أي تداعيات لحظر إسرائيل للأونروا

الفشل في إنشاء بدائل متفق عليها يعزز سيطرة حماس على توزيع المساعدات.
الخميس 2025/01/30
الحظر قد يأتي بنتائج عكسية

بات عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في القدس مهددين بفقدان خدمات التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مع دخول قرار الحكومة الإسرائيلية بحظر أنشطة الوكالة حيز التنفيذ اليوم الخميس.

واشنطن - في خضم التركيز على إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة، يتم تجاهل معلم آخر بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ يمثل الثلاثين من يناير الموعد النهائي لتنفيذ قانونين إسرائيليين صدرا في الثامن والعشرين من أكتوبر يحظران أيّ اتصال حكومي مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مما يمثل نهاية العلاقات الإسرائيلية الرسمية مع منظمة اللاجئين التي تأسست بعد حرب عام 1948.

ويحظر القانون الأول الأونروا من القيام بأيّ نشاط داخل الأراضي الإسرائيلية والقدس الشرقية؛ ويحظر القانون الثاني على السلطات الإسرائيلية إجراء أيّ اتصال مع الأونروا أو الكيانات التي تعمل نيابة عنها في الضفة الغربية وغزة. وينبع القرار القانوني من المظالم الإسرائيلية القديمة ضد الوكالة. ويعتقد الكثيرون أن الأونروا ــ المكلفة بتوفير الخدمات التعليمية والصحية للاجئين الفلسطينيين ــ لا تسعى إلى حل قضايا اللاجئين، بل لديها بدلاً من ذلك مصلحة مؤسسية في إدامة هذه القضايا.

وبعد السابع من أكتوبر، انفجرت هذه المظالم عندما تم الكشف عن تورط تسعة على الأقل من موظفي الأونروا في هجوم حماس في 7 أكتوبر. وبالإضافة إلى ذلك، وجدت إسرائيل أعضاء حماس يعملون كمديرين ومعلمين في مدارس الأونروا، والبنية التحتية والأسلحة التابعة لحماس في أقبية هذه المدارس، ومراكز بيانات حماس في الأنفاق تحت مقر الوكالة في غزة.

وطردت الأونروا الموظفين المتورطين في هجوم السابع من أكتوبر وادعت جهلها بأن حماس كانت تستخدم مرافقها، لكن إسرائيل رفضت هذه النفي. ومنذ ذلك الحين، ظهرت تقارير تفيد بأن ثلاثة من الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم حديثاً كانوا محتجزين في أحد مخيمات اللاجئين التابعة للوكالة خلال جزء من أسرهم.

ويرى ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع كوريت للعلاقات العربية – الإسرائيلية في تقرير نشره معهد واشنطن أن كل هذه العوامل لم تعمل إلا على تعزيز الدعم السياسي الإسرائيلي واسع النطاق وراء القوانين الجديدة. وفي أول يوم له في منصبه، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أمر تنفيذي يقضي بتجميد جميع تمويلات المساعدات الخارجية الأميركية لمدة تسعين يومًا، بما في ذلك تمويل الأونروا. كما تم قطع المساعدات المقدمة للوكالة خلال إدارة ترامب الأولى.

وصرحت إليز ستيفانيك، السفيرة الأميركية الجديدة لدى الأمم المتحدة، “لا ينبغي لنا أبدًا أن نتسامح مع أيّ أموال من دافعي الضرائب الأميركيين تذهب إلى الإرهاب،” مشيرة إلى أن المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة يمكن أن تملأ الفراغ و”ليس لها روابط بالإرهاب.”

حافة الهاوية

ديفيد ماكوفسكي: كل هذه العوامل لم تعمل إلا على تعزيز الدعم السياسي الإسرائيلي واسع النطاق وراء القوانين الجديدة
ديفيد ماكوفسكي: كل هذه العوامل لم تعمل إلا على تعزيز الدعم السياسي الإسرائيلي واسع النطاق وراء القوانين الجديدة

في الأسابيع التي تلت إقرار القوانين الجديدة، رفضت الأمم المتحدة وإسرائيل مناقشة أيّ مخرج من المأزق أو تأجيل الموعد النهائي إلى أن يتم الاتفاق على بدائل لخدمات الأونروا. ويخشى المسؤولون الإسرائيليون أن يؤدي تأخير القانون الثاني إلى إرساء سابقة يستخدمها المجتمع الدولي لتجنب اتخاذ قرار بشأن من ينبغي أن يتولى مسؤوليات الوكالة.

