أي أثر لنتائج انتخابات مجالس المحافظات على الأمن والسياسة في العراق

تأثير انتخابات المحافظات يتجلى في تحديد الترتيب السياسي في كل محافظة. وهذا في حد ذاته مسألة مهمة لبناء التحالفات قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أنها حاسمة للسماح بتطبيق المحاصصة وهيمنة الحزب على مناصب الحكومة المحلية ومواردها.
بغداد - تتجلى النجاحات الانتخابية الشاملة التي حققها الإطار التنسيقي في انتخابات مجالس المحافظات في العراق، في قرارات تعيين المحافظين في معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك محافظتا بغداد والبصرة. ومع ذلك، فإن المنافسة المستمرة في كركوك تسلط الضوء على مدى التعقيد الذي يمكن أن تصل إليه ديناميكيات تقاسم السلطة.
وفي 18 ديسمبر 2023، أجرى العراق أول انتخابات محلية له منذ عقد من الزمن، ومن المرجح أن تكون لهذه الانتخابات، التي أجريت في خمس عشرة محافظة، آثار ملموسة على السياسة المحلية والوطنية على حد سواء، حيث أن الحكومة المحلية في العراق مسؤولة عن تعيين المحافظين وتحديد ميزانية المحافظة، والتخطيط المحلي للبنية التحتية، وفي نفس الوقت تُعتبر مجالس المحافظات بؤرة نشطة للفساد والمحسوبية، حيث ينظر العديد من الناخبين العراقيين إليها بازدراء وإحباط.
قادة الإطار التنسيقي مهتمون بترسيخ سلطتهم وتهميش المعارضة السياسية سواء كانت سنية أو شيعية
وتعتبر انتخابات مجالس المحافظات في العراق خطوة مهمة للغاية نظرا لما يمنحه الدستور العراقي لتلك المجالس من صلاحيات إدارية ومالية هائلة، حيث تعد بمثابة السلطة التشريعية والرقابية لكل محافظة، ولمجلس المحافظة السلطة في إصدار التشريعات المحلية وإقرار الميزانية المحلية تماشيا مع القوانين الاتحادية.
كما أن لهذه الانتخابات أهمية أخرى ألا وهي تحديد مصير المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، لذلك من شأن هذه الانتخابات أن تغير ميزان القوى السياسية في هذه المناطق، فالمناطق مثل كركوك وأجزاء من المحافظات الشمالية الأخرى (تلعفر، الحمدانية، سنجار، خانقين، زمار، ومخمور)، هي من ضمن المناطق المتنازع عليها لذلك سيكون لاختيار مجلس المحافظة والمحافظ تأثير كبير على مصير هذه المناطق سواء كانت ستبقى ضمن سيطرة حكومة بغداد أو ستصبح جزءا من حكومة إقليم كردستان.
وتقول المحللة السياسية المصرية المتخصصة في الشؤون الإيرانية والعراقية شيماء علي، في تقرير نشره معهد واشنطن، إن الجدل سوف يستمر مع انتهاء الانتخابات وإلى حين اختيار مجلس محافظة ومحافظ هذه المناطق لتحديد مصيرها سواء كان فتح باب جديد للصراع بين بغداد وأربيل أو تحقيق الاستقرار النسبي في هذه المناطق.
فوز الولائيين
في الانتخابات المحلية الأخيرة هذه، تنافس حوالي 6000 مرشح من جميع الأحزاب السياسية العراقية على 285 مقعدا في 15 محافظة ما عدا إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي شبه المستقل، وبحلول العام الجاري، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية، والفوز الكبير للأحزاب السياسية العراقية المقربة من طهران، ليُكمل هذا الفوز انتصارهم في الانتخابات البرلمانية في عام 2021 وسيطرتهم على الحكومة الحالية.
وكان تحالف “نبني” التابع للإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، بقيادة هادي العامري وهو رئيس منظمة بدر أقدم الميليشيات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، صاحب النصيب الأكبر في الانتخابات المحلية الأخيرة، وحصل على 43 مقعدا في 10 محافظات شيعية.
وجاء في المرتبة الثانية ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق وأبرز قادة الإطار التنسيقي الشيعي نوري المالكي، وحصل على 25 مقعدا بإجمالي 567 ألف صوت منهم 144 ألف صوت في العاصمة بغداد، مما يؤهله لكسب سيطرة كبيرة على مجلس المحافظة.
وأما بالنسبة إلى المرتبة الثالثة فحصل عليها تحالف قوى الدولة بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ورجل الدين الشيعي والسياسي البارز عمار الحكيم، وحصل على 24 مقعدا.
وبعد الفوز الكبير للأحزاب السياسية الشيعية المقربة من إيران في العراق، يتساءل الكثيرون عن الكيفية التي ستحكم بها كتلة الأغلبية، ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الأحزاب ستتقاسم السلطة مع منافسيها السياسيين من المكون الشيعي، أم ستحاول بسط نفوذها على الساحة السياسية العراقية.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن النجاح الانتخابي الأخير سيشجع هذه الأحزاب ويؤدي إلى زيادة تهميش المكونات العرقية والطائفية الأخرى.
