أي مصير ينتظر اللاجئين السودانيين في إسرائيل بعد التطبيع

منظمات إغاثة تخشى ترحيل تل أبيب لطالبي اللجوء السودانيين قسرا إلى بلدهم بعد توقيع اتفاق السلام رسميا وذلك بضغط من حزب الليكود.
الأربعاء 2020/12/23
جميع المتسللين يجب طردهم من إسرائيل وإعادتهم إلى أوطانهم

طرحت قضية اللاجئين السودانيين في إسرائيل أكثر من مرة، تارة بشكل مباشر وأخرى على استحياء. والآن بعد اقتراب تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل تطل هذه القضية برأسها بصورة جديدة. فهل ستتم إعادة هؤلاء إلى موطنهم الأصلي، خاصة أن أسباب اللجوء وعوامله تكاد تختفي، أم يمكن أن يكونوا رسل سلام لبلدهم الأصلي؟ إلا أن هذا الطرح يستبقه الكثير من التفاصيل الشائكة في ملف التطبيع الذي أصبح قريب المنال، عقب قيام الولايات المتحدة برفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب مؤخرا.

الخرطوم- أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أكتوبر الماضي عن التوصل إلى اتفاقية تطبيع بين إسرائيل والسودان، فيما أثارت الخطوة تساؤلات عن مصير الآلاف من طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل، وإن كانت تل أبيب ستوظف ورقة التطبيع لإعادتهم قسرا إلى بلدهم، أم سيكونون بمثابة جسر لتفعيل سلام حقيقي بين البلدين.

ولاحظ الصحافي الأميركي من أصول سودانية إسماعيل كوشكوش في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن الغائب إلى حد كبير عن النقاش العام حول التطبيع هو مستقبل حوالي 6200 طالب لجوء سوداني في إسرائيل، المتوجسون من ترحيلهم قسريا وخصوصا إلى منطقة دارفور التي لا يزال شبح الحرب مخيما عليها، كما فعلوا مع لاجئي جنوب السودان بعد الانفصال في عام 2011.

ولم يستبعد كوشكوش طرد اللاجئين السودانيين قسرا بعد توقيع اتفاق السلام رسميا، وذلك بضغط من حزب الليكود الذي يتزعّمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وبات العديد من السودانيين مقتنعين بأنهم كبش فداء في السياسة الإسرائيلية الداخلية، خاصة أن نتنياهو وعد مرارا قاعدته اليمينية على مر السنين بطردهم.

وقالت ماي غولان العضو بالبرلمان، من حزب الليكود بزعامة نتنياهو، لطالب لجوء سوداني في تبادل مسجل على مقطع فيديو انتشر في إسرائيل “هناك سلام في السودان الآن، لذا يمكنك العودة إلى بلدك”. وغردت أيضا “لن يمنعني شيء في النضال من أجل وضع سياسة للهجرة، فجميع المتسللين يجب طردهم من إسرائيل وإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية”.

وبالنسبة لطالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل اليوم، لا تزال هناك مخاوف بشأن العودة إلى وطنهم، فرغم سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير عقب انتفاضة شعبية، وعقد اتفاقية سلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة، إلا أن العنف لم يتوقف في بعض المناطق.

ويشعر آدم أحمد يحيى، طالب لجوء من دارفور المنكوبة ويعيش في تل أبيب بالقلق بشكل خاص من أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أنهما مسؤولان عن جرائم حرب في تلك المنطقة. وقال “مناطقنا ما زالت غير آمنة. عائلاتنا لا تزال تعيش في مخيمات اللاجئين”.

مفارقات سياسية واجتماعية

ماي غولان: يجب طرد جميع المتسللين من إسرائيل وإعادتهم إلى أوطانهم
ماي غولان: يجب طرد جميع المتسللين من إسرائيل وإعادتهم إلى أوطانهم

من الصعب تجاهل المفارقات التي حدثت في إسرائيل، حيث تجتذب وترفض اللاجئين السودانيين، فعلى مدار عقود من الزمان، كان كل من السودان وإسرائيل يصنفان بعضهما البعض رسميا كدول معادية. وأدى انتشار السخط والصراع وسياسات التعريب والأسلمة العدوانية ضد الأقليات العرقية والدينية في السودان خلال عهود سابقة إلى دفع عشرات الآلاف من الأشخاص إلى البحث عن ملاذ في الخارج.

