أي حسابات لرد حزب الله وإيران على إسرائيل

طهران تتجنب المواجهة المفتوحة من خلال الردع غير المؤذي.
الجمعة 2024/09/27
تجنب حافة الهاوية هدف إستراتيجي

يبدو ردّ حزب الله على التصعيد الإسرائيلي في لبنان منضبطا وضمن إستراتيجية الردع وتجنب المواجهة المفتوحة وهو ما يتماشى مع مصلحة إيران الأوسع نطاقا. ويسعى حزب الله إلى الموازنة بين الرد على تل أبيب ومشاعر قاعدته الشعبية.

بيروت - في أعقاب سلسلة من الهجمات ضد حزب الله المدعوم من إيران الأسبوع الماضي والتي دمرت هيكل القيادة والسيطرة للجماعة المسلحة اللبنانية، وهي العملية التي يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل نفذتها، تبادل الطرفان المعاديان بعضا من أشد النيران منذ السابع من أكتوبر. ومع اشتعال التوترات في الثاني والعشرين من سبتمبر، ضرب حزب الله عميقا في إسرائيل، وأطلق طائرات بدون طيار وصواريخ وقذائف انتقامية على قاعدة رامات ديفيد الجوية كجزء من “معركة الحساب المفتوحة”.

وترى باتريسيا كرم، وهي باحثة غير مقيمة في برنامج لبنان في معهد الشرق الأوسط، في تقرير نشره المعهد، أنه بينما تم اعتراض معظم هذه الذخائر، تستعد المنطقة لحرب شاملة ذات عواقب مدمرة محتملة على لبنان. وبينما يرفع الجانب الإسرائيلي الرهان بحملة جوية متوسعة، لا يُظهر حزب الله أي علامات على التراجع، وتكثر التكهنات حول كيفية تطور الوضع وخاصة كيف سترد إيران.

وكانت الهجمات القاتلة التي شنتها إسرائيل على حزب الله باستخدام أجهزة النداء والراديو، والتي أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف من عناصره، بمثابة إشارة إلى مرحلة جديدة في تبادل إطلاق النار المكثف عبر الحدود بين الحزب وإسرائيل.

باتريسيا كرم: المنطقة تستعد لحرب شاملة ذات عواقب مدمرة محتملة على لبنان
باتريسيا كرم: المنطقة تستعد لحرب شاملة ذات عواقب مدمرة محتملة على لبنان

وفي الأسابيع الأخيرة، كان الجيش الإسرائيلي يحرك قواته النخبوية إلى الشمال، في حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزيد من حدة خطابه؛ ففي يوم الأحد، تعهد باتخاذ “أي إجراء ضروري” للقضاء على التهديد الذي تشكله صواريخ حزب الله وقصف المدفعية، بهدف استعادة الهدوء في نهاية المطاف على طول الحدود مع لبنان وتمكين الإسرائيليين من العودة إلى منازلهم المهجورة في شمال إسرائيل.

وأدلى وزير الدفاع يوآف غالانت بتصريحات مماثلة قبل أيام هدد فيها بملاحقة الأعداء “حتى في الضاحية”، إحدى ضواحي بيروت. وعلى الرغم من إضعاف حزب الله بسبب العمليات الخاصة والضربات الجوية التي استهدفت أعضاءه وكبار قادته، فقد تعهد الحزب بدوره بمواصلة الضربات على إسرائيل حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

وقد أثار هذا مخاوف من أن الولايات المتحدة (أقرب حليف لإسرائيل) وإيران (راعية حزب الله) قد تنجران إلى حرب إقليمية. ولكن في إيران، هناك شهية أقل لحرب إقليمية تضعها مباشرة في مواجهة إسرائيل. وحتى الآن، سعت طهران إلى حد كبير إلى تجنب مثل هذه المواجهة المفتوحة من خلال لعب لعبة الردع مع الجانب الإسرائيلي.

وحتى هجومها على إسرائيل في أبريل كان استعراضيا حيث تم التخطيط له بعناية شديدة لإحداث أقل قدر ممكن من الضرر. وكان حزب الله هو المحور الرئيسي لهذه الإستراتيجية، التي اعتمدت على الحرب غير المتكافئة ضد إسرائيل، مما سمح لإيران بالانخراط في المعركة مع الحفاظ على إنكار معقول.

