أيام قرطاج المسرحية تطلق دورة "المسرح والمقاومة"

افتتاح يحتفي بمنولوغات شكسبير وعوالمه المسرحية بلمسة تونسية.
الاثنين 2021/12/06
مشهدية "حبّ بيّة".. رقص وغناء وشعر تونسي من وحي شكسبير

أطلقت وزارة الشؤون الثقافية في تونس مساء السبت، دورة جديدة من أيام قرطاج المسرحية تحت شعار “المسرح والمقاومة” بعد توقف الحدث الفني البارز عربيا وأفريقيا في العام الماضي بسبب جائحة فايروس كورونا. وتتواصل فعاليات الدورة الثانية والعشرين من المهرجان إلى غاية الثاني عشر من ديسمبر الجاري بالعاصمة تونس، بحضور لأكثر من عشرين دولة عربية وأفريقية وعالمية ستقدّم على مدى ثمانية أيام نحو مئة عرض مسرحي.

تونس- لم يكن حفل افتتاح النسخة الثانية والعشرين من أيام قرطاج المسرحية مساء السبت، في تونس حفلا تقليديا بروتوكوليا، حيث تنوّعت الاحتفالات والتعبيرات الفنية التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي للعاصمة تونس، احتفاء بعودة التظاهرة الأكبر للمسرح في أفريقيا والعالم العربي بعد عام من الغياب في ظل تفشي وباء كورونا بالبلد السنة الماضية.

وتحوّل الفضاء الخارجي والداخلي لمدينة الثقافة، الحاضنة لفعاليات النسخة الجديدة من المهرجان إلى مسرح كبير تتقاطع على خشباته الممارسات الفنية المعاصرة في جمع بين الموسيقى والرقص والشعر والغناء بمشاركة ضيوف المهرجان من أفريقيا والعالم العربي.

احتفاء داخلي وخارجي

◄ المسرحيات تتنافس على جوائز أفضل عمل متكامل وأفضل نص وأفضل سينوغرافيا وأفضل إخراج وأفضل ممثل وممثلة

انقسم حفل الافتتاح الذي تولّى إخراجه المسرحي التونسي الشاذلي العرفاوي بمشاركة الموسيقي زياد الزّواري إلى جزأين: افتتاح خارجي كرنفالي انطلق من شارع محمد الخامس مرورا بالسّجاد الأحمر، حيث تمّ تركيز مجسّمات فنية وتماثيل حيّة لشخصيات مسرحية في وضعيات مختلفة رافقتها الأنغام والموسيقى التي تسارع نسقها من البوابة الخارجية لمدينة الثّقافة، وصولا إلى ساحة المسارح التي احتضنت عرضا إيقاعيا ضخما ضمّ أكثر من ثلاثين عازف إيقاع على آلة الباتري في لوحة موسيقية صاخبة جمعت بين أشهر المعزوفات التونسية والعربية والغربية التي تفاعل معها الحضور، قبل الدخول إلى قاعة الأوبرا الفضاء الحاضن للافتتاح الرسمي الذي قدّمته الممثلة التونسية نادية بوستة.

وقالت نصاف بن حفصية مديرة المهرجان خلال كلمة ألقتها خلال الحفل، إن “هذه التظاهرة تجمع بين الفن والإبداع والمسرح وحب الحياة وتعود بعد توقف بسبب وباء كورونا بالكثير من العزم والتحدي”.

وأضافت أن “هذه الدورة هي محطة من محطات المهرجان والتي مرّت عليها أجيال من المبدعين المسرحيين التونسيين ليبقى الفن المسرحي حرا وصاخبا”.

وبدورها، قالت وزيرة الثقافة التونسية حياة قطاط في كلمة لها إن “هذه التظاهرة ستبقى علامة فارقة في تاريخ الفن في تونس باعتبارها دورة جديدة ومتجدّدة تعلن عن عودة الروح للإبداع والفن، وتضاف إلى ما شهدته تونس من محطات أخرى في مجالات السينما والكتاب، مناسبة تؤكّد حاجتنا الأكيدة إلى المسرح فنا تتناغم فيه صنوف الإبداع الإنساني بدءا من النص وانتهاء بطرق تجسيده على الخشبة إخراجا وأداء وتعبيرا جسديا وموسيقيا”.

وأضافت “تعود أيام قرطاج المسرحية تحت شعار ‘المسرح والمقاومة’ لإبراز ما للمسرح من قدرة على تخطي كل الظروف الصعبة والعمل المستمر على مقاومة الرداءة والانغلاق والتعصب”.