واتهمت جماعات حقوق الإنسان الرئيس السابق عمر البشير بارتكاب انتهاكات، بما في ذلك العبودية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، لاسيما في مناطق جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور. وفر العديد من السودانيين إلى دول مجاورة، وكانوا يأملون في إعادة توطينهم في أوروبا أو أميركا الشمالية أو أستراليا.

وفي عام 2005، توقفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة عن قبول طلبات اللجوء السودانية، بعد أن عُقد اتفاق سلام بين حكومة الخرطوم والمتمردين الجنوبيين.

وأظهر العديد من المسؤولين الإسرائيليين والمواطنين العاديين درجة من التعاطف مع اللاجئين السودانيين، ومع ازدياد أعدادهم ظهرت ملامح تململ واعتراض لهم، خاصة من أولئك الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف.

ومع وجود شريحة من السودانيين تعيش في أحياء الطبقة العاملة في جنوب تل أبيب، تم تصوير الوافدين الجدد على أنهم مجرمون يُزعم أنهم ينشرون الأمراض ويشكلون تهديدا ديموغرافيا للأغلبية اليهودية في إسرائيل. ووصفت عضو الكنيست ميري ريجيف اللاجئين السودانيين بأنهم “سرطان”، وهو ما كشف عن وجه عنصري ومعاد للسود.

وأصبحت إقامة اللاجئين السودانيين في إسرائيل موضوعا سياسيا وقانونيا مثيرا للجدل، أدى منذ عدة سنوات إلى انقسام الرأي العام وإشعال معارك قضائية وإثارة خطاب عنصري واحتجاجات تضامنية. وتعتبر جماعات حقوق الإنسان معظم طالبي اللجوء السودانيين لديهم قضايا مشروعة، لكنّ سياسيين في تحالف نتنياهو اليميني اعتبروهم مهاجرين اقتصاديين يفرون من الفقر وأنهم “متسللون”، وهو مصطلح استخدم من قبل لوصف النشطاء الفلسطينيين.

ولسنوات، تم التغاضي عنهم في إسرائيل بموجب سياسة غامضة تتمثل في “الحماية المؤقتة” أو “تأخير الترحيل”، الأمر الذي أبقى الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بالقانون الدولي الذي يحظر ترحيل اللاجئين. ووفقا لمنظمة الخط الساخن للاجئين والمهاجرين، وافقت إسرائيل على اللجوء فقط لـ200 لاجئ غير يهودي منذ التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين قبل 60 عاما تقريبا، ما معدل أقل من 1 في المئة من طلبات اللجوء، مقارنة بما يتراوح بين 10 و50 في المئة في العديد من الدول المتقدمة.

ولمنع المزيد من الأفارقة من عبور الحدود، أقامت إسرائيل سياجا أمنيا على طول حدودها الجنوبية في عام 2013، وفتحت مركز احتجاز “حولوت” بالقرب من الحدود المصرية لأولئك الذين تمكنوا من العبور. وخططت إسرائيل لترحيل المعتقلين بالقوة في أوائل عام 2018، إلى أوغندا ورواندا أو نقلهم إلى السجون الإسرائيلية، لكن ذلك أثار غضبا دوليا.

وأعلنت الحكومة بعد ذلك أنها توصلت إلى اتفاق مع الأمم المتحدة لإعادة توطينهم كلاجئين معترف بهم في إسرائيل وأوروبا، لتتراجع عن هذه الخطة في اليوم التالي بعد اندلاع احتجاج في إسرائيل.

وأوضح يوتام جيدرون، الباحث في جامعة دورهام في بريطانيا، “سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى حشد الدعم الشعبي من خلال إثارة الذعر حول المخاطر التي يمثلها هؤلاء السكان على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل واقتصادها وأمنها، ومن خلال إدخال إجراءات غير قانونية في الكثير من الأحيان سعت إلى إبعاد هؤلاء السكان”.

نجاحات محدودة

يعيش اليوم معظم طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل دون إقامة رسمية أو حقوق أخرى
يعيش اليوم معظم طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل دون إقامة رسمية أو حقوق أخرى

حسب نشطاء حقوق اللاجئين، يعيش اليوم معظم طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل دون إقامة رسمية أو حقوق أخرى، بعد 15 عاما من وصول أول سودانيين.

