إحياء الثقافة العثمانية.. تسييس التاريخ لتحقيق مصالح راهنة

يتجلى إحياء الثقافة العثمانية في الشأن السياسي التركي واضحا من خلال خطابات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وشعار الدولة الجديد ومظاهر القصور التي تم تدشينها حديثا ولباس الحرس في القصر الرئاسي وإزالة الركام عن اللغة العثمانية القديمة، إلا أن هذا الحضور العثماني لم يكن بغاية استحضار عظمة الدولة العليّة في إسطنبول بقدر ما كان تسييسا للتاريخ لخدمة الأردوغانية التوسعية.
الأربعاء 2016/12/14
لم يعد هناك طريق إلا وسلكنه

أنقرة - يركب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، موجة الوطنية منذ محاولة انقلاب فاشلة للإطاحة به في يوليو، وتجد رسالته عن تركيا القوية صدى قويا لدى أتباعه المتحمسين للعودة إلى العهد الذهبي للدولة العثمانية.

ويتضاعف هذا الإحساس كلما شعر النظام الحاكم في تركيا بالعجز عن السيطرة على الأحداث الدائرة في الداخل والخارج، فها هو الإعلام التركي تارة يتحدث عن احتفالية الذكرى الـ500 لدخول البحرية العثمانية أرض الجزائر، وتارة أخرى، يستحضر ذكرى انتصار حققه الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى قبل مئة عام، وأعظم 8 انتصارات حققتها الدولة العثمانية، وغير ذلك من المصطلحات والأمثلة التي يتعمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استحضارها في كل مناسبة.

لكن، يبدو أن هذا المخزن الكبير من الإنجازات لن يفيد في المستقبل أردوغان الذي وصفه روبرت إليس، المحلل السياسي بمجلة "فرونت بيج" الأميركية، بأنه "يائس"، إذ يواجه اضطرابات في الداخل والخارج، وبخاصة مع هبوط الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، وبات "مغضوبا عليه" دوليا.

وحذّر إليس من أن نهج أردوغان يجعل تركيا على حافة الهاوية، مشيرا إلى أن من بين الإشكاليات التي جعلت تركيا تصل إلى هذا الوضع تعمد أردوغان تجديد الحرب مع حزب العمال الكردستاني، بهدف الحصول على الدعم البرلماني لإجراء التغيير الدستوري لتوسيع سلطاته الرئاسية ليصبح "رئيسا تنفيذيا" من دون ضوابط وتوازنات الحكم الديمقراطي.

قمة عالمية لـ"الحلال" في إسطنبول
أنقرة – لا تترك تركيا بابا لتلج منه إلى العالمين العربي والإسلامي إلا وتطرقه، ولا طريقا لتجعل من إسطنبول عاصمة عالمية إلا وتسلكه، وما لا تأتي به السياسة تأتي به الدراما والاقتصاد والسياحة؛ فمن إسطنبول عاصمة للتمويل الإسلامي، إلى عاصمة الموضة الإسلامية، وعاصمة شباب العالم الإسلامي، وأخيرا وليس آخرا تفتقت قريحة الأتراك على فكرة إسطنبول عاصمة “الحلال”.

ويتنزل في هذا السياق الإعلان عن استضافة إسطنبول، العاصمة التاريخية لتركيا، لـ”القمة العالمية للحلال”، في الفترة ما بين 15 و17 ديسمبر الجاري، برعاية خاصة من الرئاسة التركية.

ستشهد القمة عقد 5 مؤتمرات تبحث مواضيع “الصناعات الغذائية الحلال”، و”التمويل الإسلامي”، و”السياحة الحلال”، و”الحياة الإسلامية”، إضافة إلى “مستحضرات التجميل والأدوية الحلال”، وفضلا عن المؤتمرات، تشهد القمة عقد 18 جلسة لتقييم مسألة “الأمور الحلال”.

وجاء في موقع القمة أن هذا الحدث يأتي بعد أن تزايد الطلب على المنتجات الحلال. والهدف منها إنشاء منظمة تسهم في توعية المستهلكين المسلمين بخصوص المنتجات الحلال. وسيقام بالتزامن مع القمة معرض “إكسبو”، وسيكون “حلالا” أيضا، وهو مجال تعتبر تركيا نفسها رائدة فيه، ومنافسة كبرى لماليزيا، رائدة السياحة الحلال في العالم.