وشمل الحفل تكريم ثلّة من المبدعين التونسيين، وهم سعيدة الحامي وعبدالغني بن طارة وفاتحة المهداوي وجمال مداني والأسعد بن عبدالله، ومن العالم العربي والقارة الأفريقية كلّا من الأردنية أمل دباس والمصري أحمد فؤاد سليم والجزائرية فضيلة حشماوي وفلوريس أدجنهوم من البنين وجان سيبي أكومو من كينيا.

كما صعد على الخشبة المسرحي الكندي ميشيل كورتمانشن الذي تمّ تكريمه أيضا في حفل الافتتاح، حيث قدّم مشهدا ارتجاليا صامتا في فن المايم تفاعل معه الحضور بالتصفيق، وهو الذي لديه تجربة طويلة في العروض الأدائية وعروض المايم والملقب بـ”صاحب الوجه المطاطي” لبراعته في الاعتماد على عضلات الوجه لتغيير الشخصيات والانتقال من حالة إلى أخرى.

وتخلّلت حفل الافتتاح لمسة وفاء لأرواح عدد من رموز المسرح التونسي من ممثّلين وتقنيين ومخرجين والذين فارقوا الحياة في السنتين 2020 و2021 منهم السّينوغرافي قيس رستم والممثّلين حسن هرماس وقيس عويدودي ومكرم نصيب ودلندة عبدو ومنيرة عطية والصحافية والمسرحية زينب فرحات.

وقدّمت الفنانة التونسية نسرين المهبولي والفنان تيتاندا دومبا من الزمبابواي باللغة الإنجليزية مشهدية “الشرفة” أشهر أعمال الكاتب العالمي وليام شكسبير، من مسرحيته “روميو وجولييت”.

تلتها مشهدية “حبّ بيّة” في تصوّر موسيقي لعازف الكمان زياد الزّواري ومرافقة شعرية لأنيس شوشان وراقصة الباليه نسرين بن عربية، وهو عرض جمع على الخشبة مختلف الفنون من مسرح وشعر ورقص عصري وكلاسيكي وموسيقى فلكلورية مستلهمة من الموروث الغنائي التونسي، بمرافقة غنائية وأداء مسرحي لكلّ من درصاف الطّرابلسي وهيثم بونوح ومحمد علي وردة وأيمن بن شيخة وزبيدة بن محمّد، انطلق من العوالم الشكسبيرية ومونولوغاته المسرحية الشهيرة بمسحة تونسية خالصة كسرت مع رسميّات عرض الافتتاح وبروتوكولاته لتحوّله إلى عرض احتفالي متكامل أعلن بداية دورة جديدة من أيام قرطاج المسرحية تتواصل فعالياتها حتى الثاني عشر من ديسمبر الجاري.

وكان جمهور الأيام على موعد بعد حفل الافتتاح مع عرض مسرحيتي “مارتير” للمخرج الفاضل الجعايبي وإنتاج المسرح الوطني التونسي بقاعة الفن الرابع، و”18 أكتوبر” إخراج عبدالواحد مبروك وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بتوزر (جنوب) بقاعة المونديال.

وتسجّل الدورة الجديدة من المهرجان المسرحي العربي والأفريقي الذي تأسّس في العام 1983 عرض حوالي مئة مسرحية من أربع وعشرين دولة، من بينها الجزائر ومصر والأردن وفلسطين والعراق والكويت والسنغال وبوركينا فاسو وغينيا وتونس البلد المنظم.

وتتنافس على المسابقة الرسمية للمهرجان اثنتا عشرة مسرحية، عوضا عن أربع عشرة، وذلك بسبب تعذّر قدوم فريق مسرحيّة “بيت الشّغف” لهشام كفارنة من سوريا وفريق مسرحية “شاطارا” لأمين ناسور من المغرب نتيجة قرار غلق الحدود الذي فرضته السلطات المغربية والسورية بعد ظهور السلالة الجديدة من فايروس كورونا، لتتوزّع العروض المتنافسة بين ثلاثة أفريقية وستة عربية وثلاثة تونسية اختيرت من بين نحو ثلاثمئة عرض.

وتحل مصر (ضيف شرف) الدورة الجديدة بمناسبة عام الثقافة التونسية المصرية 2021-2022، حيث يستضيف المهرجان بعض الفنانين المصريين أبرزهم سميحة أيوب وأحمد بدير.

ثلاث مسرحيات تونسية

◄ المسرحي التونسي جمال مداني في تكريم عن مجمل أعماله المسرحية

للمرّة الأولى، تتنافس تونس على التانيت الذهبي للمهرجان بثلاثة أعمال مسرحية، وهي “منطق الطير” لنوفل عزارة و”آخر مرّة” لوفاء الطبوبي و”كابوس آينشتاين” لأنور الشعافي.

وتدور أحداث “منطق الطير” وفق القصة الأصلية لكاتبها الفارسي فريدالدين العطار حول رحلة مجموعة من الطيور بحثا عن طائر “السيمرغ” الذي يرمز إلى الخلود والكمال والجمال والسلطان.

