أي خيارات للمعارضة السورية في ظل تقارب أنقرة ودمشق

مسايرة الأجندات التركية تقضي على المعارضة والرفض يضعها أمام مسارات مجهولة.
الاثنين 2023/01/16
شارع سوري رافض لمسار التقارب

مع انطلاق قطار التقارب بين تركيا والنظام السوري أملا في التطبيع الكامل للعلاقات بينهما، وجدت المعارضة السورية نفسها بين كماشة نظام الأسد الذي يتربص بها وأجندات تركيا التي لا يستبعد مراقبون أن تتخلى عنها خدمة لمصالحها الإستراتيجية.

دمشق – تضع المقاربة التركية الجديدة للملف السوري بالتمهيد لحوار مع نظام بشار الأسد، المعارضة السورية أمام خيارات صعبة، في ظل رفض واسع لأي مصالحة أو اتفاق مع النظام لا يلبّي طموحاتها.

ومع ازدياد وتيرة التقارب عبر إعلان النظام التركي عن لقاء مرتقب الشهر الجاري بين وزيري خارجية البلدين، تبدو أنقرة أكثر حرصا على التطبيع الكامل مع النظام السوري والذي يؤكد محللون أنه سيكون على حساب المعارضة السورية التي تضع جميع بيضها في السلة التركية، ما يجعلها أمام خيارين: إما مسايرة الأجندات التركية للتطبيع وبالتالي فقدانها أسس بقائها والقضاء عليها، أو الرفض وهو ما يضعها أمام مسارات مجهولة.

وتُعد تركيا اليوم الحليف الرئيسي والأهم للمعارضة السورية التي باتت على مفترق طرق مع مقدمات التقارب بين أنقرة والنظام السوري.

ولم يصدر عن الائتلاف الوطني السوري، والذي يتخذ من مدينة إسطنبول مقرا له، ما يوضح موقفه بشكل جازم من المقاربة التركية الجديدة للقضية السورية، إلا أن قوله بأنه يتفهم الخطوات التركية وينتظر ضمانات من أنقرة أجّج الشارع الذي عبر عن غضبه بطرد أحد قيادات الائتلاف في مظاهرة احتجاجية على التقارب مع النظام في شمال سوريا الجمعة.

خياران

تركيا تُعد الحليف الرئيسي والأهم للمعارضة السورية التي باتت على مفترق طرق، مع مقدمات التقارب بين أنقرة والنظام السوري
تركيا تُعد الحليف الرئيسي والأهم للمعارضة السورية التي باتت على مفترق طرق، مع مقدمات التقارب بين أنقرة والنظام السوري

يرى محللون أن هناك خيارات متعددة أمام المعارضة السورية للتفاعل مع التقارب التركي – السوري. ويشير هؤلاء إلى أن الخيار الأول يكمن في إمكانية الخضوع للموقف التركي مع محاولة تحسين موقع المعارضة في التسوية السياسية المرتقبة، وهو في حقيقة الأمر ما يفسر غياب موقف جازم من الائتلاف الوطني السوري إلى حد الآن. وهذا يعني الانخراط في المسار التركي والتكيف مع مقتضياته، وانتظار الحصول على مكاسب سياسية، ولو محدودة، قد تؤمّنها تركيا.

ويسود الاعتقاد بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يفكر سوى في مصالح بلاده خلال الاتفاق مع دمشق، وأنه يمكن أن يجبر المعارضة السورية على القبول بصفقة قد تجعلها في مواجهة مباشرة مع نظام الأسد دون ضمانات ودون أيّ اتفاق تفصيلي بشأن إدماج المعارضة في المرحلة القادمة في سوريا، ودون معرفة ما إذا كانت عودتها ستتم ضمن مصالحة سورية – سورية أم سيتم التعامل معها وفق الخيار الأمني، ما يمكّن الأسد من فرصة كبيرة لتصفية خصومه.

وأما الخيار الثاني الأكثر تعقيدا فهو التعويل على فشل الحوار بين أنقرة ودمشق ووصوله إلى طريق مسدود بسبب عدم موافقة تركيا على مطالب النظام السوري (إنهاء الاحتلال التركي) التي تعني خروجها من سوريا خالية الوفاض، لكن هذا الخيار مستبعد في ظل حماسة أنقرة للتطبيع وترجيحات بتوسيع “اتفاقية أضنة” كاستجابة تركية جزئية للمطالب السورية.

