أي تأثير للانفتاح الأميركي على هيئة تحرير الشام

لا تمكين للسلطات الانتقالية دون رفع العقوبات الغربية عن سوريا.
الاثنين 2024/12/23
بانتظار تحقيق الوعود

يعكس إلغاء الولايات المتحدة مكافأة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى اعتقال رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني) رغبة في انخراط أميركي أكبر في العملية الانتقالية السورية. إلا أن مدى التزام الهيئة بوعودها سيشكل مستقبل البلد الذي يحتاج دعما غربيا كبيرا لتجاوز أزماته المتعددة.

واشنطن – يرى محللون أن نتائج زيارة الوفد الأميركي إلى سوريا مؤخرا بشأن القضايا السياسية والأمنية الرئيسية سيكون لها تأثير كبير على مستقبل تواصل الولايات المتحدة مع القادة الجدد في سوريا، بما في ذلك قرار رفع العقوبات أو الإبقاء عليها.

وللمرة الأولى منذ أكتوبر 2011، عندما تم سحب السفير الأميركي روبرت فورد من سوريا بسبب مخاوف أميركية من قمع نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد للمتظاهرين، تعود واشنطن إلى دمشق؛ وهذه المرة للتواصل مع الحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة جماعة المتمردين، هيئة تحرير الشام.

وفي العشرين من ديسمبر الجاري التقى مسؤولون أميركيون زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع في دمشق. ويضم الوفد باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، وروجر كارستنز، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون الرهائن، ودانيال روبنشتاين.

وتأتي زيارتهم في أعقاب إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن زيادة قواتها العسكرية في سوريا من 900 إلى 2000 جندي، ما يعكس المخاوف من احتمال استغلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للوضع الجديد. وتأتي زيارة الوفد في وقت حاسم من عملية الانتقال في سوريا، والتي من المقرر أن تستمر رسمياً حتى 1 مارس.

وتشير مصادر سورية محلية إلى أن المرحلة الثانية من العملية الانتقالية ستبدأ خلال الأيام المقبلة، حيث من المفترض أن تقوم هيئة تحرير الشام بفتح العملية أمام ممثلين أكثر تنوعاً من جميع أطياف المجتمع السوري، وليس فقط للموالين لها الذين أشرفوا على المرحلة الأولى. وبالتالي سيصبح الكثير على المحك بالنسبة إلى الجهود الأوسع نطاقاً لواشنطن بهدف إعادة تطوير سياستها تجاه سوريا.

التحولات السياسية

pp

رغم سقوط نظام بشار الأسد يبقى مصير العقوبات الأميركية والغربية على سوريا مرهوناً بالتحولات السياسية والإصلاحات المستقبلية، وسط تحديات إعادة الإعمار والثقة الدولية.

وعلى الرغم من أن واشنطن وحلفاءها فرضوا العديد من الشروط على هيئة تحرير الشام، إلا أن الإدارة الانتقالية في سوريا اكتسبت شرعية دولية كبيرة خلال فترة قصيرة جداً، جزئياً من خلال اجتماعات مع مسؤولين من العراق والبحرين وعُمان ومصر والأردن والسعودية وإيطاليا وتركيا وقطر والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وحدث هذا التفاعل بسرعة وعلى نطاق أوسع بكثير مما حدث مع حركة طالبان في أفغانستان، وهي جماعة إرهابية أخرى تمكنت من السيطرة فجأة على دولة بأكملها.

وركز أحد أهداف هيئة تحرير الشام للمرحلة الأولى على التواصل مع الأمم المتحدة والمسؤولين الغربيين والدول العربية وتركيا لضمان دعمهم الأولي لعملية انتقالية بقيادة سورية. كما سارعت الجماعة إلى تعزيز سيطرتها على المؤسسات الحكومية والشروع في تنفيذ هيكلها الإداري في معظم أنحاء البلاد.

وقد بدأت عملية واسعة النطاق لتقصي الحقائق داخل وزارات النظام السابق ومديرياته ومكاتبه والنقابات المهنية واتحادات العمال، وما إلى ذلك. والهدف المعلن لهذه العملية هو تحديد ما يجب الاستغناء عنه، ومن تجب إقالته، وما الذي يمكن أن تفعله القيادة الجديدة لتحويل نظام الامتيازات الفاسد للنظام السابق إلى نظام أكثر استحقاقاً، على غرار دولة حكومة الإنقاذ التي أنشأتها هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب قبل سقوط الأسد. كما أعلنت الجماعة عن تعيين محافظين جدد لكل المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.

مصير العقوبات مرهون بالتحولات السياسية والإصلاحات المستقبلية، وسط تحديات إعادة الإعمار والثقة الدولية

ووفقاً لـهيئة تحرير الشام تم الانتهاء من الاستعدادات لإطلاق حوار وطني شامل خلال الأيام المقبلة. ومن المفترض أن يشمل الاجتماع الأول في هذا الحوار جميع الهيئات والمجتمعات والطوائف السورية، بدءاً من ممثلي الجماعات السياسية وصولا إلى شخصيات المجتمع المدني والأكاديميين والعلماء والمستقلين، وستحضر الفصائل العسكرية المتمردة أيضا.

