أوكازيون الشتاء في تونس.. الزبائن يكتفون بالفرجة

التخفيضات الشتوية في تونس تصل إلى حدود 70 بالمائة لكنها لم تغر الزبائن بالشراء، وخذلت الكثير من التجار الذين كانوا يعقدون آمالا عريضة على هذا الموسم.
الاثنين 2019/02/04
الأسعار تطرد الفرحة عن الأطفال

لا يعرف التونسي أين ستأخذه موجة الغلاء التي تطال كل المواد الأساسية، ففي كل مرة يحاول أن يقسم مداخيله الشهرية على مصاريف العائلة الضرورية لا يجد توازن ميزانيته ليتنازل مجددا عن بعض الضروريات، هذا الحال يظهر جليا في موسم التنزيلات الشتوية الذي يشهد عزوف التونسيين عن الشراء فالفرجة هي كل نصيبه من ملابس وهدايا باتت حلما له.

تونس- لم تغر إعلانات التنزيلات الشتوية التي وصلت إلى حدود 70 بالمئة وعلقت على واجهات المحلات التجارية بالعاصمة التونسية، الزبائن بالشراء، وخذلت الكثير من التجار الذين كانوا يعقدون آمالا عريضة على ما يسمى في تونس بـ”الصولد الشتوي” في إحداث حالة من الحركية في حركة البيع بعد موسم سجل ركودا كبيرا.

وذهبت آمال التجار أدراج الرياح وتواصلت حالة الركود في حركة البيع والشراء، رغم أن التنزيلات تراوحت بين 20 و70 بالمئة وفق ما عاينته وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) بعدد من المحلات التجارية المخصصة لبيع الملابس الجاهزة والأحذية المتواجدة بشوارع العاصمة على غرار شارع الحبيب بورقيبة وشارل ديغول وجمال عبدالناصر، فضلا عن المركب التجاري البالماريوم، وهي الأماكن الأكثر استقطابا للزبائن خلال فترة التنزيلات التي انطلقت قبل أيام لتتواصل فعالياتها على مدى ستة أسابيع، وربما يقع التمديد فيها كما حصل في مرات سابقة.

قال صاحب محل لبيع الملابس الجاهزة بشارع شارل ديغول بالعاصمة، أبى الإفصاح عن اسمه، إن المحلات لم تشهد طوابير وازدحاما كما المعتاد في كل موسم يعلن فيه عن التخفيضات، نظرا للوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن التونسي، والارتفاع النسبي لأسعار الملابس الجاهزة والأحذية مقارنة بالإمكانيات المتواضعة للمواطن البسيط الذي بات همه الوحيد شراء المواد الاستهلاكية اليومية لا غير والتي أصبحت ترهق بدورها جيب المواطنين من الطبقات المتوسطة والضعيفة. وعزا الارتفاع النسبي للملابس الجاهزة والأحذية إلى سعي أصحاب هذه المحلات التجارية لتحقيق هامش ربح معقول لا يتجاوز، وفق ما قال، في غالب الأحيان 20 بالمئة خاصة أمام ضرورة دفع هذه الفئة للأداءات ومعاليم الإيجار وفواتير الماء والكهرباء ومصاريف أخرى.

وأكد صاحب المحل التجاري أن التكلفة الباهظة لبعض المواد الأولية التي يستوردها أصحاب المصانع من عدة دول أجنبية، وفي ظل تقهقر الدينار مقارنة باليورو والدولار، تعد من أهم أسباب الارتفاع النسبي للملابس الجاهزة والأحذية.

وأشار التاجر إلى أن جل المواطنين يأتون للفرجة ويطرحون الأسئلة بخصوص الأسعار ومن ثم يرحلون دون أن يشتروا، وهو ما أدى ببعض أصحاب المحلات التجارية المخصصة لبيع الملابس الجاهزة لتغيير نوعية نشاطهم.

من يشتري
من يشتري

وقالت مجموعة من المواطنين الذين تجولوا في بعض المحلات التجارية لبيع الملابس الجاهزة بشارع جمال عبدالناصر، إن الوضع الاقتصادي للأسر التونسية حاليا جعلها تبحث عن حلول أخرى كلفتها أقل على غرار التوجه إلى أسواق الملابس المستعملة والتي شهدت أيضا ارتفاعا بات يقلق أصحاب العائلات خاصة في فصل هذا الشتاء الذي شهد موجة من البرد غير العادية، وشراء السلع المعروضة

على “الأرصفة وعلى قارعة الطريق”، والتسوق عبر الإنترنت الذي بات يسرق الأضواء من هذا الموعد الذي كان في وقت مضى ملاذ العديد من العائلات التونسية. حتى  المحلات التي تبيع الهدايا تعيش فترة من الركود رغم اقتراب عيد الحب والذي اعتاد فيه بعض التونسيين على شراء الساعات والنظارات والعطور بهذه المناسبة لتقديمها عربون محبة للأعزاء على قلوبهم.