وتحمل أحداث مسرحية “منطق الطير” لنوفل عزارة والتي يجسّد الأدوار فيها كلّ من أحمد الدريدي وسفيان بوعجيلة وإسكندر براهم وآمال العيوني وثريا بوغانمي في مضمونها تلميحا للواقع التونسي الحالي، وهو واقع يشبه ترحال الطيور التي تبحث عن سلطان دائم وخالد.

أما مسرحية “آخر مرّة” فتدور أحداثها حول امرأة ورجل (ريم بن حميدة وأسامة كشكار) يعيشان صراعا أبديا ناجما عن حالات العزلة والخوف والشكّ، رغم التواصل الحاصل بينهما ظاهريا.

وتطرح وفاء الطبوبي من خلال المسرحية مجموعة من القضايا التونسية الراهنة والحارقة، أبرزها العنف المسلّط على المرأة في البيت وفي العمل وفي الأماكن العمومية، رغم دورها الفاعل في المجتمع ورغم ريادتها العربية على مستوى الحقوق، إلاّ أنها لم تحظ بالمساواة الفعلية مع الرجل الذي ما زلت تطغى عليه نزعته الذكورية.

في حين تطرح مسرحية “كابوس آينشتاين” المقتبسة عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب التونسي كمال العيادي قضية الزمن والتحوّلات التي يعيشها الإنسان المُعولم في انتقال رشيق بين كاليفورنيا وبين مضارب الخيام العربية، وذلك عبر شخصيات من الزمن الحديث كآينشتاين ومارلين مونرو وأخرى من العصر الجاهلي كعلقمة وحُباب، وهو جمع طريف بين حضارتين وتاريخين متباعدين يُبرزان دون شك أنهم وأننا أيضا، جميعنا ضحايا التقدّم العلمي الذي أصبحت فيه العلوم لهوا باطلا.

الافتتاح شمل تكريم ثلّة من المسرحيين العرب والأفارقة مع لمسة وفاء لمبدعين تونسيين غيّبهم الموت في السنتين الأخيرتين

والمسرحية التي يُؤدّي الأدوار فيها كلّ من البشير الغرياني وعلي بن سعيد وياسين الفطناسي والمنصف العجنقي ولطفي ناجح وآمال العويني وكمال زهيو وآدم الجبالي وأسامة الشيخاوي تنتقد بسخرية جادة مصير الإنسان وسط التنامي التسونامي للتكنولوجيا وسيطرتها على دقائق الحياة المُعاصرة.

وتتسابق الأعمال التونسية مع نظيرتها العربية والأفريقية على جوائز أفضل عمل متكامل، وقيمته خمسة وعشرون ألف دينار تونسي (حوالي تسعة آلاف دولار أميركي)، وكذلك على جوائز أفضل نص وأفضل سينوغرافيا وأفضل إخراج وأفضل ممثل وممثلة.

وتتشكّل لجنة التحكيم برئاسة التونسي معز مرابط، وتضمّ في عضويتها كلّا من الجزائري الأخضر منصوري واللبناني هشام زين الدين والمصري سامح مهران وكنجني ألامدجردو من التوغو، وذلك بعد تعذّر قدوم عضوي اللجنة لينا أبيض من لبنان بسبب ثبوت إصابتها بفايروس كورونا وخالد أمين بسبب قرار غلق الحدود الذي فرضته السلطات المغربية بعد ظهور السلالة الجديدة من الفايروس.

وبالتوازي مع العروض المسرحية، يبحث المهرجان على امتداد أيامه الثمانية ضمن ندوته الكبرى المعنونة بـ”المسرح في زمن المخاطر” في إشكاليات: “المسرح وآليات التعامل الظرفية والدائمة مع الأزمات والطوارئ والمخاطر” و”المقاربات النظرية للمخاطر ومدى تطويعها لخصوصيات المسرح” و”المعالجة المسرحية كتابة وإخراجا وتقنيّا لموضوعات المخاطر والجوائح والكوارث بأصنافها” و”تأثيرات المخاطر على علاقة المسرح بالسلطة” بالإضافة إلى “الممارسة المسرحية مقاربة وإنتاجا والسلوكات ذات المخاطر“.

ويعتبر مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية التونسية، من أعرق المهرجانات المسرحية عربيا وأفريقيا، وهو الذي تأسّس في العام 1983 على يديْ المسرحي التونسي الراحل المنصف السويسي، وكان ينظم كل سنتين بالتناوب مع أيام قرطاج السينمائية قبل أن يصبح موعدا سنويا لعشاق المسرح. وهو يسلّط الضوء بشكل خاص على المسرح الأفريقي والعربي إلى جانب تقديمه لعروض أخرى من مختلف قارات العالم.

15