وأتى الترحيب الإسرائيلي بمبادرة الممر البحري الذي يؤمل أن يزيد من تدفق المساعدات بعد إجراء عمليات تفتيش أمنية وفقا للمعايير الإسرائيلية، ما قد يطيل أكثر فترة الانتظار. وتلوّح إسرائيل منذ أسابيع بشنّ عملية برية في مدينة رفح بأقصى جنوب القطاع، والمتاخمة للحدود الشرقية المصرية، التي يتكدس فيها نحو 1.5 نازح فلسطيني جراء المعارك والدمار في مناطق غزة الأخرى.
وتقول السجدية "ستدفع هذه اللحظة (التهديد الإسرائيلي) الجيش المصري إلى إظهار موقفه”. وأوردت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية الشهر الماضي أن السلطات المصرية تقوم بإعداد “منطقة مسورة بمساحة ثمانية أميال مربعة” على الجانب المصري من الحدود مع غزة، كما أظهرت صور عبر الأقمار الاصطناعية ذلك. وأضافت الصحيفة أن المنطقة المسورة جزء من “خطط طوارئ” ويمكن أن تستوعب “أكثر من 100 ألف شخص”.
وكذلك نشرت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان غير الحكومية تقريرا في الشهر نفسه، أوضحت فيه أنه يتم إعداد المنطقة لاستقبال لاجئين فلسطينيين “في حال حدوث عملية نزوح جماعي من قطاع غزة”. ونفت السلطات المصرية ما نقلته الصحيفة الأميركية، وأكدت على “عدم مشاركتها في عملية تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء".
◙ السلطات المصرية تؤكد باستمرار أنها لا تتحكم في إدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني، لكن على الرغم من ذلك ترتفع أصوات تطالب القاهرة بفتح بوابات المعبر
وترى السجدية أن مصر "تستعد لجميع السيناريوهات”، مشيرة إلى أن “الفلسطينيين إذا تم دفعهم إلى سيناء، ستحرص القاهرة على ألا ينتشروا في البلاد وستسعى لاحتوائهم في منطقة بنيت بشكل مسبق”. ومنذ الأيام الأولى للحرب، حذّر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من شروع الدولة العبرية في أي عملية "تهجير قسري" لسكان القطاع المحاصر.
وحذّر في الثامن عشر من أكتوبر من أن تهجير الفلسطينيين قد يحدث مع الأردن أيضا وقال "بالتالي فكرة الدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها غير قابلة للتنفيذ". وكان الرئيس المصري أوضح خلال تصريحاته في أكتوبر الماضي أن “نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني… نقل فكرة المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء”، مشيرا إلى أن شبه الجزيرة المصرية “ستصبح بالتالي قاعدة لانطلاق عمليات إرهابية ضد إسرائيل التي من حقها الدفاع عن نفسها”.
وتابع “ويتلاشى بين أيدينا السلام الذي حققناه، في إطار فكرة تصفية القضية الفلسطينية”، في إشارة إلى اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل. ولكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أكد في هذا الصدد "نحن نحترم ونقدر اتفاق السلام الذي أبرمناه مع مصر، فهي شريك مهم وحجر الزاوية في استقرار المنطقة”.
وتقول السجدية إن بعد كامب ديفيد، اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل في العام 1979، "لا يرغب كل من المصريين والإسرائيليين في التعليق على مسائل التنسيق العسكري والأمني". وتابعت "لقد نجا اتفاق السلام هذا (كامب ديفيد)" من جميع الاضطرابات التي شهدها الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأشارت إلى أن منذ بداية الحرب الأخيرة لم تستدع مصر السفير الإسرائيلي في القاهرة، كما لم تتأثر العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الدولة العبرية.