إخوان سوريا.. ووهم الحكم

الاثنين 2015/10/19
الخطاب السياسي لإخوان سوريا يرتكز على محاولة احتواء العلمانيين عبر مراوغات لفظية

جرى إظهار الإخوان عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، على أنّهم الأحق في تمثيل الثورة السورية، وذلك بسبب المظلومية التي تعرّضوا لها في الثمانينات، حيث حُكم عليهم بالإعدام، وفرّ القسم الأكبر منهم، لكنهم حافظوا على هيكليتهم ونشاطهم السياسي في الخارج.

يتمايز إخوان سوريا عن إخوان مصر ببراغماتيتهم العالية، وقدرتهم على عقد التحالفات السياسية، والالتفاف على المصطلحات الحداثية. فقد تزمّت إخوان مصر، بعد وصولهم الحكم، في التعاطي مع السياسة، ما عجّل سقوطهم، ووقعوا في فخّ التعامل مع الثنائيات الصلبة إسلامي/ علماني، فخلقوا الأعداءَ، بدلَ احتوائهم. إخوان سوريا، وهم لم يجربوا الحكم، يتعاطون بمراوغة لفظية مع هذه الثنائيات، فيقولون بالدولة المدنية، ويفتون بأن الإسلام شكّل دولة مدنية، في ابتعاد مقصود عن مفردة أكثر وضوحاً وهي “علمانية” الدولة.

ديناميكية إخوان سوريا هذه آتية من هلامية تنظيمهم، على الرغم من مركزيته، إذ يتضمن مجلس شورى، ومراقبا عاما يُنتخبون دوريا. فكثرٌ ينشقون عنه تنظيمياً، دون أن يتمايزوا في أدائهم، كما هو حال أحمد رمضان الذي شكل مجموعة العمل الوطني المستقلة عن الإخوان والمتحالفة معهم في المجلس والائتلاف الوطنيين المعارضين.

يغيب الوضوح عن مواقف الإخوان تجاه القضايا الوطنية والمصيرية، مثل الموقف الحاسم من تنظيم القاعدة، ومن التحالف الدولي، ومن إسرائيل؛ إذ أيدوا حماس وحدها، وأوقفوا معارضتهم للنظام في العدوان على غزة 2008، حين كان يحتضن حماس، الأمر الذي لم يفعلوه في حرب تموز 2006 بين إسرائيل وحزب الله.

غياب المواقف جعل أعضاء من الإخوان يقولون بتصريحات متناقضة. وبالأصل هم لا يصدرون البيانات إلا فيما ندر، ولم يعملوا على إصدار جريدة أو منبر إعلامي دوري يخصّهم، رغم الدعم المالي الكبير الذي يحظون به من قبل أطراف إقليمية عديدة.

رفض الإخوانُ فتحَ مراجعة جدية لما حدث في الثمانينات، إذ اشترطوا أن يقوم النظام بها أولاً. وبذلك ساهموا في عدم حلّ المشكلة الطائفية في سوريا؛ إذْ يسود اعتقادٌ لدى الأقليات الدينية أن الإخوان يمثلون السنة، وأنهم يريدون إقصاءَهم، وقتلَ العلويين منهم، انتقاماً من سلوك النظام الطائفي بحقهم في الثمانينات، وباسم العلويين الذين شكل منهم سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد.

الوضوح غائب عن مواقف الإخوان تجاه القضايا المصيرية كالموقف الحاسم من القاعدة، ومن التحالف الدولي، ومن إسرائيل

فالإخوان يعالجون المسألة الطائفية بطائفية أيضاً؛ بعضهم يدعو الأقليات إلى الانضمام إلى الثورة دون التخلي عن توصيفها بأنها ثورة الأكثرية الطائفية، وبعضهم الآخر يحرّض على إبادة العلويين، كما فعل ملهم الدروبي وآخرون في لقاءات صحفية عديدة.

