أي خيارات للرد الأردني على التصعيد في فلسطين

يمثل التصعيد الإسرائيلي في القدس ضغوطا على صانع القرار السياسي الأردني الذي باشر حملة دبلوماسية لتهدئة التوتر الأمني في الضفة الغربية، إذ تراهن عمّان على دور مصري - أميركي فيها، إلا أن فشل الضغوط الدبلوماسية قد لا يترك للمملكة الهاشمية خيارات كثيرة سوى التأهب لانتفاضة فلسطينية ثالثة.
القدس - لم يكن حديث العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل بضعة أيام عن مخاوفه من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة خلال مقابلته مع شبكة “سي.إن.إن” الأميركية كلاما عابرا، بل هو “حدس سياسي” مدفوع بتجارب سابقة.
ويُدرك العاهل الأردني صعوبة الموقف في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يقودها رئيس وزراء أوصل علاقات البلدين في حقبة سابقة إلى طريق مسدود، ولكن ذلك لا يُجرّد المملكة من أوراقٍ ستضع حدّا لبنيامين نتنياهو وفريقه، وتفتح باب الخيارات لسيناريوهات غير متوقعة للتعامل مع تل أبيب.
وحاولت المملكة التي ترتبط مع إسرائيل باتفاقية سلام منذ عام 1994 أن تثبت حُسن نواياها من خلال عقد اتفاقيات الغاز والماء وغيرها، ولكن إجراءات إسرائيل والسماح بانتهاكات المسجد الأقصى الذي يقع تحت وصاية الأردن، بدّدت احتمالات تفاهمات تُحقق عمّان من خلالها الحفاظ على أدوارها داخل الأراضي الفلسطينية.
وفي حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية اقتحم إيتمار بن غفير زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف ووزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الثلاثاء الماضي باحات المسجد الأقصى لمدة ربع ساعة، ليزيد الموقف تعقيداً، وتُعلن عمّان على إثر ذلك استدعاء سفير تل أبيب لديها لنقل رسالة احتجاج لحكومته حول تلك الخطوة.
تعليقاً على ما ورد في حديث الملك عبدالله الثاني وما تبع ذلك من تطورات على الساحة الفلسطينية، أكد المحلل السياسي أحمد البرصان أن “الأمور بين الأردن وإسرائيل لن تصل إلى مستوى الحرب".
وذكر البرصان أن "علاقة عمّان مع واشنطن ستدفع بالأخيرة إلى الضغط حتى لا يكون هناك تصعيد، وخاصة مع إدراكها لحساسية مكانة المسجد الأقصى للعالمين العربي والإسلامي".
وفي إشارة إلى أحاديث سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن القدس والأقصى، قال البرصان “التصريح خارج السلطة يختلف عن داخلها، وتُدرك إسرائيل أهمية المملكة ولا تستطيع تحدّيها بأي حال من الأحوال، فأمنها يحتاج إلى الأردن".
ووصف البرصان تصريحات الملك عبدالله الثاني في مقابلته مع شبكة "سي.إن.إن" بأنها "جادة وسيكون رد الفعل قويا تجاه أي تصعيدات إسرائيلية"، بينما قال إن إسرائيل تعيش انقسامات داخلية، و"عادة ما تكون أحاديث مسؤوليها في إطار المزايدة السياسية".
وبرأي البرصان، فإن الموقفين الأميركي والشعبي الفلسطيني "سيحجمان دور حكومة نتنياهو، والتي أعتقد أنها لن تستمر طويلاً بسبب تناقضها مع بعضها".
ويضيف البرصان "أستبعد أي مواجهة إسرائيلية مع الأردن، وإذا صعدوا سيكونون في أكبر خطر إستراتيجي لأن الصراع لن يقتصر على المملكة وسيتحول إلى صراع ديني لارتباط المسجد الأقصى بالعرب والمسلمين".