وأفادت أستاذة االتعليم الثانوي بالضاحية الجنوبية للعاصمة، عبير المانسي، أن الأزمة الاقتصادية جعلت الناس أكثر حكمة في الإنفاق، ويحاولون الاستغلال الأمثل لقدراتهم الشرائية بالتوجه نحو أماكن أخرى تكون الكلفة فيها أقل بما لا يضر بجيب المواطن التونسي.

وأكدت أن بعض المحلات التجارية غالطت المواطنين؛ إذ أن اللافتات الكبيرة المعلقة على واجهات عدد منها كتب عليها تخفيض بنسبة 70 بالمئة، وهي وفق رأيها مغالطة كبرى، مضيفة أن الملابس ذات الجودة العالية والماركات العالمية لا تتجاوز نسبة التنزيل فيها على أقصى تقدير 20 بالمئة إذ لم يستثنها التجار من التخفيض أصلا. وقالت إنها قامت بجولة قبل موسم “الصولد” وتمكنت من تسجيل أسعار لأنواع متنوعة من الملابس متواجدة بأكثر من محل، لكنها اكتشفت منذ اليوم الأول من التنزيلات الشتوية أنها “مغالطات وتخفيضات وهمية باعتبار أن الملابس تباع بنفس الثمن تقريبا”.

هذا الكلام يؤكده الصحافي مصباح جدي على صفحته في الفيسبوك قائلا إن التنزيلات كذبة كبيرة، حيث ذهب قبل يوم لشراء حذاء كان ثمنه 120 دينارا (حوالي 40 دولارا أميركيا)، لكن البائعة نصحته بأن يعود في اليوم التالي لأنه اليوم الأول من موسم التخفيض الشتوي. وفي الغد تفاجأ حين وجد نفس الحذاء بـ180 دينارا، وعليه خصم بـ30 بالمئة ليصبح الحذاء بـ126 دينارا.

وحذرت المانسي أصحاب المحلات من الحيل التي يمارسونها على المواطن التونسي الذي أصبح على وعي كامل بالتخفيضات الوهمية، وبالتالي بات جل المتسوقين يراقبون السوق ويسجلون الأسعار قبل موسم التخفيضات ويقارنون بما يقدمه التاجر من تخفيض.

الغلاء والإشهار الكاذب وراء العزوف عن الشراء
الغلاء والإشهار الكاذب وراء العزوف عن الشراء

واعتبر رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، في هذا الخصوص، أن وعي المواطن التونسي بالتخفيضات الوهمية والإشهار الكاذب من أهم العوامل التي جعلت المواطن التونسي يفقد الثقة في أصحاب المحلات التجارية وفي التنزيلات المعروضة. وأشار لطفي الرياحي إلى أن العديد من المحلات التجارية المخصصة لبيع الملابس الجاهزة والأحذية تقوم خلال “موسم الصولد” بتلصيق ترقيم ثلاثي جديد يحتوي على السعر الأصلي للملابس يكون مختلفا عما كان عليه من قبل، والسعر بعد التخفيض، مع نسبة التنزيل، ثم يستثني صاحب المحل المنتوج من التنزيل ويوهم المتسوق ويقنعه بشرائه.

ودعا الحكومة التونسية إلى عدم توريد أي منتوج له مثيل في تونس للحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، علاوة على تحديد هامش الربح لأسعار الملابس الجاهزة والأحذية، خاصة أمام ما يستحوذ عليه الوسيط وهو حلقة الوصل بين التاجر وصاحب المصنع من هامش ربح عال وغير معقول، يتجاوز، على حد قوله، في غالب الأحيان 60 بالمئة.

ومن جانبه، قال المدير الجهوي للتجارة بتونس ياسر بن خليفة، إن الإقبال المتواضع للمواطنين خلال الأيام الأولى من موسم التنزيل الشتوي الذي شارك فيه 765 محلا تجاريا، يرجع إلى الظروف المناخية الصعبة، إذ تزامنت فترة التخفيضات مع نزول كميات هامة من الأمطار وبرودة الطقس، تضاف إلى ذلك الظروف الصعبة التي يمر بها المواطن التونسي في الوقت الراهن نظرا لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية مما جعله غير قادر على توفير المال لشراء حاجياته في مثل هذه المناسبة.

وأشار بن خليفة إلى أن نسب التنزيلات الشتوية في أسعار الملابس الجاهزة والأحذية تراوحت هذه السنة بين 20 و70 بالمئة في أكثر المحلات المشاركة، مؤكدا أن فرق المراقبة تعمل يوميا منذ انطلاق موسم التنزيلات للتصدي لمخالفات البيع وعدم التزام التجار بالحد الأدنى من التخفيضات الذي لا يقل عن 20 بالمئة هذه السنة من السعر الأصلي.

ووفق ما أكده المدير الجهوي للتجارة بتونس، تم رصد 49 مخالفة اقتصادية تتعلق أغلبها باعتماد بيع بالتنزيلات غير القانونية على غرار الإشهار الكاذب وعدم إشهار أسعار المنتوجات المعروضة.

20