اختار الإخوان منذ 2005 التحالف مع غير الإسلاميين من المعارضة الليبرالية، وغيروا خطابهم إلى مفردات غير إسلامية، ولكنْ مُراوِغة. فكان تحالفهم مع إعلان دمشق، ثم عبدالحليم خدام، البعثي المنشق. وخلال الثورة شكّلوا المجلس الوطني ثم الائتلاف، وفي 2013 تحالفوا مع علمانيين ومسيحيين في “وعد” الحزب الوطني للعدالة والدستور. الواقع أن ضعفهم وعجزهم السياسي جعلهم يراهنون على التدخلات الغربية والإقليمية لإيصالهم إلى الحكم، لذلك يسعون إلى إقناعهم بأنهم متقبلون للديمقراطية.

أما المعارضة السورية الليبرالية فلا تملك مشروعا سياسيا يجمعُها، وهي مفككة وعاجزة عن بناء تحالفات وطنية علمانية فاعلة، لذلك وجدت في تشكيلات الإخوان مكاناً لها، وهي تعتقد بأحقيتهم في الحكم، وبالتالي تتسارع إلى التحالف معهم أينما لزم. وكان أسوأ ما قاموا به هو المؤتمرات الطائفية، للمسيحيين وللعلويين وللدروز وغيرهم… وبمباركة وحضور إخواني.

والمأخذ الأهم على الجماعة هو التبعية للدول الإقليمية والغربية، وقبول التدخل الخارجي؛ فقد دعت إلى تدخل عسكري تركي، وراوغت في طلب تدخل غربي من الناتو وغيره. والجماعة تتلقى دعما ماديا وإعلاميا من دول إقليمية، في الخليج خصوصاً، فقد تبنتها قطر، وخصصت منابرها الإعلامية لدعمهم؛ أما تركيا فهي الحاضن الذي جمع المعارضة عموماً، والإخوان خصوصاً، وأعطت الجنسية لأعضاء من الائتلاف المعارض.

يرى إخوان سوريا في حكومة العدالة والتنمية التركية الأب الروحي لهم، وهم مستعدون لكلّ التحالفات مع هذه الحكومة، وقد قبلوا بالعملة التركية في المناطق المحررة. نجاح حزب العدالة والتنمية التركي ارتبط بشكل أساسي بدعم المنتج الوطني، والبحث الدائم عن أسواق للتصريف، رغم انتهاجه السياسيات الليبرالية الجديدة. لكن إخوان سوريا لا يحسنون حتى الاقتداء به، إذ ليس لديهم مشروع اقتصادي وطني. هم يقولون بالتجارة، ويستندون إلى النص الديني في مباركتها؛ ولكن أي تجارة؟ بالطبع تلك التي تحافظ على التبعية لحلفائهم، الأتراك خصوصاً، وتقضي على المنتج الوطني. وبالتالي مشروعهم الاقتصادي هو إكمالُ ما يفعله النظام من فتح الأسواق أمام المنتج الأجنبي، وانتهاج السياسات الليبرالية الجديدة، وتحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد ريعي غير منتج.

يجيد الإخوان السيطرة على مؤسسات الثقافة والتربية والتعليم. فعلوا ذلك في الداخل، وبين اللاجئين في تركيا والأردن، مستفيدين من الدعم المالي الذي يتلقونه، محاولين نشر فكرهم الفئوي. لكنهم يظلّون جماعةً غير مرغوبة لدى شرائح واسعة من السوريين؛ فإضافة إلى الرفض التاريخي لهم من الأقليات الدينية والعرقية، هم مرفوضون من الكتائب السلفية، التي تنتقد براغماتيتهم وتحالفهم مع العلمانيين، ومرفوضون من كتائب الجيش الحر غير الإسلامية ومن عموم أهالي المناطق المحررة، بسبب سلوكهم الرديء ضمن تشكيلات المعارضة.

13