أيها المهاجر، إياك ثم إياك أن تأتي.. إلا إذا..

مدريد - هاجر عشرات الآلاف من الأوروبيين إلى الأميركتين ودول غربية أخرى عندما اضطروا إلى الفرار من رعب نزاعين مسلحين مدمرين في أوروبا هما الحربان العالميتان الأولى والثانية. وفُحصوا على الحدود عند وصولهم إلى وجهاتهم، قبل قبولهم كقوى عاملة مفيدة. ونادرا ما صنفهم أيّ شخص على أنهم مهاجرون “غير شرعيين”. حيث كان هؤلاء بشرا فروا من الحرب.
بعد أن أجبِر الملايين من الأشخاص الآن على الفرار من أهوال الحروب وموجات الدمار الإضافية، كالكوارث المناخية التي لم يخلقوها والأزمة المالية العالمية التي نشأت في أغنى الدول الصناعية والقوى الأكثر ثراءً في العالم، نشهد تصنيف هؤلاء المهاجرين على أنهم “غير شرعيين”.
وصُممت مناهج مختلفة للالتفاف حول ما تسمّيه الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا “الغزو” و”تهديد حضارتنا” و”ديمقراطيتنا” و”ديننا”، و”الخطر الإرهابي الكبير”.
ويقول الصحافي باهر كمال في تقرير لمؤسسة “أنتر برس” إنه توجد رسالة مفتوحة من الغرب الغني إلى هؤلاء المهاجرين الفقراء "لا تجرؤوا على المجيء إلى هنا، إلا إذا..": جلبتم المال: إثر أزمة 2008 المالية العالمية، قررت العديد من البلدان الصناعية مثل حكومة المملكة المتحدة آنذاك، قبول المهاجرين بشرط أن يكون لديهم المال الكافي لشراء عقار وفتح حساب مصرفي سليم. كنتم من ذوي المهارات العالية: تعتمد المعايير الأخرى المستخدمة لقبول المهاجرين على قدراتهم المهنية والمفيدة. كنتم “مثلنا”: هذه هي حالة عشرات الآلاف من البشر الذين يحاولون الهروب من أهوال حرب أوكرانيا. وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن الأوكرانيين بأنهم “يشبهوننا… إنهم مثلنا”.
وإذا لم يتمتع المهاجرون بهذه الشروط، يُطلق عليهم على الفور “غير قانونيين”، ولا يُسمح بالتالي لهم بالدخول. ويواجه أولئك الذين وصلوا بالفعل الطرد من الولايات المتحدة وأوروبا.
وارتفع التوجه إلى طرد المهاجرين بشكل مطرد في 2022، ومن قبيل الصدفة أن الحرب في أوكرانيا اندلعت في فبراير، مما دفع الملايين من المواطنين الأوكرانيين إلى الفرار من أهوال هذا النزاع المسلح المدان. وفتحت جميع الدول الغربية، ولاسيما في أوروبا، أبوابها للملايين من المهاجرين واللاجئين، مع تقديم جميع أنواع المساعدة الإنسانية لهم.
وفي المقابل، يفر الملايين من البشر من الحروب، ويبحثون عن طرق للبقاء على قيد الحياة وعن وظيفة تسمح لهم ولعائلاتهم بالبقاء أحياء. وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك إنه “غالبا ما يُجرَّد العمال المهاجرون من إنسانيتهم”، مذكرا أنهم “بشر لهم الحق في التمتع بحقوق الإنسان والحماية الكاملة لكرامتهم الإنسانية”.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في تقرير جديد إنه لا ينبغي لأحد أن يتنازل عن حقه الإنساني في الهجرة من أجل نيل أجر معيشي. ويشير تقرير “أردنا عمالا، لكن البشر جاؤوا” إلى بعض الإساءات والتمييز والمعاملة اللاإنسانية للمهاجرين من قبيل: كجزء من بعض المخططات الموسمية، من المتوقع أن يعمل المهاجرون أيام السبت والأحد، مما لا يترك لهم وقتا لحضور الشعائر الدينية.
وأفادت عاملات منازل مهاجرات في دول أخرى أنهن أخبرن أنهن سيطردن من العمل إذا قررن الصلاة أو الصيام أثناء العمل. وأفاد بعض عمال البناء المهاجرين أنهم يتلقون رعاية طبية دون المستوى في العيادات التي يوفرها أرباب عملهم.
ويبقى المهاجرون معرضين للخطر بشكل خاص خلال الرحلات الشاقة عندما يحاولون الوصول إلى وجهاتهم. وشدد خبراء مستقلون في تقرير للأمم المتحدة على أن الدول يجب أن تنسق جهودها في “منع حالات الاختفاء السنوية للآلاف من المهاجرين في الطريق”.
واستندوا إلى تقديرات المنظمة الدولية للهجرة لتأكيد أن أكثر من 35 ألف مهاجر ماتوا أو اختفوا منذ 2014. وتشير المعلومات إلى أن معظم حالات الاختفاء تحدث “أثناء إجراءات الاحتجاز أو الترحيل أو بسبب تهريب المهاجرين أو الاتجار بهم”، حسب قول خبراء الأمم المتحدة.