وتنص الاتفاقية الموقعة في عام 1998 بين تركيا وسوريا على تعاون دمشق التام مع أنقرة في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء جميع أشكال الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني، وإخراج زعيمه عبدالله أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.

مسايرة الأجندات التركية تقضي على المعارضة والرفض يضعها أمام مسارات مجهولة

كما تضمن لتركيا الاحتفاظ بحقها في ممارسة الدفاع عن النفس وفي المطالبة بتعويض عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لحزب العمال الكردستاني. وكذلك نصت الاتفاقية على إعطاء أنقرة حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر.

ويشير مراقبون إلى أن توسيع حق ملاحقة تركيا لمن تعتبرهم إرهابيين من عمق 5 كلم كما تنص اتفاقية أضنة ليصبح 30 كلم قد يكون مخرجا للاستجابة لمطالب الأسد.

سيناريوهات التقارب

يتمثل أول سيناريوهات التقارب في التطبيع الكامل، حيث يفترض هذا السيناريو التوصل من خلال التقارب الحالي إلى تفاهمات يمكن أن تعمل على إعادة تطبيع العلاقة بين تركيا والنظام السوري كلياً.

ويدعم هذا السيناريو حاجة النظامين إلى التهدئة بعد سنوات من التصعيد المتبادل، وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية التي تتطلب الإقدام على المصالحة.

وأما السيناريو الثاني فيتوقع أن يقود التواصل التركي مع النظام السوري إلى تفاهمات محدودة على المدى المتوسط، مثل استجابة تركيا لبعض مطالب النظام من خلال تخفيف وإعادة انتشار قواتها في شمال سوريا.

ويدعم هذا السيناريو ثقل الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية المشتركة، والتي ستأخذ وقتاً أطول في تطبيع العلاقة كلياً، إلى جانب التخوف التركي من سحب قواتها من سوريا قبل ضمان أمن حدودها، ومن ثم فإن التدرج في التطبيع يبدو الخيار الأنسب. وأما السيناريو الثالث فيتوقع فشل المفاوضات في التوصل إلى تفاهمات حقيقية على المدى القريب.

ويدعم هذا السيناريو تباين وجهات النظر السياسية والأمنية بين النظام السوري وأنقرة وأيضا مراهنة النظام السوري على نتائج الانتخابات القادمة، وإمكانية أن تحدث تغييراً في المعادلة السياسية التركية.

أجندات متباينة

yy

تسعى تركيا لضمان أمنها القومي، وليس من مصلحتها استمرار تأزم الوضع السياسي والعسكري في الدول المجاورة، خصوصاً في هذه المرحلة التي تستعد فيها لمعركة انتخابية مفصلية، إضافة إلى استحالة الحسم العسكري في سوريا وتراجع فرص الحل السياسي، وذهاب الأطراف الدولية بعيداً عن خيارات الشعب السوري، وضعف فرص تنفيذ العملية العسكرية التي أعلنتها تركيا، ولهذا يظهر أن أنقرة تسعى لتقديم إنجاز سياسي مباشر في هذا الملف قد يخفف من ضغط المعارضة التركية.

كما ترى تركيا أن عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية استفادت من الفراغ الأمني وتسهيلات النظام السوري والمجتمع الدولي في إعادة ترتيب صفوفها، وهو ما تراه تركيا تهديداً لأمنها القومي، ومن ثم فإن التفاهم مع النظام السوري قد يُشكل بديلاً أمنياً في الشمال السوري قد تراه تركيا أقل خطورة من قوات سوريا الديمقراطية.

وفي المقابل يسعى النظام السوري لإكمال هيمنته على ما تبقى من سيطرة المعارضة لإغلاق ملف الثورة من وجهة نظره، كما يسعى لرفع الحظر الإقليمي والدولي عنه، وإعادته إلى جامعة الدول العربية، كما يتطلع إلى السيطرة على محافظة إدلب وكذلك السيطرة على الطريق التجاري الدولي (أم – 4)، والتخفيف من دعم تركيا للعقوبات الدولية ضد قيادات النظام السوري، وفتح قنوات تواصل بالمنظمات الإقليمية والدولية الكبرى.

 

• اقرأ أيضا:

          عندما يغصّ بشّار بالاحتلال التركي

6