أوقاف مصر تحاصر تشدد المساجد في رمضان

المؤسسات الدينية الرسمية تدرك أن استمرار فراغ الفتوى في المساجد خلال رمضان قد ينتج عنه المزيد من التطرف.
الاثنين 2023/03/20
تنظيم المساجد يمنع استغلالها لأهداف الإسلاميين

القاهرة - عكست تحركات قامت بها وزارة الأوقاف المصرية للسيطرة على المساجد خلال شهر رمضان رغبتها في مواكبة الإقبال المتوقع على دور العبادة طوال فترة الصيام، وكشفت عن وجود توجه رسمي لتطبيق خطة انتهجها من قبل سلفيون للهيمنة على المساجد خلال هذا الشهر لتحقيق المزيد من التقارب مع الشارع.

وسمحت وزارة الأوقاف بالاعتكاف والتهجد في المساجد دون تحديد سقف زمني لصلاة التراويح، على أن يكون ذلك تحت متابعة من الأئمة التابعين لها، ولا يتم ترك الساحة أمام السلفيين للتحكم في الاعتكاف وطقوسه، حيث اعتادوا تجميع الناس حولهم طوال شهر رمضان وقيادة تحركاتهم في غالبية المساجد.

وظلت الأوقاف المصرية تتعامل مع التهجد والاعتكاف في المساجد بحساسية مفرطة خشية استغلالهما سياسيا من جانب تيارات متشددة تحرض الناس ضد الحكومة، وتزرع في عقولهم أفكارا مغلوطة، لكنها قررت إفساح المجال أمام الراغبين للبقاء في المساجد على أن يكون ذلك تحت أعينها.

وقطعت الوزارة الطريق على المتشددين فكريا لمنع توظيفهم للفتوى لمآرب خاصة أو سياسية وقررت التوسع في جلسات الفتوى اليومية بالمساجد لإحكام السيطرة على الخطاب الديني وانتزاع ورقة مهمة من خصومها، بحيث وفرت في المساجد الكبرى والحيوية رجال فتوى من المدربين بعناية.

سامح عيد: السيطرة على المساجد في رمضان ضربة للإسلاميين والسلفيين
سامح عيد: السيطرة على المساجد في رمضان ضربة للإسلاميين والسلفيين

وتكون المساجد المصرية خلال شهر رمضان ساحة للفتوى جراء زيادة أعداد من يستفسرون عن الجوانب الدينية والتعاملات اليومية بمستوى يزيد عن الأيام العادية، وهي ثغرة استغلها شيوخ التيار السلفي أمام تجاهل وزارة الأوقاف لتثبيت مفتين عقلانيين في المساجد، حتى أصبح هناك فراغ شاسع ملأه إسلاميون.

وأدركت المؤسسات الدينية الرسمية أن استمرار فراغ الفتوى في المساجد خلال رمضان قد ينتج عنه المزيد من التطرف، لذلك توسعت في تشكيل مجالس من مفتين وشيوخ تابعين لها في دور العبادة للرد على طلبات الجمهور ومواجهة نفوذ الخطاب الديني السلفي الذي تمدد لتعويض إقصائه من الإمامة والخطابة.

وجرى اختيار عدد من الأئمة والمفتين من الأوقاف ورجال الأزهر، وبدأت الوزارة تعتمد بشكل أكبر على الواعظات لتقديم الفتاوى النسوية، حيث عمدت نساء التيارات الإسلامية إلى التركيز على الفتيات والأمهات اللاتي يذهبن للصلاة بمساجد السيدات، والإجابة على تساؤلاتهن ومحاولة استقطابهن من خلال خطاب ديني عاطفي.

ولا تزال الفتوى من أقوى أسلحة جماعة الإخوان والقوى السلفية لمناكفة النظام المصري ردا على ثأر سياسي أو محاولة الحفاظ على ما تبقى من وجودهم على الساحة، فالمهم ألا يبتعدوا عن المشهد، وفي كل عام يبدو شهر رمضان فرصة ثمينة لإعادة ترميم القواعد الشعبية للتيارات الإسلامية واستقطاب المزيد من الناس إليهم.

ويرتبط المسار الثالث لوزارة الأوقاف بإحكام القبضة على مراكز تحفيظ القرآن لوقف توظيف السلفيين لها كمساجد بديلة عبر استمالة أكبر عدد من الأطفال والمراهقين والشباب بذريعة تحفيظهم القرآن ثم تتحول الجلسات إلى ما يشبه الخطب الدينية، وخلالها ينشر الشيخ السلفي ما يشاء من أفكار ومعتقدات.

وشملت الخطة زيادة أعداد دور وجلسات تحفيظ القرآن في المساجد والساحات التابعة لها من خلال محفظين ينتمون إلى المؤسسة الدينية الرسمية بعد أن خضع هؤلاء لاختبارات فكرية وسلوكية، إضافة إلى التحري المسبق عن أفكارهم وتوجهاتهم ومدى انتمائهم لتيارات إسلامية، بحيث تكون كتاتيب القرآن جميعها تحت السيطرة.

