أوكرانيا تراهن على المسيرات لتغطية نقص قذائف المدفعية

الطائرات بدون طيار حل فعال من حيث التكلفة لتعزيز نقاط القوة
الثلاثاء 2024/03/19
أهمية متزايدة للمسيرات في الحروب الحديثة

كييف - تراهن أوكرانيا على الاستخدام المكثف للمسيّرات الحربية صغيرة الحجم للتعويض عن ندرة قذائف المدفعية وتقويض القدرات القتالية الروسية، لكن خبراء يرون أنها لن تكون قادرة على تغيير ميزان القوى رغم أنها باتت ضرورية لكلا الطرفين.

وتملأ هذه المسيرات الحربية الصغيرة، خصوصا تلك التي يمكن اقتناؤها من المتاجر، ساحات القتال بالإضافة إلى تلك التقليدية الشبيهة بالطائرات التي تستخدم في تنفيذ هجمات على بعد مئات الكيلومترات.

وتتيح هذه الأجهزة الحديثة لمسيّرها عن بعد تلقي صور من ساحة المعركة مباشرة، كما تتيح تحديد مواقع العدو أو قصفها بذخائر متفجرة في دائرة تتسع لعدة كيلومترات.

وتوضح الباحثة في مركز الأبحاث الأوروبي للعلاقات الخارجية أولريكي فرانك لوكالة فرانس برس “نشاهد حاليا في أوكرانيا استعمالا جد مكثف للمسيرات، حيث تملأ عشرات أو حتى مئات الآلاف منها ساحات القتال”.

وخصصت كييف 1.15 مليار يورو للتزود بمسيّرات ضمن ميزانيتها للعام 2024. كما أعلن الرئيس فلوديمير زيلينسكي أن بلاده سوف تنتج “مليون” مسيّرة هذا العام، علما أنه أسس في فبراير شعبة متخصصة في هذه الأسلحة داخل القوات المسلحة الأوكرانية.

ومن جهتهم يعمل حلفاء أوكرانيا على تعزيز مخزونها من المسيّرات، إذ يرتقب أن تزودها بريطانيا بأكثر من 10 آلاف وحدة، حوالي ألف منها من طراز المسيّرات الانتحارية، فيما تستعد فرنسا لطلب نحو ألفي وحدة من هذا الطراز جزء منها موجه لأوكرانيا. ويقدر مسؤولون أوكرانيون احتياجهم لما بين 100 و200 ألف مسيّرة شهريا.

ويرى الخبيران مايكل كوفمان وفرانتس ستافان كادي في مقال بمجلة المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن “بإمكان أوكرانيا تقليص حاجياتها من ذخائر المدفعية عن طريق زيادة هامة في إنتاجها من المسيرات الهجومية”.

ويكتسي ذلك أهمية أكبر في ظل عجز البلاد عن الحصول على حاجياتها الشهرية من قذائف المدفعية، المقدرة ما بين 75 و90 ألفا، اللازمة فقط لخوض حرب دفاعية علما أنها تحتاج إلى أكثر من ضعف هذا العتاد إذا أرادت تنفيذ هجمات كبيرة، وفق الخبيرين.

ويضيف الباحث في مركز الأبحاث الأميركي أتلانتك كاونسيل ميكولا بيليسكوف موضحا أن المسيرات “تستطيع الاضطلاع بعدد من وظائف المدفعية والصواريخ، مقابل سعر أقل بكثير”.

ويبلغ ثمن مسيّرة تجارية صغيرة بضع مئات من اليوروهات، بينما يعادل عدة آلاف بالنسبة للصواريخ المضادة للدبابات أو القذائف أو المسيرات الانتحارية.

ليست الخيار الأمثل

محللون يرون أن المسيرات لن تكون قادرة على تغيير ميزان القوى رغم أنها باتت ضرورية لكلا الطرفين

عمليا استطاعت المسيرات إلحاق ما بين 65 و85 في المئة من الخسائر التي تكبدتها المواقع العسكرية الروسية، بحسب مصدر عسكري فرنسي.

لكن أولريكي فرانك تشير إلى أن الأوكرانيين “يستعملون المسيرات فقط لأنهم يستطيعون صناعتها أو شرائها، لكنها ليست الخيار الأمثل”.

ولا تتوفر الآليات الموجهة عن بعد سوى على قدرة شحن ضعيفة، لا تتعدى بضع مئات غرامات من المتفجرات، أو في أحسن الأحوال بضع كيلوغرامات بالنسبة للمسيرات التجارية الأكبر حجما.

وبحسب دراسة للباحثة في مركز الأبحاث الأميركي سي.أن.آي.أس ستاسي بتيجون، فإن “المسيّرات الصغيرة حتى لو كانت بعدد كبير لا يمكنها أن تعادل قوة ضربات المدفعية”.