وستختبر المرحلة الثانية مدى استعداد هيئة تحرير الشام لمشاركة سلطتها المكتسبة حديثاً مع شريحة أوسع من المجتمع. وقد كانت المرحلة الأولى إلى حد كبير بمثابة شهر عسل. وهو أمر مفهوم بالنظر إلى الدور القيادي الذي لعبته الجماعة في الإطاحة بالأسد.

ويرى الباحث هارون واي. زيلين في تقرير نشره معهد واشنطن أن توقع حصول هيئة تحرير الشام على جميع الإجابات على الفور أمر غير واقعي. ويضيف زيلين أنه مع ذلك سيجبر الحوار الوطني والمناقشات المتعلقة بالمرحلة الثالثة من العملية الانتقالية قادة هيئة تحرير الشام على الكشف عن نواياهم بوضوح، ما يمنح رؤية أفضل لمعرفة ما إذا كانوا سيلتزمون بالتصريحات الأخيرة بشأن الشمولية أم سيطبقون نموذج الحكم الذي أنشأوه في إدلب، حيث احتكرت هيئة تحرير الشام السلطة إلى حد كبير من خلال نظام نخبوي يهيمن عليه الذكور.

وقد شهدت المرحلة الأولى استمرار هذا التوجه الاحتكاري. أما كيفية تعامل هيئة تحرير الشام مع المرحلة الثانية، فستحدد ما إذا كانت الهيئة ستضع أسس انتقال ناجح أم ستثير ردود فعل محلية عنيفة.

وفي الوقت نفسه يناقش أعضاء الكونغرس الأميركي بشكل متزايد سبل تخفيف العقوبات المختلفة المفروضة على سوريا والمتعلقة بالنظام السابق. ومع ذلك، إذا استمرت هيئة تحرير الشام في احتكار السلطة كما فعلت في إدلب -على سبيل المثال من خلال استخدامها قائمة محددة مسبقاً لتقييد من يشارك في عملية الحوار الوطني الوشيك- فمن المرجح أن يعتبر المشرعون الأميركيون ذلك إشارة سلبية وسيبقون العقوبات سارية في الوقت الحالي.

ويرى محللون أنه مع تغير النظام ستواجه الدولة السورية الجديدة تحديات جمة في مسار رفع العقوبات، وقد يمتد هذا المسار لسنوات، كما حدث في حالات دول أخرى مثل العراق والسودان وليبيا، حيث ظلت العقوبات مفروضة لفترات طويلة بعد التغيير السياسي.

تحديات

pp

رغم أن انهيار حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا كان سريعا بشكل صادم، فإن إعادة بناء الاقتصاد المدمر الذي خلفه سيكون بطيئا بشكل مؤلم. وبعد ما يقرب من 14 عاما من الحرب الأهلية الوحشية والقمع السياسي، أصبحت معظم آبار النفط والغاز والطرق وشبكات الكهرباء والأراضي الزراعية والبنية الأساسية في سوريا في حالة خراب. ويعيش تسعون في المئة من السكان في حالة فقر. وانخفضت قيمة الليرة السورية، واحتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية -اللازمة لشراء الضروريات مثل الغذاء والوقود وقطع الغيار- مستنفدة تقريبا.

وقبل الحرب كان النفط يشكل ثلثي صادرات سوريا، وكانت الزراعة تشكل ما يقرب من ربع النشاط الاقتصادي. وفي الآونة الأخيرة كان أكثر صادرات سوريا ربحية هو الكبتاغون، وهو أمفيتامين غير قانوني ومسبب للإدمان يسيطر عليه كارتل من النخب المرتبطة سياسيا.

وقال سمير العيطة، وهو خبير اقتصادي سوري ورئيس دائرة الاقتصاديين العرب، “النظام الاقتصادي بأكمله في سوريا لا يعمل.” ومع ذلك هناك اتفاق واسع النطاق على أن الخطوة الأكثر أهمية في إعادة بناء الاقتصاد السوري لا يمكن أن تتخذها إلا الولايات المتحدة: رفع العقوبات المؤلمة التي منعت فعليًا سوريا من التجارة والاستثمار الدوليين.

وتتطلب إعادة الإعمار، والتي تُقدر كلفتها بمئات المليارات من الدولارات، تدفقاً كبيراً للاستثمارات الأجنبية ورفع الحصار إلى جانب معالجة الأوضاع المعيشية المتدهورة، فاستمرار العقوبات سيُبقي الشعب السوري يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، ما لم تُتخذ خطوات حقيقية نحو الإصلاح.

وفي التصريحات التي نقلتها صحيفة “نيويورك تايمز” دعا زعيم هيئة تحرير الشام الأسبوع الماضي الحكومات ومن بينها الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات، قائلاً إن تلك العقوبات “تم فرضها على النظام السابق الذي رحل الآن،” مشدداً في الوقت نفسه على أن “الأولوية الآن يجب أن تكون بناء الدولة وإنشاء مؤسسات عامة تخدم جميع السوريين.”

ومن شأن رفع العقوبات تسهيل التعامل مع الدول والشركات؛ كي تستطيع بدء إعادة إعمار سوريا، وهو ما يحتاج إلى فترة زمنية تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لوضع الاقتصاد السوري على الطريق الصحيح، وربما يحتاج إلى خمس سنوات أخرى حتى تصبح سوريا واحدة من الدول الناهضة حال تحققت شروط الحكم الرشيد ووجود حكومة تكنوقراط حقيقية من أجل النهوض بكل القطاعات الاقتصادية التي كانت مهملة خلال حكم الأسد الأب والابن.

6