إدلب مسرح معركة حاسمة تحول الحلفاء إلى أعداء

سيجبر هجوم القوات السورية في إدلب تركيا على اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تعرض علاقاتها مع روسيا للخطر. ستشمل هذه الإجراءات تكتيكات الضغط الدبلوماسي والعسكري لزيادة خطر الهجوم على سوريا وروسيا وإيران. وقد ينتهي هذا الأمر وفق قراءة لمركز ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية بمناوشات بين القوات السورية والروسية والإيرانية مع الوحدات العسكرية التركية.
واشنطن - في الوقت الذي كان من المنتظر أن يشهد فيه تحالف روسيا وإيران في سوريا توترا، بعد أن بدأت الصورة تتضح وتحولت ميليشيات إيران إلى عبء، كما تطلعاتها لمرحلة الإعمار، ظهرت بوادر توتر في العلاقة بين روسيا وتركيا، وانهار التوافق الهش بينهما في ما يتعلق بترتيب الوضع في سوريا.
لا تزال روسيا تترصد النفوذ الإيراني في سوريا، لكن يبدو أن مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني مكّن موسكو من التوصل إلى حل وسط مع القوات الموالية لإيران في سوريا. لكن الأمور تغيرت، ولم يعد مستقبل العلاقات واضحا كما كان من قبل.
مع ذلك، يبدو تحالف روسيا مع إيران أكثر تماسكا في الوقت الراهن، مقارنة بالتوافق الهش الذي فرضته المتغيرات في المنطقة والعالم، بين تركيا وروسيا. كان التحالف مع روسيا ضروريا لأردوغان الذي توترت علاقته بالكتلة الغربية. وفي يونيو 2016، اعتذر أردوغان لبوتين على إسقاط الطائرة في 2015 وسرعان ما أبرم الرجلان صفقة تضمنت شراكة لإدارة الصراع السوري.
والتحالف مع بوتين في سوريا يعني “دعم” الأسد، الذي كان أردوغان من أكثر العاملين على إسقاط نظامه، وهو يدعم المعارضة والجماعات المسلحة والجهادية. وهذه النقطة كانت من بين الأسباب التي دفعت بوتين والأسد إلى التفاهم مع تركيا، التي تبين لاحقا أنها تتلكأ في حسم ملف الجماعات الجهادية.
لكن، مثلما تعد إدلب نقطة الحسم للصراع السوري ككل، هي أيضا نقطة حسم العلاقات الروسية التركية والتوافق الهش الذي أسفر عن اتفاقية الهدنة “الفاشلة”. ويبدو أن هجوم قوات النظام السوري، الذي تدعمه روسيا وإيران، لاستعادة إدلب على استعداد لردع النفوذ التركي في المنطقة وإرسال موجة جديدة من اللاجئين إلى تركيا، التي تستضيف بالفعل 3 ملايين من النازحين السوريين.
وفي 3 فبراير، قصفت الحكومة السورية خمسة جنود أتراك في إدلب، مما دفع تركيا للرد بمجموعة من الضربات ضد مواقع الحكومة السورية. تشي الضربات الحثيثة بمرحلة جديدة وخطيرة للصراع في إدلب حيث توغل القوات السورية في عمق المحافظة، مما دفع تركيا إلى الرد بنشر قوات جديدة مباشرة في طريق القوات المتقدمة.
وبالنسبة لتركيا، تعتبر هذه لعبة ضغوط عسكرية عالية الخطورة لشراء الوقت للمفاوضات لضمان عدم تدفق أعداد جديدة من اللاجئين ولضمان أن تأثيرها في شمال سوريا لا يزال ساريا، كما خططها في ليبيا.
مغامرة تركية
اعتقدت أنقرة أن إستراتيجيتها لن تشعل أزمة كبيرة مع موسكو، لكن يبدو أن السفن الروسية تجري بما لا تشتهيه رياح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويعلق على ذلك راين بوهل، المحلل في مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية، قائلا “تخاطر تركيا في نهاية المطاف ببدء أزمة عسكرية كبيرة مع روسيا يمكن أن تكشف بسرعة عن علاقتهما المزروعة بعناية في سوريا، وأكثر من ذلك بكثير”.
ويشير بوهل، في تحليل نشره المركز، إلى أن التصعيد في إدلب له تداعيات على تركيا تتجاوز توترا محتملا مع روسيا، لافتا إلى أن أزمة إنسانية جديدة تلوي ذراع تركيا. ويوضح ذلك مشيرا إلى أن إدلب تستضيف 4.5 مليون سوري نزحوا من أماكن أخرى في البلاد، ولا تريد تركيا أن تضيف إلى العبء الكبير الواقع على اللاجئين السوريين.