التنافس على محافظة البصرة يهدد الأمن والاستقرار في العراق، لذلك طلب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ترك المحافظة للتيار الصدري من خلال إبقاء أسعد العيداني محافظا
وهناك شكوك كبيرة حول مستقبل تقاسم السلطة في العراق بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث أظهر قادة الإطار التنسيقي الشيعي أنهم مهتمون بترسيخ سلطتهم وتهميش المعارضة السياسية، سواء كانت سنية أو شيعية.
ويعد مصير رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي السياسي السني الأبرز في العراق أبرز الأمثلة على ذلك.
ووفقا للمتعارف عليه في العملية السياسية العراقية، فإن منصب رئيس مجلس محافظة بغداد يذهب إلى المكون السني، لذلك من المحتمل أن تحاول الأحزاب الشيعية المناورة للسيطرة على مجلس المحافظة من خلال عقد الصفقات السياسية مع المنافسين الشيعة من التحالفات الأخرى، لإزاحة التحالفات السنية من مجلس المحافظة.
وإذا حدث ذلك، فسيكون له تأثير سلبي على السياسية السنية في العراق مما يهدد استقرار الحياة السياسية في البلاد، والدخول في صراعات جديدة بعد سنوات من تقاسم السلطة بشكل يُرضي جميع الأطراف.
ومع ذلك، يبدو أن طموحات الإطار التنسيقي الشيعي لن تقتصر على الأرجح على كبح القوة السنية. والاحتمال الآخر هو أن تدخل الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران في المنافسة مع خصومها الشيعة، وتحديداً مقتدى الصدر، على محافظة البصرة الغنية بالنفط.
وتشهد محافظة البصرة – التي هي بمثابة العاصمة الاقتصادية للعراق – صراعا منذ فترة طويلة بين عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي المقرب من إيران، وسرايا السلام التابعة للصدر من أجل السيطرة على موارد المحافظة الغنية.
ويهدد التنافس على محافظة البصرة الأمن والاستقرار في العراق، لذلك طلب رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني المدعوم من الإطار التنسيقي الشيعي وبشكل خاص من قيس الخزعلي، بطلب ترك المحافظة للتيار الصدري من خلال إبقاء أسعد العيداني محافظا، منعا للاصطدام مع مقتدى الصدر، وخوفا من إثارة المشاكل والاحتجاجات المحتملة لأنصار مقتدى الصدر ضد حكومة السوداني. لكن إلى الآن يصر نوري المالكي وقيس الخزعلي على استبدال جميع أعضاء مجلس محافظة البصرة.
معضلة كركوك

في الانتخابات المحلية الأخيرة كانت جميع الأنظار تتجه صوب محافظة كركوك، المحافظة العريقة متعددة الأعراق والتي تشهد أول انتخابات محلية لها منذ عام 2005، تنافس فيها العرب والتركمان والأكراد للسيطرة على المدينة الغنية بالنفط والمليئة بالديناميكيات المعقدة.
وتنافس في كركوك الحزبان الكرديان الرئيسيان في العراق وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على 16 مقعدا في مجلس المحافظة وحصل الأول على مقعدين، بينما حصل الثاني على خمسة مقاعد، وفازت الأحزاب العربية بستة مقاعد، والتركمان على مقعدين وذهب مقعد الكوتا المسيحية إلى حزب مسيحي مقرب من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران.
ويسعى الأكراد العراقيون إلى السيطرة على منصب محافظ كركوك، بعد أن فقدوا هذا المنصب في عام 2017 بعد إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، مما دفع الحكومة الاتحادية العراقية إلى طرد قوات البيشمركة التابعة للأكراد والتي كانت تسيطر على كركوك منذ عام 2014، وقامت الحكومة المركزية في بغداد بالإطاحة بالمحافظ الكردي للمحافظة وتعيين آخر من المكون العربي وهو راكان الجبوري كقائم بأعمال المحافظ حتى الانتخابات المحلية الأخيرة.
ومن هنا تأتي المعضلة، فالأكراد والعرب والتركمان يريدون السيطرة على الحكومة المحلية في كركوك، لكن الصراع يتسع بين الأكراد والعرب، خاصة وأن كركوك من ضمن المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد المركزية وأربيل الإقليمية.
وإذا قام الإطار التنسيقي الشيعي بفرض هيمنته على المشهد السياسي العراقي وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في عام 2025 فاحتمالات تهميش السنة والأكراد ستزداد مما يهدد استقرار العراق، ويزيد من نفوذ إيران وسينعكس ذلك بالتأكيد على علاقة بغداد بالغرب والولايات المتحدة خاصة وسط صراع إقليمي.