وزيادة على ذلك فإن ثلث الضربات التي تنفذها هذه المسيرات فقط يمكنه بلوغ الأهداف، كما أفاد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر، بسبب التشويش ووسائل الصد الإلكترونية.

وبشكل عام لم يعد بإمكان أوكرانيا الاعتماد على تفوقها في هذا الميدان. فبينما كانت تتوفر في العام 2022 على ما يعادل تسع مسيرات مقابل واحدة فقط لروسيا، “فإنها تكاد تكون نفدت” في مارس 2023.

وتوضح ستاسي بتيجون في هذا الصدد “إذا كانت وزارة الدفاع الروسية استغرقت وقتا قبل تدارك تأخرها في هذا الميدان، فإن القوات الروسية أدركت بسرعة أهمية المسيرات الحوامة التجارية وظهرت مجموعات من المتطوعين لتزويد الجنود المرابطين في الصفوف الأمامية بها وتقديم التدريبات الأساسية لهم”.

وخلال صدها الهجوم الأوكراني المضاد اعتمدت موسكو بشكل كبير على المسيّرات الانتحارية.

وإذا كانت المسيرات ضرورية اليوم في العمليات البرية، فإنها لا تستطيع أن تقدم أكثر من ذلك، كما تتابع الباحثة، معتبرة أن استعمالها المكثف من كلا المعسكرين “يجعل من الصعب تركيز القوى والمباغتة وتنفيذ العمليات الهجومية”.

تكلفة منخفضة

بإمكان أوكرانيا تقليص حاجياتها من ذخائر المدفعية عن طريق زيادة هامة في إنتاجها من المسيرات الهجومية

مع عدم ضمان أوكرانيا حصولها على المزيد من المساعدات العسكرية أصبحت المسيّرات حلا فعالا من حيث التكلفة.

وتزداد مهارة أوكرانيا في تدمير الطائرات من دون طيار، ولكنّ هناك اختلالا متزايدا في التوازن، فالعديد من أسلحتها الدفاعية مثل صواريخ أرض جو تكلف أكثر بكثير مما تكلفه الطائرات من دون طيار. ويقول بعض الخبراء العسكريين إن ذلك قد يكون لمصلحة موسكو على المدى الطويل.

ويرى محللون أن قوة الأنظمة غير المأهولة الجديدة في أوكرانيا هي ابتكار عسكري يعكس الأهمية المتزايدة للطائرات بدون طيار في الحروب الحديثة.

وتم استخدام طائرات الاستطلاع والضربات بدون طيار على نطاق واسع في شرق أوكرانيا بعد بداية العدوان الروسي في عام 2014، وفي مجموعة من مناطق القتال الأخرى على مدى العقد الماضي بما في ذلك سوريا وليبيا وحرب كاراباخ الثانية في جنوب القوقاز.

ومع ذلك، فإن الأعداد غير المسبوقة من الطائرات بدون طيار التي استخدمها الجانبان على مدى العامين الماضيين في أوكرانيا دفعت البعض إلى وصف الغزو الروسي بأنه أول حرب بدون طيار في العالم.

ويؤدي انتشار الطائرات بدون طيار في أوكرانيا إلى تغييرات جذرية في ساحة المعركة.

وأحدثت أساطيل الطائرات بدون طيار ثورة في المراقبة، مما جعل من الصعب للغاية على القادة الاستفادة من عنصر المفاجأة.

ويساعد هذا في تفسير السبب الذي يجعل الجيشين الروسي والأوكراني يجدان صعوبة متزايدة في شن هجمات ناجحة ضد المواقع الدفاعية.

وبالإضافة إلى تعزيز الرؤية في ساحة المعركة بشكل كبير، تعمل الطائرات بدون طيار أيضًا كأسلحة هجومية دقيقة قادرة على تكرار العديد من الوظائف التي تؤديها المدفعية والصواريخ مقابل جزء صغير فقط من السعر.

وعلى مدى العامين الماضيين، تمكن الجيش الأوكراني من دمج الطائرات بدون طيار بنجاح كبير. وقد تم ذلك في الكثير من الأحيان على أساس مرتجل إلى حد ما، مع إنشاء فرق منفصلة للطائرات بدون طيار بشكل مستقل كجزء من وحدات مختلفة.

ومع عدم ضمان أوكرانيا حصولها على المزيد من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة واضطرارها بشكل متزايد إلى تقنين استخدام الذخيرة، أصبحت الطائرات بدون طيار حلاً فعالاً من حيث التكلفة ويعزز نقاط القوة في قطاع التكنولوجيا في البلاد.

ويدرك الرئيس زيلينسكي وقادته العسكريون ذلك بوضوح، ويأملون أن تتمكن قوة الأنظمة غير المأهولة الجديدة من مساعدة أوكرانيا على تعظيم إمكانات الطائرات بدون طيار دون أن تصبح عبئا بيروقراطيا.

6