إدارة أزمة درنة اختبار لصورة رجل ليبيا القوي

تمثل كارثة درنة سلاحا ذو حدين بالنسبة إلى قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. ويوفر حسن إدارة جهود إعادة الإعمار وعدم التلاعب بالمساعدات المالية الداخلية والخارجية فرصة لبناء مصداقية أكبر قد تدعمه سياسيا في المستقبل، إلا أن الفشل في إدارة الأزمة سينهي صورة رجل ليبيا القوي القادر على توحيد البلاد.
درنة ( ليبيا) - بعد الفيضانات الكارثية في درنة، استقل القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر طائرة هليكوبتر وتلقى التحية من القوات وقام بجولة في المدينة التي قُتل فيها الآلاف عندما جرفت السيول والفيضانات مناطق بأكملها.
وبعد ثلاثة أيام، عبّر السكان عن غضبهم في الشوارع التي غطاها الوحل، وأحرقوا منزل عميد البلدية واتهموا السلطات بالتقاعس عن صيانة السدود التي تحمي المدينة وعدم إجلاء السكان قبل العاصفة القوية. ورغم أن المتظاهرين لم يستهدفوا حفتر، وصبّ الكثيرون منهم جام غضبهم على عميد البلدية، فإن مطالبهم المتعلقة بالمساءلة والشفافية في طريقة إنفاق المساعدات تشكل تحديا للسلطات في المنطقة.
ومع سيطرة قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) التي يقودها حفتر على الجزء الشرقي من البلاد، بما في ذلك درنة، يبدو أن الكارثة ستمنح حفتر سيطرة على المساعدات وجهود إعادة الإعمار القادمة من الحكومة الغنية بالنفط في طرابلس في الغرب ومن الخارج.
لكن ذلك يجعله أيضا في مواجهة إظهار نادر للمعارضة العلنية، وهو ما قد يمثل اختبارا للصورة التي قدمها لليبيين والحكومات الأجنبية بأنه الرجل القوي الذي يمكنه إنقاذ الأمة المنقسمة من الصراع والفوضى. ونجمت الكارثة عن انهيار سدين خلال عاصفة مساء الـ10 من سبتمبر مما أدى إلى سيول وفيضانات مميتة.
ولم تقم الحكومة المعترف بها دوليا والمنتهية ولايتها في طرابلس ولا السلطات في الشرق، التي سيطرت على درنة بعدما أطاحت قوات شرق ليبيا بالجهاديين في عام 2019، بإصلاح العيوب المعروفة منذ فترة طويلة في السدين أو إجلاء الناس قبل العاصفة الكبرى المتوقعة. وبعد أن أحرق المتظاهرون منزل عميد البلدية، أعلنت الحكومة المتحالفة مع حفتر في الشرق عزل عميد البلدية وبقية أعضاء المجلس البلدي.
وقال تيم إيتون من مركز تشاتام هاوس للأبحاث إن أي معارضة أخرى قد تصبح “مشكلة سياسية لحفتر الذي يسعى إلى تسويق قدرته على الحفاظ على الاستقرار على أنها نقطة تفَوُّق لصالحه على السلطات في طرابلس”، متوقعا ألا تظهر قوات حفتر أيّ قدر من التسامح مع أيّ احتجاجات أخرى. وأضاف أن حفتر وحلفاءه قد "يرون أيضا (أن لديهم) فرصة لبناء المصداقية والوصول إلى الموارد المالية عبر المساعدات الوطنية والدولية".
وحفتر شخصية مهيمنة في شرق ليبيا المقسمة منذ انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي وأطاحت بمعمر القذافي في 2011. ويعتبر كلا ابنيه من الشخصيات العامة، مما يشير إلى أن لديه طموحات تتعلق بتوريث السلطة لعائلته، كما أنه قريب من روسيا. ويزوره المبعوثون الغربيون كثيرا.
لكن حفتر واجه انتكاسات، ففي الثمانينات هُزمت قوات الجيش الليبي التي كان يقودها في تشاد. وعندما شن الجيش الوطني الليبي وحلفاؤه هجوما على طرابلس في 2019 بدعم من روسيا، توقف الهجوم حتى قبل أن تساند تركيا معارضيه علانية. ولم تُختبر طموحاته الرئاسية مطلقا. فقد أُلغيت الانتخابات الوطنية التي كان من المقرر إجراؤها في العام2021 بسبب خلافات على القواعد، لكن قلة من الناس توقعوا فوزه بسبب التحدي المتمثل في حشد الدعم في الغرب بعد هجومه على طرابلس.
ومع انقطاع المسارات العسكرية والسياسية المؤدية إلى السلطة في عموم ليبيا، عزز حفتر موقعه في الشرق ودفع أبناءه خالد والصديق وصدام إلى الاضطلاع بأدوار عامة. وظهر صدام في درنة كعضو لجنة الطوارئ، في حين كان لواء طارق بن زياد الذي يقوده في الجيش الوطني الليبي ظاهرا في جهود الإغاثة.
وعلى الرغم من أن الصديق لا يشغل أيّ منصب رسمي، فقد كان في أوروبا عندما وقعت كارثة درنة، حيث التقى بمسؤولين وسياسيين وصحافيين غربيين وقدم نفسه، في ظل كُمون طموحات والده الشخصية حاليا، مرشحا رئاسيا في المستقبل. وفي الساعات التي تلت الكارثة، قال حفتر إن المنطقة المتضررة من الفيضانات تشهد “لحظات صعبة ومؤلمة” بسبب هطول أمطار غير مسبوقة. وأضاف وهو يرتدي الزي العسكري إنه أصدر أوامر بتقديم الدعم اللازم.
ويمكن أن تلعب كارثة درنة دورا في جهود حفتر للحفاظ على التمويل اللازم للجيش الوطني الليبي والدعم الأجنبي الذي يمكن أن يساعده سياسيا في المستقبل. وينبع الدخل الكبير من النفط الليبي من الحقول الواقعة في المناطق التي تسيطر عليها قوات حفتر، لكن الإيرادات تُدفع إلى البنك المركزي في طرابلس الذي ليست له أيّ سيطرة عليه.
وتوقف القوات المتحالفة مع حفتر صادرات النفط بصورة دورية لضمان استمرار تدفق أموال البنك المركزي شرقا. ويدفع البنك خلال الصراع رواتب الدولة، بما في ذلك للمقاتلين عبر الخطوط الأمامية. وكثيرا ما تنظر القوى الموجودة على الأرض إلى الإنفاق الحكومي في ليبيا منذ 2011 على أنه فرصة للحصول على المال.
وقال إيتون إن الليبيين سيراقبون عن كثب ليروا كيف تُنفق المساعدات. وأضاف “سوف ينظرون إلى الأمر نظرة قاتمة إذا اختفت الأموال في جيوب القادة مثلما جرت العادة في الكثير من الأحيان”.