إزاحة الأسد تخدم أهداف تركيا لكن المخاطر تظل قائمة

أحيا سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد آمال تركيا في إبعاد الأكراد عن حدودها الجنوبية وبالتالي وأد حلمهم بإنشاء دولة كردية وعودة الملايين من النازحين السويين إلى ديارهم، لكن ذلك سيكون رهن تطورات الأحداث والتحالفات المستقبلية داخل سوريا.
أنقرة - أثار سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد الآمال في أن تحقق تركيا أهدافها الإستراتيجية في سوريا، بما في ذلك تأمين حدودها الجنوبية وتسهيل العودة الآمنة للاجئين السوريين، إلا أن دخول دمشق في فوضى قد يحمل نتائج عكسية.
ومنذ عام 2022، سعت تركيا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا. ومع ذلك، أصر الأسد على انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، في حين تؤكد تركيا أنها لا تستطيع الانسحاب طالما استمرت التهديدات الكردية.
رهان
تراهن تركيا على سقوط النظام في سوريا لدفع وحدات حماية الشعب الكردية بعيدا عن حدودها، لكن محللين يقولون إن الرياح قد تجري بما لا تشتهي أنقرة. وطورت هيئة تحرير الشام، أبرز فصائل المعارضة السورية التي أطاحت بالأسد وتتلقى دعما تركيا، علاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب، التي ترأس قوات سوريا الديمقراطية.
وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب كمنظمة إرهابية على الرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وأشارت غونول تول، مديرة البرنامج التركي في معهد الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة، إلى أن تركيا قد لا تكون قادرة على السيطرة على هيئة تحرير الشام في سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة. وقالت تول “هيئة تحرير الشام هي ورقة رابحة. هل تريد تركيا حقا أن تدير منظمة جهادية دولة مجاورة؟”
ودعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا، وقال إن تركيا “يقظة” للتأكد من أن المنظمات الإرهابية، وخاصة داعش وحزب العمال الكردستاني، لا تستغل الوضع. وكان يشير إلى تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب.
وفي الآونة الأخيرة، طرد الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وحدات حماية الشعب من تل رفعت، شمال حلب، خلال التقدم الأخير. وقال مسؤولون أمنيون أتراك الأحد إن الجيش الوطني السوري استولى على معظم مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد.
وأشار أوزغور أونلوهيسارسيكلي، مدير صندوق مارشال الألماني في أنقرة، إلى أن تركيا تتوقع أن يكون لها رأي مهم في سوريا الجديدة. وقال “ستكون هناك مفاوضات ستقرر مستقبل سوريا. ستكون تركيا مؤثرة ولكن الولايات المتحدة ستكون مؤثرة أيضا وكذلك دول الشرق الأوسط التي ستمول إعادة بناء سوريا.”
المخاطر المقبلة
قد يشكل سقوط الحكومة السورية العديد من المخاطر على تركيا، بما في ذلك إرسال موجة جديدة من اللاجئين نحو الحدود التركية إذا ما اندلعت الفوضى. وقال سنان أولغن، مدير مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، إن تركيا تريد في المقام الأول والأخير سوريا مستقرة.
وأضاف أولغن أن “الخطر الأول الذي تريد تركيا تجنبه بأي ثمن هو التفكك الإقليمي لسوريا، مع تنافس هياكل السلطة المختلفة على الحصول على الحكم الذاتي على أراضيها.”
وأشار أولغن إلى أن فترة انتقالية مستقرة من شأنها أن تسمح لتركيا بتوجيه المساعدات الاقتصادية إلى سوريا لخلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين. ويحذر بعض المحللين في تقرير نشرته الأسوشيتد برس من أن الهجوم الذي شنته الفصائل السورية المسلحة بدعم تركي قد يؤدي إلى تأجيج التوترات مع داعمي سوريا، إيران وروسيا.
وقد سعت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى تحقيق التوازن بين العلاقات الوثيقة مع كل من أوكرانيا وروسيا في مواجهة الغزو الكامل الذي شنته موسكو لجارتها.
وأشار أولغن إلى أن روسيا لم تتهم تركيا بتشجيع تقدم الفصائل السورية المعارضة. وقال إن هذا يرجع جزئيا إلى عدم رغبتها في أن “تتحول تركيا إلى موقف أكثر عداء لروسيا” في موقفها بشأن الحرب في أوكرانيا.
وكانت تركيا، التي تشترك في حدود بطول 911 كيلومترا (566 ميلا) مع سوريا، من الداعمين الرئيسيين لجماعات المعارضة التي تهدف إلى الإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.
ونفذت أنقرة عدة توغلات في سوريا منذ عام 2016 بهدف صد تنظيم الدولة الإسلامية أو المسلحين الأكراد وإنشاء منطقة عازلة على طول حدودها، وهي الآن تسيطر على مساحة من الأراضي في شمال سوريا.
◙ سقوط الأسد قد يشكل العديد من المخاطر على تركيا بما في ذلك إرسال موجة جديدة من اللاجئين إذا ما اندلعت الفوضى
وكانت تركيا منخرطة في السابق في جهود دبلوماسية لحل الصراع بين النظام والمتمردين، بما في ذلك إجراء محادثات مع الداعمين الرئيسيين للأسد، روسيا وإيران. وفي الآونة الأخيرة، سعت أنقرة إلى المصالحة مع الأسد من أجل التخفيف من التهديد الذي تشكله الميليشيات الكردية على تركيا وضمان العودة الآمنة للاجئين. ورفض الأسد مبادرات تركيا.
أين تقف أنقرة
رفض المسؤولون الأتراك بشدة مزاعم التورط في الهجوم المناهض للحكومة، وصرحوا بمعارضتهم للتطورات التي تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
وقال عمر جيليك، المتحدث باسم حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحاكم، هذا الأسبوع “كل التصريحات التي تزعم أن تركيا استفزت أو دعمت هذا غير صحيحة. إنها كلها أكاذيب.” لكن المحللين يقولون إن الهجوم الذي شنه المتمردون كان ليكون مستحيلا بدون الضوء الأخضر من تركيا.
ويقول المسؤولون الأتراك إن أنقرة أوقفت الهجوم لعدة أشهر. وفي النهاية، مضت قوات المعارضة قدما في الهجوم بعد أن هاجمت الحكومة السورية مناطق تسيطر عليها المعارضة، منتهكة بذلك الاتفاقات بين روسيا وإيران وتركيا لتهدئة الصراع. وقال المسؤولون إن الهجوم كان من المفترض في البداية أن يكون محدودا، لكنه توسع بعد أن بدأت قوات الحكومة السورية في الانسحاب من مواقعها.
اقرأ أيضا:
• من الهزيمة إلى النصر: تركيا تحيّد روسيا وتخرج فائزة في سوريا