وبالنظر إلى التقدم السوري، فإن أنقرة لديها سبب لمنع تدفق فيضان اللاجئين قبل حدوثه، خاصة أن اقتصاد تركيا الهش والشعور المتزايد للمجتمع المعادي للعرب يجعلان من الصعب على نظام الرئيس رجب طيب أردوغان الترحيب بالمزيد من السوريين النازحين.
وفي نفس الوقت، ترغب تركيا في التمسك بإدلب، حيث توفر المحافظة منطقة عازلة تسمح لها بالحفاظ على نفوذها في مناطق أخرى من شمال سوريا؛ ومن شأن الانتصار السريع للأسد في المحافظة أن يشجع القوات السورية على تحويل انتباهها إلى مناطق أخرى من النفوذ التركي، بما في ذلك مناطقها العازلة في الشمال الشرقي، وكذلك مناطق احتلالها في كانتون عفرين وشمال حلب.
وردا على المزيد من التطورات السورية، ستواصل تركيا نشر المزيد من القوات في إدلب. ومن المرجح أن تهدف أنقرة إلى منع قوات دمشق من محاصرة المزيد من مراكز المراقبة التركية ووضع القوات التركية لمنع التقدم السوري.
ويتوقع هول أن تسعى تركيا جاهدة إلى زيادة مخاطر المزيد من الهجمات على سوريا والضغط على روسيا من أجل أن تضغط على الأسد لإبطاء أو وقف هجماته بينما تتفاوض أطراف النزاع على الوضع النهائي للمحافظة. لكن من خلال إرسال المزيد من القوات التركية إلى إدلب، قد لا تنجح أنقرة في ثني هجمات القوات السورية على الفور، وهذا يعني أن تركيا قد تجد نفسها متورطة في قتال مع القوات السورية والروسية أو الإيرانية.
رد انتقامي
أشارت تركيا إلى أنها ستصعد من موقفها إلى ما هو أكثر من مجرد رد انتقامي في محاولة لرفع المخاطر بالنسبة لروسيا، التي يعد دعمها الجوي واللوجستي ضروريا لسوريا لتحقيق تقدم كبير.
لكن هذا الانتقام يمكن أن يودي بحياة المزيد من الجانبين، مما يخلق دورات أعمق وأعمق من التصعيد والانتقام. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى إشعال أزمة عسكرية لن يكون فيها لروسيا وتركيا أي خيار سوى العودة إلى المفاوضات وإصلاح، إن لم يكن التخلي الكامل، عملية أستانة التي تعتبرها تركيا غير ناجحة.
وفي هذا الصدد يقول إرغون باباهان، الكاتب بموقع أحوال تركية، “أردوغان يغامر بخسارة كل شيء في معركة ‘لي الذراع’ مع بوتين في إدلب”.
ويضيف أن النظام التركي بات في مواجهة مباشرة مع روسيا في إدلب. وبالتزامن مع ذلك، وفي محاولة يائسة منها للبحث عن دعم من الولايات المتحدة وأوروبا، حوَّلت الأقلام الموالية لحزب العدالة والتنمية قبلتها نحو الغرب.
ويؤكد أن النظام الحالي ظن أن السياسة الخارجية لتركيا، التي اُختزلت بالكامل في شخص أردوغان، يمكن أن تُوجِّه روسيا في إدلب متى شاءت وكيفما شاءت. وبناء على هذا، دفعت أنقرة بقوات جديدة في منطقة نفوذ روسيا على الأراضي السورية دون الرجوع إلى موسكو، وقامت بالفعل بنشر هذه القوات جنبا إلى جنب مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تستهدفها روسيا والنظام السوري في الأساس.
ومع ذلك، فإن مثل هذه المفاوضات ستتمحور حول الخلافات الروسية التركية، وليس حل وضع إدلب. وعلى النقيض من ذلك، ستحدث هذه المفاوضات ليس فقط بين تركيا وسوريا ولكن أيضا بين مختلف الفصائل، بما في ذلك فرع تنظيم القاعدة المحلي وهيئة تحرير الشام ودمشق. لكن التطورات توحي بأن هذه المحادثات ستفشل على الأرجح وأن الأسد سيستمر في اللجوء إلى القوة العسكرية لاستعادة السيطرة على إدلب.
وكنتيجة لذلك، سيكون أمام تركيا في النهاية خيار حاسم: إما تعميق مشاركتها في إدلب وإعطاء نفسها نفوذا أكبر في أي مفاوضات مستقبلية أو، على الأرجح، إيجاد وسيلة لتخليص نفسها بطريقة تمنع إغراقها في أزمة أخرى.
ويمكن أن تنهي المواقف في سوريا الشراكة التركية الروسية. بيد أن الخلاف مع روسيا لن يكون مفيدا لأردوغان، بالنظر إلى خلافاته المتزايدة مع الغرب، وخصوصا مع أوروبا.
