أي خيارات أمام المحكمة العليا للتعامل مع بند "الحد من المعقولية"

الكنيست الإسرائيلي يصر على إنفاذ قانون "الحد من المعقولية" رغم الاحتجاجات الكبيرة التي تشهدها البلاد.
الخميس 2023/07/27
المحكمة العليا الإسرائيلية أمام أزمة مصيرية

القدس - بعد إصرار الكنيست الإسرائيلي على إنفاذ قانون “الحد من المعقولية” رغم الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها البلاد، تجد المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها أمام معضلة أساسية، إذ يتعين عليها النظر في التماسات ضد قانون أقره الكنيست يحد من صلاحياتها.

والقانون المسمى “الحد من المعقولية” يحد من صلاحيات المحكمة العليا بالنظر في قرارات تتخذها الحكومة بما في ذلك رئيس الوزراء ووزراء الحكومة.

والقانون هو واحد من 8 مشاريع قوانين تطرحها الحكومة للحد من صلاحيات المحكمة العليا في مراقبة السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ولعل البند الأشد وطأة فيه هو “فقرة التغلب” التي تحد من صلاحيات المحكمة طبقا للقرارات التي يسنها الكنيست الإسرائيلي، وهي على جدول أعمال الحكومة.

وقد تقبل المحكمة النظر في الالتماسات التي بدأت تنهال عليها ضد “الحد من المعقولية”، فتجد نفسها في مواجهة مشروع قانون “فقرة التغلب”.

وكانت الحركة من أجل جودة الحكم (غير حكومية) أعلنت الاثنين، تقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد قانون إلغاء حجة المعقولية.

أليسون كابلان سومر: الأمل الوحيد لإلغاء التشريع يأتي في شكل التماس للمحكمة العليا
أليسون كابلان سومر: الأمل الوحيد لإلغاء التشريع يأتي في شكل التماس للمحكمة العليا

وقالت في تصريح مكتوب إن “تعديل القانون غير دستوري، لأنه يغير بشكل جذري البنية الأساسية للديمقراطية البرلمانية الإسرائيلية وطبيعة النظام، بينما يلغي بحكم الأمر الواقع القضاء ويضر بمسألة فصل السلطات ونظام التوازنات في إسرائيل”.

وأضافت “معنى التعديل بالنسبة إلينا إعطاء سلطة غير محدودة للسلطة التنفيذية، وهي إساءة استخدام للسلطة التأسيسية”، وتابعت “سنواصل القتال ولن نستسلم أبدا”.

كما أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد في تغريدة على تويتر الاثنين، أن المعارضة ستتقدم بالتماس إلى المحكمة العليا ضد القانون الجديد. فهل تستطيع المحكمة العليا إلغاء القانون؟

مع إقرار الكنيست الإسرائيلي قانون “الحد من المعقولية” برزت تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان المحكمة العليا إلغاء القانون أم لا.

ويقول المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (غير حكومي) “هو تعديل ذو أبعاد هائلة يزيل المكابح التي تحمي من السلطة المطلقة للحكومة، ويُلحق الضرر بالقيم الأساسية للديمقراطية الإسرائيلية، وبالتالي لدى المحكمة العليا جميع الأدوات اللازمة لإلغائه”.

وقالت البرفيسور سوزي نافوت المحاضرة بالقانون الدستوري في مقال نشره المعهد “إن إلغاء سبب المعقولية يضر بشدة بالقيم الأساسية للديمقراطية وصحة تصرفات الإدارة ونقاء الأخلاق وواجبات الحكومة تجاه المواطنين وسيادة القانون”.

وأضافت “يمنح التعديل الحكومة الضوء الأخضر لاتخاذ قرارات تعسفية وسلطة غير محدودة في تعيينات وإقالات المسؤولين على سبيل المثال”.

وتابعت نافوت “ستكون الحكومة بفعل ذلك قادرة على اتخاذ قرارات متطرفة وفاسدة، وتعيين مسؤولين من طرفها في أعلى المناصب التي تريدها”.

واعتبرت أن “لدى المحكمة العليا كل الأدوات اللازمة لإلغاء هذا التعديل”.