وحرمت الحكومة الإسرائيلية معظمهم من القدرة على التقدم بطلب للحصول على اللجوء ومنعتهم من الحصول على الرعاية الصحية الكافية ومدفوعات الرعاية الاجتماعية والخدمات الاجتماعية الأخرى، وازداد الوضع سوءا بسبب جائحة كورونا، حيث فقد الكثير منهم أي عمل لهم ربما كان بسبب قيود الإغلاق والتراجع الاقتصادي.

ويقول نشطاء إن سلطات الهجرة الإسرائيلية تميز بناء على الخلفية العرقية في طلبات اللجوء، وتقدم أحيانا بعض الحقوق مثل تصاريح العمل والوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية لعدد محدود من المتقدمين غير العرب من دارفور وجبال النوبة وولاية النيل الأزرق، مع رفض طلبات السودانيين العرب.

ومُنح طالب لجوء سوداني واحد فقط حقوق اللجوء الكاملة مع نهاية العام الماضي. وفي ذروة عام 2012، كان هناك 15 ألف سوداني في إسرائيل، لكن الآلاف أجبروا على العودة.

وأكدت سيغال روزن، منسقة السياسة العامة في منظمة الخط الساخن للاجئين والمهاجرين الإسرائيلية، أن “النجاحات المحدودة لبعض اللاجئين لا تعني أن حكومة نتنياهو تعاملهم بقلبها”. وقالت “هناك ضغوط شديدة من الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسودانيين من دارفور، لأنهم كانوا يفرون من موقع الإبادة الجماعية، ولأن الجماعات اليهودية الأميركية لعبت دورا فعالا في لفت الانتباه إلى الفظائع التي تحدث في دارفور”.

ومنحت المحكمة العليا الإسرائيلية في سبتمبر الماضي المسؤولين الحكوميين مهلة حتى يناير المقبل لتوضيح موقفهم بشأن طلبات اللجوء السودانية التي ظلت معلقة منذ سنوات. وكشف ميشال بوميرانتز، محامي الحقوق المدنية الذي يمثل طالبي اللجوء، “أن وضع طلبات طالبي اللجوء السودانيين في الوقت الحالي هو أن وزارة الداخلية الإسرائيلية لا تنظر فيها”، لافتا بالقول “لقد جمدوا النظر في الطلبات بسبب التغيير السياسي في السودان، ويزعمون أنهم لا يستطيعون معالجتها بسبب عدم اليقين بشأن الأوضاع”.

اللاجئون السودانيون مقتنعون بأنهم كبش فداء في سياسة إسرائيل، خاصة أن نتنياهو وعد قاعدته اليمينية مرارا بطردهم

وناقشت مجموعة من منظمات مساعدة اللاجئين الإسرائيلية التي تساعد السودانيين في تقرير صدر في أكتوبرالماضي القضية، وناشدت إسرائيل بضرورة أن تدرس طلبات اللجوء بموجب اتفاقية اللاجئين ومنح الإقامة لمن يحق لهم ذلك، بغض النظر عن العلاقات الدبلوماسية مع الدولة التي فروا منها.

ولفت أسومين بركة، لاجئ من دارفور والمدير التنفيذي لمنظمة الطلاب الأفارقة في إسرائيل، إلى أنه في اللحظة التي يصبح فيها السودان آمنا لن تضطر إسرائيل إلى ترحيل أي شخص، قائلا “سنعود إلى الوطن بمفردنا وبكامل إرادتنا”. وأضاف “معظم السودانيين في إسرائيل على اطلاع دائم بما يجري في السودان عبر أصدقائنا في مخيمات اللاجئين والنازحين، فالوضع هناك خطير للغاية، ونحن نعرف متى يجب علينا العودة إلى وطن غير آمن لنا”. ويجمع أغلب اللاجئين السودانيين على أن سبب وجودهم في إسرائيل ليس بسبب العلاقات الدبلوماسية، وإنما بسبب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي اللذين فروا منهما.

وأشارت عنبال بن يهودا، الباحثة في منتدى التفكير الإقليمي، وهي مؤسسة فكرية إسرائيلية، بالقول “لقد كان أمام إسرائيل سنوات لإثبات أنها تحترم الشعب السوداني وتهتم بمستقبله ورفاهيته من خلال معاملة اللاجئين بكرامة ومنطق كبشر في وضع فريد يمنحهم الحماية والحقوق، لكنها فشلت في الاختبار وخذلت مجتمع اللاجئين مرارا وتكرارا”. وأمام خطوة الأوضاع في بلدهم، ليس من المستغرب أن يشعر اللاجئون السودانيون في إسرائيل بالقلق عندما يسمعون عبارة “اتفاق سلام”.

6