"أين تسهر هذا المساء" تصالح السودان مع السينما

السينما السودانية تشهد ما يشبه العودة المتدرجة وذلك عبر مبادرات من قبل سينمائيين قدامى الذين يقيمون خارج السودان.
الجمعة 2019/12/20
العودة تدريجيا إلى الزمن الجميل

تشهد الخرطوم غزوا ملأ شوارعها بالملصقات الترويجية لأفلام سينمائية تعرض بدور عرض كانت لفترة طويلة تعم في ظلام دامس، لكن الثورة بعثت فيها الحياة وأعادت إليها دورها كمراكز لتنشيط الشباب.

الخرطوم- ظهرت في شوارع العاصمة الخرطوم، إعلانات “أين تسهر هذا المساء”، للترويج للأفلام السينمائية في دور العرض المختلفة التي منحتها الثورة قبلة الحياة، بعد انقطاع دام سنوات طويلة.

وينتظر السودانيون مشاهدة الفيلم الروائي “ستموت في العشرين”، الذي عُرض لأول مرة بالعالم العربي، في مهرجان “الجونة” السينمائي في سبتمبر الماضي بالعاصمة المصرية القاهرة.

وفاز الفيلم، لمخرجه السوداني، أمجد أبو العلاء، بجائزة مهرجان البندقية، وجرى اقتباس فكرته من قصة “النوم عند قدمي الجبل” للكاتب الروائي السوداني، حمور زيادة. ويولد بطل الفيلم “مزمل”، في قرية سودانية تسيطر عليها أفكار صوفية، ويواجه نبوءة أنه سوف يموت عندما يكمل العشرين من عمره.

وجرى في 31 أكتوبر الماضي افتتاح أول دار عرض سينمائي بالخرطوم بعد تعطيلها لعقود. وعُرض الفيلم المصري “أبلة طمطم”، في افتتاح دار العرض السينمائي، الملحقة بقاعة الصداقة، التي تعتبر من أبرز معالم الخرطوم.

ويتجه السودان -بحسب تصريحات لمسؤولين- إلى بناء مسارح جديدة وتفعيل دور السينما وتنشيط مراكز الشباب والرياضة. وكان السودانيون على مدى عقد خلا، يدمنون ارتياد دور السينما، ويرون فيها متنفسا ومصدرا للثقافة والمعرفة قبل أن تغلق أبوابها تدريجيا وتتحول إلى أماكن موحشة خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير. وكانت الخرطوم تضم عددا من دور السينما من بينها “النيل الأزرق”، و“كلوزيوم”، و“الوطنية غرب”، و“الخرطوم جنوب”، و“النيلين”.

السودانيون ينتظرون مشاهدة الفيلم الروائي "ستموت في العشرين"، الذي عُرض لأول مرة بالعالم العربي، في مهرجان "الجونة" السينمائي
السودانيون ينتظرون مشاهدة الفيلم الروائي "ستموت في العشرين"، الذي عُرض لأول مرة بالعالم العربي، في مهرجان "الجونة" السينمائي

ودور السينما السودانية، كانت تتميز بعرض أفلام بعينها، مثل الأفلام الهندية أو المصرية، لكن سينما “النيل الأزرق”، كانت لا تعرض أفلاما هندية أو عربية، بل أميركية أو أوروبية.

كما كانت هناك زاوية ثابتة في كافة صحف الخرطوم اليومية لعرض برنامج الأفلام بعنوان “أين تسهر هذا المساء” يطالعها عشاق السينما وعلى ضوء ذلك يتحدد برنامج المشاهدة المسائي.

وفي نهاية الستينات وبداية السبعينات، كانت تنتظم أسابيع ومهرجانات لأفلام الدول المختلفة، مثل أسبوع الفيلم الروسي والفيلم الفرنسي والفيلم التونسي. وانطلق في العام 2012، بالخرطوم، مهرجان نظمته مجموعة “سودان فيلم فاكتوري” (غير حكومية) التي تضم نخبة من السينمائيين الشباب، وهدفها تطوير صناعة السينما في البلاد.

لكن حاليا بإلقاء نظرة سريعة على دور العرض السينمائية بالعاصمة أو المدن الأخرى، يظهر تشكيك في أنها كانت في وقت من الأوقات تحظى بأنشطة سينمائية كبيرة. وحمّل الفنان الدرامي والموسيقي، محمود ميسرة السراج، حكومة “نظام الإنقاذ” في السودان، مسؤولية هدم كل ما هو جميل في البلاد، بعنوان ضخم هو “التوجه الحضاري”، وعناوين أخرى مثل  ”أسلمة الفنون”.

وأوضح أن النتيجة المباشرة فيما يخص السينما، كانت تجفيف مؤسسة الدولة للسينما، وتخريب دور العرض، وبروز شركات إنتاج فنية خاصة لتحل محل المؤسسات الرسمية المسؤولة عن إنتاج السينما.

وأضاف “الآن جاء الغوث من خارج الحدود، من السينمائيين الذين ولدوا خارج السودان، أو الذين تربوا في الخارج أو الذين هربوا إلى الخارج”. وتابع “لأن الفنان الحقيقي لا يستطيع الانفصال عن بيئته ومجتمعه، فقد بدأت بعد الثورة الهجرة العكسية إلى داخل الوطن، وبدأت للتو تظهر إشراقات هنا وهناك على أمل أن تتطور الأمور بفضل الدولة المدنية إلى ما يشبه الصناعة الحقيقية للسينما في السودان، وبالتأكيد في كل مجالات الفنون الأخرى”.

جرى في 31 أكتوبر الماضي افتتاح أول دار عرض سينمائي بالخرطوم بعد تعطيلها لعقود

ويتفق معه الكاتب الصحافي والناقد الفني، موسى حامد، إذ يرى أن سياسة حكومة “نظام الإنقاذ” كانت طيلة الثلاثين عاما الماضية تنتهج العداء الصارخ لجميع الفنون من غناء وموسيقى ومسرح، وللسينما على وجه الخصوص.

وأوضح حامد أن واحدة من سياسات الحكومة السابقة التي شكلت ضربة قاضية للسينما، هي محاربتها، بالتجفيف والإلغاء، وفصل السينمائيين. ونوَّه إلى أن السينما السودانية شهدت ما يشبه العودة المتدرجة، في السنوات العشر الأخيرة، وذلك عبر مبادرات من قبل سينمائيين قدامى، ممثلين في “نادي السينما السوداني”، أو عبر مجموعات شبابية، محبة للسينما مثل “سودان فيلم فاكتوري”.

ويؤرخ لبداية السينما في السودان بالعام 1910، حيث شهد تصوير أول فيلم تسجيلي للمخرج السويسري “دم دافيد” وعرض في مدينة الأبيض في 1912، كأول مدينة تشهد عرضا سينمائيا في البلاد.وشهد عام 1970 إنتاج أول فيلم سوداني روائي طويل، للمخرج إبراهيم ملاسي.

24