وأضافت “سلطة الكنيست هي لسن قوانين أساسية لكنها محدودة، وفي الديمقراطية لا توجد سلطة غير محدودة”. وقالت “يمكن للمحكمة العليا أن تتدخل وتبطل قانونا أساسيا”.

أما الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية عمير فوكس فقد اعتبر في مقال نشره المعهد أن “الكرة في ملعب المحكمة العليا”.

وقال “يمكن للقانون الذي تمت الموافقة عليه أن يطيح بسيادة القانون في إسرائيل بسهولة، وأن يلغي الحاجة إلى قانون أمين المظالم”.

واعتبر أن القانون الجديد “يدوس على ثلاثة مبادئ أساسية لجوهر الهوية الديمقراطية لدولة إسرائيل”.

وأوضح “أولا، إنه يضر بشكل خطير بالفصل بين السلطات، بمعنى وجود ضوابط وتوازنات على سلطة الحكومة”.

وأضاف “ثانيا، يمكن لهذا القانون أن يطيح بسيادة القانون في إسرائيل، لأن سيادة القانون لا تتعلق فقط بفرض القانون على المواطنين، بل على الحكومة أيضا”.

وتابع “ثالثا، سيادة القانون ومحاربة الفساد أمر ملزم للجميع وستكون الحكومة فوق القانون”.

وأشار فوكس إلى أن “مزيجا من هذه الأسباب الثلاثة، حتى من دون مناقشة الإجراء الفاضح الذي تم فيه تمرير التعديل، يحدد الظروف القصوى التي يُفترض أن تكون فيها المحكمة العليا هي الوصي الدستوري لدولة إسرائيل”.

وقال “حان الوقت لكي تقوم المحكمة العليا بدورها وتذكر الحكومة بأنها لا تملك ما يخولها فعل ما يحلو لها لمجرد فوزها في الانتخابات، وليست لديها سلطة مطلقة”.

الخطر مازال قائم
الخطر مازال قائم

غير أن المحللة القانونية في صحيفة “هآرتس” العبرية أليسون كابلان سومر اعتبرت في مقال تحليلي أن “القانون الجديد ليس حتميا، ولكن الطريق أمام معارضيه غير مؤكد”.

وقالت “أحد السبل لعكس خطوة الكنيست واضح: بعد الانتخابات العامة التالية، يمكن للكنيست في المستقبل تغيير القانون بأغلبية بسيطة”.

واستدركت “طالما أن الائتلاف الحاكم الحالي بزعامة بنيامين نتنياهو قوي، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك في المستقبل القريب، ولن يكون موعد الانتخابات القادمة حتى عام 2026”.

وأكدت “الأمل الوحيد لإلغاء التشريع يأتي في شكل التماس للمحكمة العليا، يطلب منها أن تحكم بأن القانون الجديد يتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد، وبالتالي استبعاده”.

وأضافت “القوانين الأساسية الإسرائيلية هي في الأساس مسودة عمل لدستور مستقبلي، وبالتالي فإن المحكمة العليا الإسرائيلية تمتلك حاليا صلاحية استبعاد التشريعات التي ترى أنها غير مناسبة”.

ولفتت إلى أنه “حتى الآن، لم تقم المحكمة العليا مطلقا بإبطال أي قانون، وبالتالي فإن إلغاء التشريع الذي تم إقراره الاثنين سيكون خطوة غير مسبوقة”.

وقالت “يشير خبراء القانون الدستوري إلى وجود حجج قانونية لإصدار مثل هذا الحكم، ففي السنوات الأخيرة وضعت المحكمة العليا معايير يمكن استخدامها في حالات استثنائية لإلغاء قانون أساس”.

وأضافت “المعيار الأول موجود، فإذا قررت المحكمة العليا أن الكنيست قد أساء استخدام سلطته من خلال سن قانون، يتم تعريفه على أنه قانون أساس ولكنه يمثل إجراء غير دستوري”.

وتابعت “أما المعيار الثاني فهو تمرير ما يعرف باسم تعديل دستوري غير دستوري”.

وأشارت سومر إلى أنه “باستخدام هذه المعايير، يمكن لمقدمي الالتماس ضد إلغاء شرط المعقولية أن يجادلوا بأن القانون المعدل ينتهك مبدأ فصل السلطات، مما يتعارض مع الديمقراطية الإسرائيلية وبالتالي فهو غير دستوري”.

6