أيّ آفاق للمصالحة بين سوريا وتركيا

أبدت تركيا وسوريا استعدادهما لمسار تصالحي ينتهي بتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن خبراء يعتقدون أن عملية التطبيع لن تكون سهلة بالنظر إلى الملفات الخلافية. وكسرت التصريحات الرسمية الجمود القائم منذ سنوات لكن الشيطان يكمن في التفاصيل.
إسطنبول - تحرز تركيا وسوريا تقدما نحو استعادة علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية على المدى القريب. لكن الضرورات الأمنية المتناقضة ستصعّب التطبيع الشامل، وهو ما يفتح المجال أمام استمرار التوترات بين البلدين بما قد يتحول إلى أعمال عنف.
وجاء في تقرير لموقع ستراتفور أن تركيا وسوريا تبديان استعدادهما لإعادة العلاقات الدبلوماسية، ما يشير إلى أنهما ستنضمان قريبا إلى الاتجاه الإقليمي الأوسع لتطبيع العلاقات إثر الحرب الأهلية السورية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 7 يوليو إن تركيا قد توجه قريبا دعوة إلى الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة تركيا.
وستكون هذه أول زيارة من نوعها منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2011، التي دعمت تركيا خلالها المتمردين الذين سعوا إلى الإطاحة بحكومة الأسد.
وأكد أردوغان على أن لهذه الزيارة أهدافا أوسع وأن تركيا تأمل في إعادة العلاقات مع سوريا إلى المستويات التي كانت عليها قبل الحرب.
من المرجح أن يركز البلدان على تطبيع علاقاتهما الاقتصادية والدبلوماسية، مع تأجيل التحديات الأمنية إلى مراحل لاحقة
وقال الأسد من جهته في 15 يوليو إنه قد يكون منفتحا على الاجتماع مع أردوغان، لكنه أكد أنه لن يفعل ذلك إلا عند مناقشة القضايا “الأساسية”، مثل وجود القوات التركية في سوريا ودعمها للمتمردين الموجودين في شمال البلاد وشمالها الغربي.
وعرضت الحكومة العراقية في يوليو استضافة اجتماع بين أردوغان والأسد مع تحول الزخم الدبلوماسي الإقليمي لدعم إمكانية التطبيع.
وبذلت تركيا وسوريا وروسيا وإيران جهودا مماثلة في اجتماع رباعي عقد في موسكو في أبريل 2023، حيث تركزت المناقشات على اتخاذ “خطوات ملموسة” لتطبيع العلاقات التركية – السورية.
وتناولت الأطراف المعنية إستراتيجيات مكافحة المنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة داخل الأراضي السورية. وسلّط الاجتماع الضوء على الجهود المبذولة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ليكون ذلك نقطة رئيسية على جدول الأعمال.
ودعّمت تركيا الانتفاضة ضد الأسد في 2011. واحتلت في النهاية جزءا كبيرا من شمال سوريا في عمليات تهدف إلى دعم وكلائها في الحرب الأهلية، وضمان منطقة عازلة للأمن في الداخل، ومحاربة المسلحين الأكراد المتمركزين في البلاد. لكن المواجهات الرئيسية بين القوات السورية والتركية أصبحت نادرة منذ2020 رغم استمرار الاشتباكات بين المتمردين المدعومين من تركيا والقوات السورية والروسية والإيرانية، وجلها في محافظتي إدلب وحلب شمال غرب سوريا.
وحققت سوريا إقليميا نجاحا دبلوماسيا ملحوظا في التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. كما أعادت جامعة الدول العربية احتضانها في 2023 بعد طردها بسبب حملتها العنيفة ضد المتمردين في 2012. لكن هذا التطبيع الدبلوماسي لم يجلب سوى مكاسب اقتصادية محدودة لسوريا بسبب العقوبات الأميركية الموسعة ضد البلد الذي مزقته الحرب.
وتدفع حوافز سياسية وأمنية واقتصادية الجانبين لتطبيع العلاقات، حيث أثبتت الحكومة السورية أنها لن تسقط إثر جهود عسكرية بعد 13 عاما من الحرب الأهلية.
ويفتح التطبيع لتركيا طريقا لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون داخل حدودها، حيث أصبح هذا مشكلة متزايدة لأنقرة وسط تنامي مشاعر الأتراك المعادية لهم. كما سعت تركيا إلى تأمين نفسها ضد جماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة التي ينشط مقاتلوها أيضا في شمال سوريا تحت اسم وحدات حماية الشعب.
وقد ترى أنقرة في التعاون مع دمشق وسيلة لتلبية هذه الاحتياجات الأمنية، بمثل العمل المنسق ضد المجموعة أو كجزء من صفقة أكثر شمولا من شأنها دمج وحدات حماية الشعب في قوات الأمن التابعة للحكومة السورية.
وسيستفيد الاقتصاد التركي في نفس الوقت من استئناف العلاقات التجارية مع الجارة الجنوبية. كما سيمكّن تطبيع العلاقات مع سوريا تركيا من الحد من خطر التصعيد مع داعميْ الأسد، روسيا وإيران.