ويضم سوق الحلال في تركيا قطاعات الأغذية ومستحضرات التجميل والأزياء والسياحة والمطاعم والأدوية والخدمات والمال والإعلام، وحتى الجنس.

وبحسب الكاتب، يتجاهل أردوغان معاهدة لوزان (عام 1923) التي تحدد حدود تركيا الحديثة، ويشير إلى الميثاق الوطني (ملي ميساك) الذي أقره البرلمان العثماني في عام 1920. وبموجب هذا الميثاق ثمة مناطق تركية في اليونان وسوريا والعراق، الأمر الذي قاد فعلا إلى اندلاع الصراع ما بين العراق والجيش التركي في شمال سوريا، حيث أن القوات التركية لا تدعم الجيش السوري الحر في حربه ضد داعش كما يبدو الأمر ظاهريا.

ويقول محمد البطاينة، الباحث السياسي في شؤون الحركات الإسلامية، لـ"العرب" إن "مصطلح "ملي ميساك" أو الاتفاق الوطني هو اتفاق داخلي ولا قيمة سياسية له بالخارج، فهو لم يصدر باتفاق دولي".

وينص الاتفاق "على أن أجزاء الدولة العثمانية تمتد من غرب إيران وتضم الموصل وحلب اللتين تمثلان اليوم عنوان التدخل التركي في المنطقة وتشكلان مجالا حيويا بالصراع في/على المنطقة، وهذه التصريحات تأتي في سياق إيجاد تبريرات ذات أبعاد تاريخية وقانونية وداخلية لمشاركة القوات التركية في معركة الموصل واعتبار موضوع المشاركة دفاعا عن حقوق الدولة التاريخية والواقع هو دفاع عن مصالح الدولة التركية الراهنة".

وكثيرا ما يعبر أردوغان عن أسفه بشأن التنازلات التي قدمها الزعماء الأتراك في الحرب العالمية الثانية بتوقيع معاهدة لوزان التي أتت بتركيا الحديثة إلى الوجود عام 1923. ونشرت وسائل إعلام موالية للحكومة خرائط تصور الحدود العثمانية وهي تضم منطقة من بينها الموصل.

اعتبرت وسائل الإعلام التركية تصريحات أردوغان عن معاهدة لوزان بمثابة الانتقاد المستتر لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، الذي اعتبر بمثابة الفوز، توقيع معاهدة لوزان بعد معاهدة سيفر غير المواتية بالنسبة إلى تركيا.

ويقول صلاح بدرالدين، المحلل السياسي الكردي إن "المزايدة على كمال أتاتورك لا تجدي عبر اتهامه بالتفريط بالأراضي الوطنية، بل الطريق الأمثل هو إزالة آثار ممارساته الشوفينية المعادية للأقوام غير التركية مثل الأكراد والأرمن والعمل الجاد من أجل حل القضية الكردية في تركيا وتحقيق الأمن والاستقرار في عموم البلاد لأن ذلك الطريق الأقصر والأقل كلفة من درع الفرات في سوريا والحملات العسكرية الأخرى".

امتدت الدولة العثمانية زمنيا من عام 1299_1923. وفي الأدبيات السياسية التاريخية توصف تركيا بالدولة الأبدية بمعنى أن لهذه الدولة جذورا راسخة ولا يخشى على وجودها؛ ويعتقد محمد البطاينة أن مفهوم العثمانية الجديدة لا يهدف إلى جهة استعادة حدودها وجغرافيتها بل إلى استحضار تاريخها واستدعاء ذاكرتها وتوظيفها لتحقيق مصالح سياسية راهنة.

واستحضار العثمانية السياسية هو تكتيك سياسي يأخذ طابعا استعراضيا ويستهدف إيصال رسائل إلى جهات عديدة والتأثير تبعا لذلك في المجال الداخلي والإقليمي والدولي. ويقول البطاينة “إن طرح شعار الخلافة العثمانية يستدر عواطف الاتجاهات الإسلامية والشعبوية، مما يوفر غطاء شعبيا في العالم العربي للأتراك لتنفيذ سياساتهم في المنطقة التي تنطلق من مصالح الدولة التركية العليا بالمقام الأول".

12