ولكن بالنظر إلى مخاطر التصعيد الأوسع الذي تفرضه المرحلة الأخيرة من الضربات الإسرائيلية القاتلة على حزب الله، فمن المرجح أن ترغب إيران في إبقاء الأمور “تحت السيطرة”، لذلك من غير المرجح أن يكون أي إجراء انتقامي يتخذه وكيلها اللبناني أي شيء آخر غير رمزي. ما يطرح تساؤلات: هل يكون رد حزب الله وإيران تكتيكيا أم إستراتيجيا؟

إن الرد التكتيكي لا بد وأن يكون مقيدا بالقدر الكافي حتى لا يدفع إسرائيل نحو الانخراط في حرب لا يمكن السيطرة عليها في لبنان. وتحسب إيران أن التصعيد الحاد والتداعيات الناجمة عن الصراع في غزة قد يؤثران سلبا على الحملة الرئاسية لنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ويساهمان في فوز دونالد ترامب، الذي قد تختار إدارته التركيز على تدمير القدرات النووية الإيرانية.

خط التفكير الحالي في إيران يتلخص في الرغبة في تأخير المواجهة واختيار رد محدود وهنا تتوافق مصالحها مع مصالح حزب الله.
◙ خط التفكير الحالي في إيران يتلخص في الرغبة في تأخير المواجهة واختيار رد محدود وهنا تتوافق مصالحها مع مصالح حزب الله.

ومن ناحية أخرى، فإن الرد الإستراتيجي لا بد وأن يتخذ شكل تصلب ملحوظ في مواقف طهران في مجال السياسة الخارجية، وخاصة السعي العلني إلى امتلاك الأسلحة النووية، في عكس التأكيد المتكرر من قبل كبار المسؤولين الإيرانيين بأن البلاد لا تسعى إلى امتلاك أسلحة محظورة بموجب فتوى دينية.

ولكن يبدو أن خط التفكير الحالي في إيران يتلخص في الرغبة في تأخير المواجهة واختيار رد محدود، وهنا تتوافق مصالح طهران مع مصالح حزب الله. وعلى الرغم من تهديدات زعيم حزب الله حسن نصرالله بالانتقام والعقاب على انفجارات أجهزة النداء/الراديو ثنائية الاتجاه والغارات الجوية اللاحقة التي استهدفت كبار قادة حزب الله إبراهيم عقيل وعلي كركي، فإن الحزب حريص على نحو مماثل على تجنب الحرب مع إسرائيل.

وكانت الهجمات بمثابة ضربة قوية لصورة حزب الله، وشعوره بالأمن الداخلي، واستعداده للحرب. كما أظهرت أنه لا يستطيع التنافس مع قدرات إسرائيل ونطاقها.

ولكن حزب الله في مأزق. فمن ناحية، أصبحت مصداقيته على المحك وقاعدته غاضبة، لذا فسوف يحتاج إلى تنفيذ رد حاسم. ومن ناحية أخرى، ونظرا لخسائره الأخيرة ونواقص ترسانته العسكرية، فمن المرجح أن يفضل استجابة محكومة تستقر في الموقف بما يكفي لتكون قادرة على العودة إلى الحرب منخفضة المستوى التي تُدار ضمن معايير دقيقة.

وفي الوقت نفسه، في هذه المرحلة الجديدة من الحرب حيث تتجه إسرائيل نحو حل عسكري عدواني، سوف يرغب حزب الله في تأخير إحدى النتائج المحتملة للمواجهة الحالية لأطول فترة ممكنة: التدمير الكامل للجماعة المسلحة. وفي حين أن أهدافه واعتباراته تتفق الآن مع إيران، فإن قيادة حزب الله تواجه دعوات متزايدة للرد على الهجوم الإسرائيلي بما يثبت قدرته على إلحاق الأذى بإسرائيل. وتحتاج الجماعة إلى إظهار القوة، كما فعلت خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما هاجمت حيفا، ولكن جماهيرها تطالب بإراقة الدماء.

ولكن من غير المرجح أن يصعّد حزب الله وأنصاره من دائرة العنف السائدة ما لم تشن إسرائيل هجوما آخر يتسبب في إراقة دماء واسعة النطاق. وحتى ذلك الحين، فمن المفترض أن يتمكن حزب الله من التعامل مع الموقف الحالي مع التركيز على تهدئة مشاعر قاعدته.

6