وتطمح سوريا، إلى أن يضع التطبيع مع تركيا، التي كانت الداعم المادي الأكبر للتمرد، حدا نهائيا للتهديد الأمني الحاد لبقاء الحكومة، وأن يعيد فتح طرق التجارة الحيوية إليها شمالا، وأن يشكّل انتصارا دبلوماسيا كبيرا في إنهاء عزلة سوريا في حقبة الحرب الأهلية. كما قد يفتح التطبيع أيضا طريقا للاستسلام النهائي لقوات المعارضة المتبقية والانسحاب الكامل للقوات التركية، مما ينهي فعليا الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما بانتصار حكومة الأسد.
ومن المرجح أن تركز تركيا وسوريا أولا على تطبيع علاقاتهما الاقتصادية والدبلوماسية، مع تأجيل التحديات الأمنية إلى مراحل لاحقة من المحادثات إذا أحرزتا أيّ تقدم.
ورغم أنه من غير الواضح ما إذا كان أردوغان والأسد سيجتمعان على المدى القريب، لكن من المرجح أن يواصل الدبلوماسيون الأتراك والسوريون مناقشة احتمال تخفيف التوترات وإعادة العلاقات الدبلوماسية.
وقد يمكّن بعض هذه الاجتماعات من إعادة فتح جزئي لطرق التجارة المغلقة بين البلدين، مثلما حدث مع إعادة فتح المعابر بين الأردن وسوريا في الجنوب.
وتحظر العقوبات الأميركية التجارة والمساعدات التي تمكن الحكومة السورية من خوض الحرب الأهلية، لكنها تسمح بالتجارة الزراعية والإنسانية وغيرها من التجارة الأساسية التي تفيد المدنيين أولا. لكن من غير المرجح أن يحرز البلدان تقدما كبيرا في مواجهة التحديات الأمنية.
ومن غير المرجح أن تتخلى تركيا عن مناطقها العازلة داخل سوريا دون حل شامل لتحدي حزب العمال الكردستاني أو مسار واضح للاجئين السوريين للعودة إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.
ويبقى من غير المرجح أيضا أن تترك تركيا وكلاءها من المتمردين دون حماية في إدلب خشية أن يتسبب هجوم الحكومة السورية في بعث موجة كبيرة أخرى من اللاجئين إلى أراضيها. ولن تتخلى سوريا عن حملتها العسكرية لاستعادة جميع الأراضي أيضا، مما يضع القوات السورية في وجه القوات التركية والمتمردين الذين تدعمهم.
وتشمل العقبات الرئيسية الأخرى التي يواجهها التطبيع الشامل الولايات المتحدة، التي تواصل حماية وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا من الضغوط العسكرية والسياسية التركية والسورية.
ومن غير المرجّح أن تشعر وحدات حماية الشعب بأنها مضطرة إلى دمج نفسها في الدولة الأمنية السورية مع تواجد القوات الأميركية.
وستبقى تركيا عاجزة عن شن هجوم لإبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب من المنطقة. كما تسيطر الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب على احتياطيات النفط الصغيرة في سوريا، مما يحرم دمشق من الدخل الحيوي ويضر بالاقتصاد السوري، ويزيد من إضعاف آفاق التجارة التركية – السورية.
كما أن العقوبات الأميركية على سوريا تصعّب على دمشق الحصول على المساعدات الدولية اللازمة لإعادة بناء بنيتها التحتية المدمرة، مما يزيد من إعاقة آفاق التجارة وتخفيف الاهتمام التركي بإعادة بناء سوريا.
وسيبقى الجانبان على الخطوط الأمامية المجمدة مع غياب حل للتحديات الأمنية التي يواجهانها، حيث يمكن أن تندلع الأعمال العدائية بسرعة وتقوض مساعي التطبيع.
ولا تزال الحكومة التركية تتعرض لضغوط لإعادة اللاجئين السوريين. كما ألمحت أنقرة أكثر من مرة إلى أنها قد تشن المزيد من العمليات العسكرية في سوريا لإنشاء مواقع يمكن إعادة توطين اللاجئين فيها إذا لم يوفر التطبيع التركي – السوري مسارا سلميا لحل الأزمة.
وستعارض سوريا مثل هذه العمليات، ومن المحتمل أن تحاول منعها وإثارة مناوشات. وفي نفس الوقت، ستواصل الحكومة السورية ممارسة الضغط العسكري على الوكلاء المتحالفين مع تركيا في إدلب وحلب لإجبار بعض قوات المتمردين على الانشقاق أو الاستسلام أو اختيار المنفى، حيث لا تزال دمشق تركز على استعادة جميع الأراضي التي فقدت السيطرة عليها خلال الحرب الأهلية.
وقد يجر هذا الضغط العسكري عن طريق الخطأ القوات التركية، التي لا تزال في هذه المحافظات، إلى جولة أخرى من المواجهة. وفي نفس الوقت، قد تنسحب الولايات المتحدة من سوريا، خاصة في ظل إدارة المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب المستقبلية المحتملة، مما قد يمكن تركيا وسوريا من إعادة تشكيل ديناميكيات الشمال الشرقي لصالحهما.