من جانبها، تخشى السلطة الفلسطينية أن يؤدي الاستيلاء على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية إلى تقويض المطالبات الفلسطينية في ما يتصل بقضية اللاجئين وخلق ردود فعل عنيفة داخل البلاد ضد قادة السلطة الفلسطينية، وخاصة داخل المخيمات المضطربة بالفعل.

وقال المسؤولون الإسرائيليون في أحاديث خاصة إنه إذا لم تنجح الأمم المتحدة في إيجاد بديل للأونروا في الضفة الغربية، فإن خدمات الوكالة هناك ينبغي أن تخضع تلقائيا لسلطة السلطة الفلسطينية. وهم يعتقدون أيضا أن توزيع الغذاء يمكن أن يدار من قبل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي يتعامل بالفعل مع جزء كبير من مساعدات الغذاء المقدمة إلى غزة (رغم أنه لم يعمل في مدارس الأونروا في المخيمات، حيث لجأ الآلاف من سكان غزة أثناء الحرب).

ولكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أصدر تعليماته لوكالاته بعدم الانخراط في أيّ تخطيط طارئ يتعلق بالموعد النهائي الذي حددته إسرائيل، بحجة أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يعني قبول سياسات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وفي 29 أكتوبر، صرح قائلا “الأونروا هي الوسيلة الرئيسية التي يتم من خلالها تقديم المساعدات الأساسية للاجئين الفلسطينيين.. وليس هناك بديل للأونروا”. ويبدو التأثير المحتمل للقانون الأول أقل اتساعاً من القانون الثاني لأن الأونروا تلعب دوراً أصغر في القدس الشرقية مقارنة بالضفة الغربية وغزة.

وتتركز أنشطتها في القدس الشرقية في مخيم شعفاط للاجئين، حيث تقدم خدماتها لنحو 16 ألف نسمة. وقد أشارت الهيئة الإدارية المحلية الإسرائيلية، بلدية القدس، إلى أنها ستعمل على إيجاد بدائل تعليمية للمدارس القليلة التابعة للأونروا الواقعة في الجزء الشرقي من المدينة.

والعواقب المترتبة على القانون الثاني أكثر خطورة لأن الأونروا هي المزود الإنساني الرائد للشعب الفلسطيني. ففي الضفة الغربية، تدير الأونروا تسعة عشر مخيماً للاجئين، وتوظف نحو 3700 عامل، وتوفر الضمان الاجتماعي وغير ذلك من المدفوعات لأكثر من 150 ألف نسمة، وتدير مستشفى واحداً، وثلاثة وأربعين عيادة، وستة وتسعين مدرسة (تخدم نحو 47 ألف طفل).

ويبدو أن الإسرائيليين يتوقعون من مسؤولي السلطة الفلسطينية أن يتحملوا المسؤولية عن هذه الخدمات في الضفة الغربية. ولكن في غياب الدعم والتعاون الخارجي، فإن الفساد العميق الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية، وافتقارها إلى الشرعية المحلية، ونطاقها الإداري المحدود، وعدم قدرتها على فرض سيطرتها على مخيمات اللاجئين، أمور من شأنها أن تقوض قدرتها على ملء الفراغ الذي خلفته الأونروا.

وفي غزة، تعمل الأونروا وكأنها دولة بحكم الأمر الواقع أكثر من كونها وكالة تابعة للأمم المتحدة. فقبل الحرب، كانت الوكالة هي المزود الرئيسي للخدمات التعليمية والصحية، حيث خدمت أكثر من مليون نسمة في مخيماتها الثمانية للاجئين. كما كانت الوكالة العمود الفقري لتوزيع الغذاء على العديد من الفلسطينيين في ملاجئ الأمم المتحدة.

وقد زعم البعض أن إعادة الإعمار الشاملة اللازمة في غزة بعد الحرب سوف تحد من دور الأونروا مع أو دون القوانين الإسرائيلية الجديدة. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى أيّ تفاهم حتى الآن بشأن ما إذا كانت المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار سوف تحدث، أو كيف سيبدو هيكل الحكم في غزة في اليوم التالي، أو كيف سيتم تنفيذ إعادة الإعمار.

