أي سياسة أوروبية تجاه سوريا على خلفية التصعيد الإقليمي

الافتقار إلى النفوذ يشكل العقبة الرئيسية أمام التعامل مع نظام الأسد بشأن اللاجئين والقضايا التي تهم الأوروبيين.
الاثنين 2024/11/18
ظروف صعبة ولكن..

دمشق- سبّب تصاعد الحرب في لبنان أزمة لاجئين جديدة شملت هرب ربع مليون شخص إلى سوريا. ويشكّل هذا فرصة يمكن لأوروبا من خلالها الضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ويرى المحلل والمستشار في شؤون الشرق الأوسط ومتخصص في الشأن السوري مالك العبدة في تقرير نشره موقع عرب دايجست نقلا عن موقع سيريا إن ترانزيشن (سوريا في طور الانتقال) أن التصعيد الأخير في الشرق الأوسط يخلط أوراق اللعبة بطريقة قد تشهد سوريا خلالها تغيرات جذرية في ميزان القوى الداخلي.

وبينما يتطور الوضع باستمرار، يمكننا توقع أن يكافح بشار الأسد للحفاظ على إستراتيجيته الطويلة الأمد المتمثلة في الابتعاد عن الأضواء مع أمل أن يُعتبر عامل استقرار في الفترات المضطربة وأن يتلقى في المقابل مكافآت من الغرب والخليج لحياده.

وطالما تمكن الأسد من الإبقاء على هدوء جبهة مرتفعات الجولان، ستواصل إسرائيل اعتبار نظامه مفيدا. لكن هذا الجانب لا يخفف غموض النهاية التي لا تزال غير مؤكدة.

ويُذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يخرج عن طريق الحرب. وقد تقرر إسرائيل ملاحقة عناصر موالية للنظام الإيراني مثل ماهر الأسد، الذي يقال إنه تلقى إنذارا نهائيا من الدولة العبرية لمغادرة البلاد أو التحول إلى صف معارض لإيران. كما قد يقرر الإيرانيون من جهتهم أن إستراتيجية الأسد المبنية على اللعب على جميع الأطراف لم تعد مقبولة لهم. وسيتخذون، إن حدث ذلك، إجراءات لاقتلاعه من السلطة.

طالما تمكن الأسد من الإبقاء على هدوء جبهة مرتفعات الجولان، ستواصل إسرائيل اعتبار نظامه مفيدا. لكن هذا الجانب لا يخفف غموض النهاية التي لا تزال غير مؤكدة

وتشمل القضية الأساسية الراهنة دخول 250 ألف لاجئ من لبنان، وجلهم من السوريين. ويدق هذا ناقوس الخطر في العواصم الأوروبية، حيث يتزامن هذا التطور مع توترات بين دول أوروبا وخارج التكتل. وتعدّ مساعدة اللاجئين والنازحين داخليا في لبنان وسوريا المسار الصحيح أخلاقيا وسياسيا. لكن على الأوروبيين من جهتهم مقاومة الحوافز والضغوط.

وتُسلّط هذه الضغوط عليهم كذلك من عناصر في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لإعلان أجزاء من سوريا آمنة للعودة والتسرّع في العودة للتعامل مع نظام الأسد بتعلة جهود التعافي المبكر لاستيعاب العائدين. لكنّ فهم الوضع الراهن يبقى واجبا قبل اتخاذ أية اجراءات ملموسة.

ويتبنى نظام الأسد والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للأسف، مصالح راسخة تكمن في تضخيم عدد العائدين. ويجب إجراء تقييم شامل لهوية هؤلاء العائدين، مع تحديد وجهاتهم ونواياهم على المدى المتوسط.

وتشير التقارير الأولية إلى أن العديد من اللاجئين السوريين يعبرون المناطق التي يسيطر عليها النظام في طريقهم إلى شرق سوريا أو الشمال الغربي. ويمكن أن يتضاعف العدد المتوقع إن تواصلت الأعمال العدائية في لبنان وسعى العائدون إلى الأمان الطويل بالعبور إلى أوروبا. ومن المرجح أن الذين بقوا في المناطق التي يسيطر عليها النظام يعتبرون ذلك حلا مؤقتا، وأنهم يخططون للعودة إلى لبنان في أقرب فرصة تسنح لهم.

ولا يرى جل اللاجئين في العودة إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام الخيار الأمثل. ويحاولون تجنبه لأسباب تشمل خاصة التجنيد العسكري ونقص الوظائف. ولن يغير أي برنامج مساعدات هذا الأمر. ويجب أن يقتصر تركيز الجهود الإنسانية على المساعدات المنقذة للحياة بدلا من مشاريع الإنعاش المبكر أو التنمية إلى حين توفر بيانات موثوقة.