وألقى الخبراء باللوم على السياسات الصارمة للدول من حيث إدارة الحدود والهجرة في العديد من حالات الاختفاء، مستشهدين بالسياسات التي تتضمن “رفضا شاملا للدخول، تجريم الهجرة، والاستخدام الإلزامي أو التلقائي أو واسع النطاق لاحتجاز المهاجرين، والطرد التعسفي”.
وأوضح الخبراء أن “هذه العوامل تشجع المهاجرين على شق طرق أكثر خطورة، ووضع حياتهم في أيدي المهربين، وتعريض أنفسهم لخطر أكبر لانتهاكات حقوق الإنسان والاختفاء القسري”.
وفي كل عام، يغادر الملايين بلدانهم في ظل برامج هجرة العمالة المؤقتة التي تعود بفوائد اقتصادية لبلدان المقصد وعوائد التنمية لبلدانهم الأصلية. ويوضح التقرير بالتفصيل كيف أن مخططات العمل المؤقتة تفرض في الكثير من الحالات مجموعة من “القيود غير المقبولة على حقوق الإنسان”.
وهو يسلّط الضوء على كيفية إجبار “العمال المهاجرين على العيش في مساكن مكتظة وغير صحية، وكونهم غير قادرين على تحمل تكاليف الطعام المغذي، وحرمانهم من الرعاية الصحية الكافية، ومواجهتهم فصلا مطولا وإلزاميا في بعض الأحيان عن عائلاتهم”.
◙ العديد من العمال المهاجرين يعملون في وظائف مؤقتة أو غير رسمية أو غير محمية مما يعرضهم لخطر أكبر يتمثل في انعدام الأمن والتسريح وظروف العمل السيئة
كما أن السياسات التي تستثنيهم من الدعم الحكومي في بعض البلدان تعرضهم لخطر غير متناسب من الإصابة بعدوى كوفيد – 19. وأكد تورك أنه “لا ينبغي أن نتوقع منهم التخلي عن حقوقهم مقابل قدرتهم على الهجرة من أجل العمل، مهما كان الأمر بالغ الأهمية بالنسبة إليهم وإلى أسرهم وإلى اقتصاديات بلدانهم الأصلية وبلدان المقصد”.
وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن أكثر من 80 في المئة من المهاجرين في العالم يعبرون اليوم الحدود بطريقة آمنة ومنظمة. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية مات ما لا يقل عن 51 ألف مهاجر، واختفى آلاف آخرون. ويوجد خلف كل رقم إنسان: أخت أو أخ أو ابنة أو ابن أو أم أو أب.
وذكَّر الأمين العام للأمم المتحدة بأن “حقوق المهاجرين هي من حقوق الإنسان. يجب احترامهم دون تمييز، وبغض النظر عما إذا كانت حركتهم قسرية أو طوعية أو مصرحا بها رسميا”. كما سلط غوتيريش الضوء على الحاجة الملحة لتوسيع مسارات الهجرة القائمة على الحقوق وتنويعها لتعزيز أهداف التنمية المستدامة ومعالجة النقص في سوق العمل.
وتابع “لا توجد أزمة هجرة، بل أزمة تضامن. دعونا نصون إنسانيتنا المشتركة اليوم وكل يوم، ونؤمّن حقوق الجميع وكرامتهم”. وساهمت الصراعات المسلحة وانعدام الأمن وآثار تغيّر المناخ والحروب بشكل كبير في الحركة القسرية داخل البلدان وعبر الحدود في السنوات الأخيرة.
وشهد 2020 هجرة أكثر من 281 مليون شخص بينما نزح أكثر من 59 مليون شخص داخليا بحلول نهاية 2021. وتؤكد الأمم المتحدة أنه بغض النظر عن الأسباب التي تجبر على الهجرة، فإن المهاجرين والنازحين يمثلون بعض الفئات الأكثر ضعفا وتهميشا في المجتمع. وغالبا ما يتعرضون لسوء المعاملة والاستغلال، مع وصول محدود إلى الخدمات الأساسية، ويواجهون هجمات معادية للأجانب ووصمة تغذيها المعلومات المضللة.
من ناحية أخرى، غالبا ما يعمل العديد من العمال المهاجرين في وظائف مؤقتة أو غير رسمية أو غير محمية، مما يعرضهم لخطر أكبر يتمثل في انعدام الأمن والتسريح وظروف العمل السيئة. وبسبب النقص المستمر في مسارات الهجرة الآمنة والنظامية، يواصل الملايين خوض رحلات محفوفة بالمخاطر كل سنة. وفقد أكثر من 50 ألف مهاجر حياتهم منذ 2014، على طرق الهجرة في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من جميع الاتفاقيات والإعلانات والالتزامات العالمية والدولية التي اعتمدتها جل البلدان، فإن الواقع يظهر أن بعض المهاجرين يتمتعون بمساواة ومعاملة إنسانية أكثر من غيرهم.