أيّها العراقيون.. لِمَ الاستغراب من تصرفات رومانوسكي؟

يقول الخبر بصورته الأدق والأوضح إن السفيرة الأميركية في العراق ألينا رومانوسكي تسلّمت وبشكل رسمي في مطار بغداد الدولي الدفعة الأولى من طائرة الأحلام لتنضمّ رسمياً إلى خطوط النقل الجوي التابعة لوزارة النقل العراقية بحضور عدد من الشخصيات بينهم رزاق محيبس وزير النقل. خبر كما يدّعي أصحاب الإعلام لا يحتاج إلى توثيق.
لِمَ الغرابة والعجب؟ فرومانوسكي تزور الجميع وتلتقي بكبيرهم وصغيرهم بدءاً من رئيس الجمهورية والوزراء وانتهاءً بزعامات ومعممي الإطار التنسيقي، وأصغر مسؤول في البلد.
فجأة تحوّلت سفارة الشر التي تقطنها رومانوسكي إلى شريك إستراتيجي يبحث مع ساسة العراق الأمن والاستقرار والسيادة!
لِمَ العجب، فمتى كانت حكومات ما بعد 2003 معادية للولايات المتحدة لكي نتحدث عن كل هذه الفوضى والانزعاج والتهكّم على قادة الإطار التنسيقي وهم يستقبلون أو تستضيفهم رومانوسكي؟ السلطة الحاكمة هي نفسها والوجوه ذاتها وإن تغيّرت بعناوين مختلفة ومناصب متغيرة.
ألم يكن “العراق الديمقراطي الحديث” قد تأسس على أنقاض احتلال الولايات المتحدة التي ساهمت في كتابة دستوره وَسَنّ قوانينه التي تُسيّر العملية السياسية تحت عباءة المُحتل وسِرف دبابات جنوده في شوارع بغداد؟
لِمَ الغرابة وكأن لسان حال الذين كانوا يقصفون سفارة رومانوسكي بالصواريخ والمُسيّرات طوال الفترة السابقة يقول “قصف السفارة لا يفسد في السياسة قضية”؟
لِمَ التعجّب من بلد فاقد السيادة تقوده رومانوسكي، ولماذا نستغرب كل ذلك الحجم من الاستغراب ونحن ندرك أن بلداً كان اسمه العراق على خارطة العالم داست شوارعه ودنّست أرضه وقتلت شعبه بساطير جنود رومانوسكي؟ فلِم الاستغراب؟
ما يُحسب نجاحاً لرومانوسكي أنها نجحت في سياسة الترويض وجعل منصات الصواريخ المُعدّة لقصف السفارة تصدأ، وتحوّل “القاصفون” إلى قوم مسالمين يحملون كل الودّ والوداعة لرومانوسكي وحكومتها وهم يجالسونها.
يخشى الإطاريون أن تُكرر حكومة رومانوسكي تجربة طالبان الأفغانية التي لا تزال حاضرة في العقول مع حكومتهم، لذلك يحاولون مسك العصا من الوسط في محاولاتهم ترضية رومانوسكي، في الوقت الذي يتمتعون بأوثق العلاقات مع إيران.
زيارات رومانوسكي ولقاؤها حكومة المنطقة الخضراء اعتراف ضمني من السلطة الحاكمة لجماهيرها المُتحزّبة التي تُسيّرها شعارات مقاومة المحتل بأن المصالح والظفر بأكبر حصة من المغانم هما الهدف الأسمى، لكن الأخطر هو الحقيقة التي نستنتجها بأن العقيدة لا تتآلف مع الحياة السياسية.
في عقلهم الباطن يُدرك هؤلاء إلى حد اليقين أن العالم الذي تُسيّره القوى العظمى لا ينفع معه قصف سفاراتها ببعض الصواريخ أو التجمهر أمام أبوابها، لذلك استقر بهم الحال على مبدأ الشعارات الفارغة.
واقع السلطة وما تفرضه مزايا الزعامة التي يجنون من ورائها الكثير من الغنائم يحتّم عليهم الانخراط بما يُمليه عليهم واقع الحال إن كان رغماً عنهم أو بخاطرهم، فأميركا مستعدة لأن تُعيد لهم الأحداث والعِبر في نهايات الأنظمة التي رفعت الشعارات الجوفاء والنهايات المأساوية التي أوصلت أصحابها إلى حتفهم، القوة هي التي تحكم العالم وهي القاعدة التي يجب أن يستوعبها أولئك من تلك الدروس.
أيها العراقيون لِمَ العجب وكل تلك الغرابة من تصرفات رومانوسكي أمام سلطة بغداد، فالقوم هم أنفسهم الذين دخلوا مع الجندي الأميركي في بدايات سقوط بغداد، حتى إن أحدهم وهو إبراهيم الجعفري أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي عام 2003 ورئيس الوزراء 2005 – 2006 أهدى وزير الدفاع الأميركي حينها دونالد رامسفيلد “سيف ذو الفقار” وهو سيف علي بن أبي طالب، وعندما سألوه “كيف تقوم بإهداء هذا السيف الذي يُمثل جزءاً من تاريخ العراق والعرب والمسلمين في كل مكان باعتباره ثروة وطنية ومن خوّلك بالإهداء؟” أجاب الجعفري بطريقته المعتادة في سفسطة حديث لا معنى له “أنا أعطيت وهو قَبِل”، هؤلاء هم أنفسهم الذين يحكمون العراق منذ أكثر من عشرين عاماً من جريمة الاحتلال.
لِمَ الغرابة والعجب من بعض الأصوات التي تتصارخ وتستنكر تدخّل رومانوسكي السافر في الشأن الداخلي للبلد؟
لِمَ التعجّب من بلد فاقد السيادة تقوده رومانوسكي، ولماذا نستغرب كل ذلك الحجم من الاستغراب ونحن ندرك أن بلداً كان اسمه العراق على خارطة العالم داست شوارعه ودنّست أرضه وقتلت شعبه بساطير جنود رومانوسكي؟ فلِم الاستغراب؟