وأوضح أن الأردن لديه العديد من أوراق الضغط، أولاها اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل (1994)، كما أن المملكة لديها نفوذ في الداخل الفلسطيني وتستطيع العمل على ذلك.
وأشار وليد العويمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة مؤتة الأردنية (حكومية) إلى أنه "لا شك أن وصول حكومة إسرائيلية متطرفة سياسياً ودينياً إلى السلطة يمثل خطراً وتحديّاً لصانع القرار السياسي الأردني".
واستدرك العويمر "لكن رغم التهديد والتشدد والوعيد من أعضاء هذه الحكومة وخاصة التيار الديني تجاه قضايا القدس واللاجئين وضم مناطق الضفة الغربية والوصاية الهاشمية، إلا أن الأردن يمتلك أوراق ضغطٍ عديدة يستطيع من خلالها تحقيق مصالحه ومصالح فلسطين".
وبحسب العويمر، فإن تلك الأوراق تتمثل في “الانتفاضة الفلسطينية الثالثة والتي بدأت تلوح في الأفق وتهدد بتفجير المنطقة بأكملها، وبالتالي تهديد المصالح الأميركية والأوروبية فيها". ورأى الأكاديمي الأردني أن "هذه الورقة يمكن أن تزعزع الأمن والاستقرار الإسرائيلي الداخلي".
ويضيف العويمر ورقة ضغط أخرى تتمثل في أن “الحكومة اليمينية الإسرائيلية تضم شخصيات دينية وسياسية متطرفة تتبنى خطاباً وأجندة مقلقين للداخل وللإدارة الأميركية والغرب والعالم العربي".
واعتبر أن "مضمون هذه الخطابات والأجندة مقلق للمجتمع العلماني في إسرائيل، كونها تريد تغيير الأنظمة التعليمية والقضائية ما يمثل خطراً على أسلوب حياة الإسرائيليين أنفسهم".
وأوضح العويمر أن السياسيين ودوائر الإعلام يمكن أن يستغلوا طبيعة الحكومة الإسرائيلية اليمينية في الترويج لخطورة ميولها المتطرفة على المصالح الأميركية والغربية والأمن الإقليمي العربي.
وفي سياق إمكانات الضغط المتاحة لمواجهة حكومة نتنياهو، شدد العويمر على ضرورة أن يضغط صانع القرار الأردني على الحكومتين الإسرائيلية والأميركية، بأن "أي انتقاص أو اعتداء على أدوار المملكة في ما يتعلق بالقدس وفلسطين يمثل تهديداً مباشراً للأمن الوطني الأردني".
وعبّر حسن الدعجة أستاذ الدراسات الإستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال (حكومية) عن اعتقاده بأن “تسمح الحكومة الأردنية للرأي العام بأن يتحرك بقوة، وقد يدفع ذلك المواطنين للتجمع والذهاب من عمّان وجميع المدن إلى الحدود مع فلسطين المحتلة".
ولفت الدعجة إلى أن ذلك السيناريو سيكون بمثابة “رسالة ضغط على الدول المؤثرة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لوقف الاستهتار من اليمين المتطرف اليهودي".
كما أشار إلى أن الأردن "سيتوجه إلى التنسيق مع الدول العربية وخاصة مع مصر، لممارسة الضغط على إسرائيل"، دون أن يستبعد حدوث "شد وجذب بين حكومتي عمّان وتل أبيب".
واعتبر الدعجة أن "ممارسات الحكومة الإسرائيلية ستؤدي إلى حدوث اضطرابات واسعة بالإقليم، ما يؤدي بالتالي إلى رحيلها سريعاً، وفي موعد لا يتجاوز عاماً واحداً بسبب ضغوطات داخلية ستتعرض لها من المعارضة".
وخلال حقبة نتنياهو السابقة ازدادت الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ما اعتبرته عمّان تعدّياً واضحاً على أدوارها. واحتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة للسلام التي وقعها مع إسرائيل في 1994.
وفي مارس 2013 وقع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.