وإذا قررت أوروبا الانخراط مع حكومة دمشق لاستكشاف ما إذا يخلق الضغط الحالي على حلفاء الأسد (إيران وحزب الله) فرصة لمفاوضات جادة، فسيمكن أن تشكّل العديد من التدابير قصيرة الأجل اختبارات حقيقية. ويشمل ذلك الإبقاء على تعليق رسوم الدخول البالغة 100 دولار على الحدود اللبنانية السورية إلى أجل غير مسمى، ومنح عفو كامل عن العائدين (بما في ذلك تعليق التجنيد العسكري والوصول الكامل لمراقبة المفوضية)، وضمان شفافية العمليات التي تحمي حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات.

ويجب أن يشير استعداد النظام لتنفيذ هذه التدابير إلى ما إذا ستكون المشاركة الأعمق ممارسة مجدية.

ويجب ألا يتأثر أي أحد بتنازلات النظام الصغيرة إذا توفرت، فقد علّمتنا “دبلوماسية الزلازل” في 2023 أن الأسد يتقن استغلال حالات الطوارئ الإنسانية. ومن غير المفاجئ إذن أنه التقى في 8 أكتوبر بالمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الذي أدلى في السابق بتصريحات محسوبة ولكنها معيبة حول التقدم المزعوم الذي أحرزه النظام في القضايا الأمنية والقانونية التي منعت اللاجئين من العودة.

ويجب عدم تخفيض الحد الأدنى من الحماية، بل تشجيع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تحديد التطورات بدقة في بياناتها لتجنب الانطباع بأنها تقدم تنازلات فقط من أجل إرضاء دمشق والجهات المانحة.

وفي نفس الوقت، يجب ألا يغفل الأوروبيون عن المناطق الخارجة عن سيطرة للنظام. ويقدم الشمال الغربي والشمال الشرقي مجالا واسعا للتمويل الإنساني الأكثر كفاءة. وتجسد هذه المناطق بوابات رئيسية للاجئين الفارين إلى أوروبا، ويمكن أن يكون الانخراط معها أكثر فعالية في معالجة أسباب الصراع الجذرية ودعم الاستقرار على المدى الطويل.

جل اللاجئين لا يرون في العودة إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام الخيار الأمثل. ويحاولون تجنبه لأسباب تشمل خاصة التجنيد العسكري ونقص الوظائف

وتشمل التدابير العملية التي يمكن اتخاذها جمع البيانات حول تحركات النازحين من مناطق النظام إلى المناطق غير الخاضعة له، والضغط على السلطات في المعابر الداخلية لضمان سلاسة عبور النازحين، والتخطيط الجاد لأنماط التدخل التي ستشجع الذين يصلون إلى المناطق غير الخاضعة للنظام على البقاء فيها.

ويشكل الافتقار إلى النفوذ العقبة الرئيسية أمام التعامل مع نظام الأسد بشأن اللاجئين، والقضايا الأخرى التي تهم الأوروبيين. وأبرزت التجربة العملية أن العمل مع أولئك الذين يعارضون الأسد كانت الطريقة الفعالة الوحيدة للضغط عليه.

وقد حاول الغرب ذلك بطرق مختلفة طوال الصراع، وحقق نتائج متفاوتة. لكن الوضع الحالي يختلف عما سبق حيث تظل سوريا مقسمة بحكم الأمر الواقع، مع خطوط جبهات مستقرة، ومناطق غير خاضعة للنظام تستضيف نصف السكان المتبقين.

ويمكن للغرب أن يستغل كعب أخيل النظام بالانخراط الجاد في هذه المناطق، حيث يعني هذا إضفاء الشرعية على منافسيه الداخليين وتمكينهم، وما يترتب على ذلك من تقويض شرعيته وسيادته المتصورة.

ولن يكون هذا النهج أكثر حساسية من الناحية السياسية من العمل مع نظام مسؤول عن بعض أسوأ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في هذا القرن. وتشمل المسارات المعقولة كذلك صياغة مجموعة من الشروط المتعلقة بالشمولية والوصول والشفافية والرقابة والحماية والتركيز الصارم على الأطراف الراغبة في الوفاء بها. وكان الصبر الإستراتيجي الأوروبي من الثوابت المبدئية القليلة التي شهدها الصراع السوري.

ومنحت مساهمات الغرب الجديرة بالثناء (تحمل جل عبء التمويل الإنساني مع الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية الحيوية) نفوذا يُقلَّل من شأنه في بعض الأحيان. ومن الأفضل تجنب النزعة العدائية غير المحسوبة. ولم تتغير أسباب الصراع السوري الجذرية بينما يمر الشرق الأوسط بهذه الفترة الانتقالية.

وتفرض كل أزمة فرصا متعددة. ومن الأفضل أن يأخذ الأوروبيون نفسا عميقا ويحللوا الموقف من جميع الزوايا، ثم يقدموا حلولا مشتركة تجمع بين الدوافع الإنسانية والاعتبارات السياسية الملحة والمبدئية.

7