◙ إسرائيل تركز على استخدام المواجهة مع الأونروا لإعادة تشكيل إدارة الأراضي الفلسطينية والمساعدات في أعقاب السابع من أكتوبر
◙ إسرائيل تركز على استخدام المواجهة مع الأونروا لإعادة تشكيل إدارة الأراضي الفلسطينية والمساعدات في أعقاب السابع من أكتوبر

وعلاوة على ذلك، فإن الفشل في إنشاء بدائل متفق عليها للأونروا في الأمد القريب قد ينتهي به الأمر إلى تعزيز سيطرة حماس على توزيع المساعدات. وفي نهاية المطاف، قد تضطر قوات الدفاع الإسرائيلية إلى تحمّل هذه المهمة وغيرها من المسؤوليات الملحة التي تقع على عاتق الأونروا، الأمر الذي من شأنه أن يخلق ضغوطاً لوجستية وأمنية واقتصادية. ولن يعالج هذا الخيار المهام الرئيسية، مثل التعليم، والتي لا تستطيع إسرائيل توفيرها في غزة.

وحتى إذا لم تغلق إسرائيل مدارس الأونروا أو خدماتها الصحية في غزة، فإن مسؤولين في الأمم المتحدة يقولون إن حظر الاتصال بإسرائيل من شأنه أن يمنع الوكالة من العمل.

وبالإضافة إلى ذلك، يرى العديد من الفلسطينيين أن الأونروا أكثر من مجرد مزود للخدمات الأساسية. وإن تفويضها مهم سياسياً بالنسبة إليهم لأنه يكرس ما يعتبرونه “حق العودة” إلى إسرائيل ما قبل عام 1967. ومن شأن تقويض هذه الأهمية الرمزية أن يؤدي إلى تكثيف المظالم السياسية الفلسطينية وتصعيد الوضع الأمني الهش بالفعل على الأرض.

التداعيات السياسية

يبدو أن إسرائيل وإدارة ترامب أكثر تركيزًا على الهدف الأبعد أمدًا المتمثل في استخدام المواجهة مع الأونروا لإعادة تشكيل إدارة الأراضي الفلسطينية والمساعدات في أعقاب السابع من أكتوبر. وفي نظرهم، فإن السلام الدائم غير قابل للتحقيق طالما استمرت قضية اللاجئين الفلسطينيين في تعطيل اتفاقيات السلام المقترحة، لذا فإن الجهود المبذولة لإعادة بناء غزة يجب أن تتجاوز مخيمات اللاجئين المستمرة ونموذج “حق العودة” المتجذر في العداء تجاه وجود إسرائيل.

ومع ذلك، وبغض النظر عن أهدافهم المستقبلية، يحتاج المسؤولون الأميركيون إلى العمل مع الأمم المتحدة في الأمد القريب لتطوير بديل قابل للتطبيق للأونروا والحفاظ على الخدمات الحيوية التي تقدمها. وعلى الرغم من أن الوكالات الإنسانية غير الحكومية قد توفر بديلاً مفيدًا قصير الأجل للأونروا، إلا أنه لا ينبغي النظر إليها إلا كحل مؤقت حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تحمل المسؤولية الكاملة.

وسيكون لتطبيق القوانين الإسرائيلية الجديدة عواقب بعيدة المدى على الوضع الإنساني في غزة والضفة الغربية، ومعالجة هذه الأزمة المتصاعدة تتطلب التعاون بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية لإنشاء آلية تملأ الفراغ الذي خلفته الأونروا.

وإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تأملان في استقرار الوضع المتقلب، فسوف تحتاجان إلى موازنة مخاوفهما الأمنية مع الاحتياجات الإنسانية الحقيقية للمنطقة، وهو التوازن الذي تعرّض للخطر بسبب الافتقار إلى التركيز على أسئلة رئيسية مثل من سيحكم غزة بعد الحرب؟ وما إذا كانت مؤسسة أقل إثارة للجدل قادرة على التخفيف من الاضطرابات المحتملة الناجمة عن غياب الأونروا؟

6