إجراءات جزائرية استباقية لدرء مخاطر ضعف النظام المالي

فرض زيادة الاحتياطات الإلزامية للمصارف لدى البنك المركزي، والقرار يغامر بتقليص الإقراض ومفاقمة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
الاثنين 2019/03/18
حسابات جديدة محفوفة بالمخاطر

اتخذ البنك المركزي الجزائري إجراءات احترازية للتصدي لمخاوف ضعف النظام المالي برفع سقف الاحتياطات المالية الإلزامية لدى المصارف، في وقت يقول فيه محللون إن انحدار قيمة الدينار في السوق السوداء يؤكد أن الاقتصاد يقترب من نقطة حرجة في ظل استمرار عدم الاستقرار السياسي.

الجزائر – فرض بنك الجزائر المركزي أمس زيادة الاحتياطات النقدية الإلزامية التي تحتفظ بها المصارف، كإجراء استباقي لدرء مخاطر ضعف النظام المالي، في ظل تفاقم الأزمة السياسية الاقتصادية.

وبمقتضى القرار الجديد يجب على البنوك المحلية الاحتفاظ باحتياطات مالية لدى البنك المركزي تعادل 12 بالمئة من قيمة الودائع التي لديها تحسبا للأوضاع الطارئة بعد أن كانت 8 بالمئة.

وتعد تلك الزيادة في الاحتياطي الإجباري، الثانية التي يفرضها البنك المركزي في أقل من 15 شهرا، بعد زيادة أولى في يناير 2018، من 4 إلى 8 بالمئة.

ويعني القرار زيادة بنسبة 50 بالمئة من إجمالي ودائع العملاء، التي ينبغي على المصارف إبقاؤها على شكل احتياطي لدى البنك المركزي، دون وجود صلاحيات لاستخدامها من جانب البنوك في الاستثمار أو الإقراض.

وتكافح السلطات حاليا لتهدئة الاحتجاجات السياسية المتفاقمة، التي يرجع محللون أسبابها العميقة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وتبديد الحكومة لثروات البلاد الكبيرة نتيجة البيروقراطية والفساد، رغم العناوين السياسية للاحتجاجات.

12 بالمئة نسبة الاحتياطات المالية الإلزامية الجديدة للمصارف الجزائرية مقابل 8 بالمئة سابقا

وأرجع البنك قراره إلى الاستقرار الذي تشهده السيولة المالية في السوق المحلية، لكن محللين يقولون إن السبب هو التحوط من الطوارئ وأن القرار قد يؤدي إلى مزيد من تردي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي يمكن أن يفاقم الاحتجاجات.

ويرجع محللون الخطوة إلى زيادة المعروض من السيولة النقدية في السوق، بعد أن أغرقت السلطات الاقتصاد بالسيولة من خلال طباعة النقود. وأكدوا أن القرار الجديد يأتي تحسبا لارتفاع محتمل في معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة.

ونسبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إلى مسؤول في البنك المركزي قوله إن رفع الاحتياطات الإجبارية إحدى وسائل السياسة النقدية، التي تستخدمها جميع المصارف المركزية.

واستخدمت الجزائر طرق تمويل بالمخاطر منذ نوفمبر 2017 بعد تفعيل قرار التمويل غير التقليدي من خلال طباعة النقود، لإطفاء المشاكل المالية المتفاقمة بسبب تراجع عوائد صادرات الطاقة وارتفاع العجز التجاري والاختلالات المالية.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن البنك المركزي طبع منذ ذلك الحين نحو 65 مليار دولار، وسط تقديرات بأن يلجأ إلى طبع أكثر من 4 مليارات دولار إضافية خلال العام الجاري.

وشكل انحدار سعر صرف الدينار في السوق السوداء لمستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة صدمة للأوساط الاقتصادية المحلية التي تخشى وقوع أزمة كبيرة.

وبلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازية نحو 192 دينارا مقابل 141 في السعر الرسمي. وبلغ اليورو نحو 220 دينارا مقابل 185 في السعر الرسمي.

وقال تجار العملة لوسائل إعلام محلية إن طريقة انخفاض الدينار لم يسبق أن شهدتها السوق المحلية، وسط مخاوف من ارتفاع نسبة التضخم وحدوث ركود اقتصادي شامل. وأرجع خبراء تراجع الدينار إلى تراجع الثقة بالاقتصاد الجزائري نتيجة الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها رغم سحب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات وإصدار سلسلة من القرارات التي لم توقف زحف المحتجين.

وتعيش الجزائر أزمة اقتصادية منذ أكثر من أربع سنوات جراء تراجع أسعار النفط في السوق الدولية. ولم تفلح السياسات الحكومية التي تلت ذلك في معالجة الأزمة المتفاقمة رغم مكابرة المسؤولين بأن الأوضاع تحت السيطرة.

65 مليار دولار حجم الأموال التي وفرتها الجزائر من خلال طباعة النقود لتوفير السيولة منذ نوفمبر 2017

وتعتبر الجزائر من الدول الغنية بسبب ثرواتها الطبيعية الكبيرة واحتياطاتها من النفط والغاز لكن السياسات الحكومية المركزية وانتشار البيروقراطية والفساد أدى إلى شلل الاقتصاد وتكريس اعتماده على صادرات الطاقة.

وتقر السلطات بين حين وآخر بحاجة الاقتصاد الملحة إلى الإصلاحات العميقة، لكن جميع برامج الإصلاح الكثيرة التي أعلنتها لم تحقق أي أثر يذكر على أرض الواقع.

ويعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل شبه كلي على عوائد صادرات النفط والغاز، وتعتمد نسبة كبيرة من السكان الفقراء على برامج الضمان الاجتماعي التي تقلصت في السنوات الأخيرة وزادت من معدلات الفقر.

ولم تتمكن الحكومة من تنويع الاقتصاد لمواجهة تراجع إيرادات صادرات الطاقة والاحتياطات النقدية وقد اضطرت إلى خفض الواردات بفرض قيود على حزمة من السلع، الأمر الذي فاقم السخط الشعبي.

وأطلقت الحكومات المتعاقبة حملات لمكافحة الفساد وتخفيف الإجراءات البيروقراطية لجذب الاستثمارات الأجنبية لكنها لم تتمكن من تحسين مناخ الأعمال وكسب ثقة المستثمرين.

وازداد تخبط السلطات باللجوء إلى سياسات محفوفة بالمخاطر مثل طباعة النقود ونقل أعباء فشل سياساتها المالية إلى المواطنين من خلال تقليص برامج الدعم وزيادة الضرائب التي أطلقت شرارة الاحتجاجات الشعبية.

10