وكثيرا ما جرى اتهام الكتاتيب القرآنية التابعة للسلفيين أو الجماعات الإسلامية عموما بانحرافها عن الدور المرجو منها لكونها من السهل أن تتحول إلى بؤر لاستقطاب شريحة من المراهقين والشباب إلى تيارات متشددة عبر تلميع التنظيم التابع له من يقوم بالتحفيظ، سواء أكان سلفيا أو إخوانيا، لكنه لا يظهر علانية لتجنب افتضاح أمره.

ويرى متابعون للمشهد الديني أن السيطرة على كتاتيب تحفيظ القرآن تغلق الباب أمام تيارات إسلامية متشددة دأبت على التعامل مع هذه الكيانات على أنها الباب الخلفي الذي تنفذ من خلاله خطتها لاستقطاب الشباب والمراهقين والوصول إلى أسرهم بعد أن وجد هؤلاء في مدارس تحفيظ القرآن طريقا للتخفي في عباءة دينية مقبولة اجتماعيا وعليها إقبال من مختلف الفئات.

◙ محاولة السيطرة على المساجد في رمضان بضرب الثغرات التي كان ينفذ منها السلفيون
◙ محاولة السيطرة على المساجد في رمضان بضرب الثغرات التي كان ينفذ منها السلفيون 

ويعتقد هؤلاء المتابعون أنه رغم المزايا العديدة للسيطرة على المساجد في رمضان، بضرب الثغرات التي كان ينفذ منها السلفيون من خلال توفير المفتين أو محفظي القرآن وإحكام القبضة على الاعتكاف، فهناك تحديات تواجه ذلك، على رأسها تحرك الدعاة الرسميين وفق مساحة ضيقة ومحاصرتهم بقائمة طويلة من المحظورات.

ولا يحق لأي إمام أو خطيب أو مفت بالمسجد أو محفظ قرآن التطرق إلى كل ما هو سياسي والابتعاد عن النبش في قضايا جدلية والالتزام الحرفي بما يتفق مع رؤية الأوقاف بشأن القضايا الدينية والاجتماعية ما يجعل أئمة وخطباء ومسؤولين عن الاعتكاف والتحفيظ غير مستقلين في تعاملاتهم مع الجمهور بالمساجد.

وثمة معضلة أخرى ترتبط بأن أئمة المساجد والمختصين في مجال الفتوى يفتقدون إلى التحرر الفكري والديني والاستقلالية المطلقة عن المؤسسة الدينية الأم (وزارة الأوقاف)، ما يضعف مواقفهم عند تفنيد حجج المتشددين وادعاءاتهم، فهم يتحركون وفق خطط محددة تضعها الجهة المسؤولة عن المساجد ولا يحيدون عنها.

وقال سامح عيد الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي لـ”العرب” إن خطة السيطرة على المساجد في رمضان ضربة للإسلاميين عامة والسلفيين على وجه الخصوص، لكن تظل المشكلة في أن المنوط بهم التصدي للمتشددين وغلق منافذ وصولهم إلى الناس يتحركون في مسارات تنسجم ضمنيا مع التوجه الرسمي للأوقاف.

الفتوى من أقوى أسلحة الإخوان والقوى السلفية لمناكفة النظام المصري ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من وجودهم على الساحة
◙ الفتوى من أقوى أسلحة الإخوان والقوى السلفية لمناكفة النظام المصري ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من وجودهم على الساحة

وأضاف أنه طالما يخشى كل مفت ومحفظ وإمام اعتكاف على نفسه من الوقوع في المحظور والتطرق إلى قضايا حساسة أو يخاف من التعرض للمساءلة، فإنه سيُفتي ويدير مسجده وفقا لحسابات دقيقة تبعده عن الهدف المطلوب، وهي نقطة قد تستغلها أطراف إسلامية متطرفة للنفاذ إلى الجمهور بطرق ملتوية والترويج لكونهم غير تابعين لجهة رسمية وينقذون تعليماتها.

وصحيح أن الرقابة مطلوبة للمسؤولين عن الخطاب الدعوي، لكن معضلة المؤسسة الدينية أنها تضع رجالها طوال الوقت تحت الضغط والتتبع والتهديد بالعقاب الرادع كي لا يتسبب أيّ منهم في مشكلة تكون لها تداعيات سياسية أو اجتماعية، على اعتبار أنهم يمثلون جهة رسمية، في حين يتحرك السلفيون بمنتهى الأريحية.

ولا يرغب المؤيدون لمخطط السيطرة على المساجد بنفس أسلوب السلفيين أن يكون هناك التزام حرفي من رجل الفتوى أو الإمام أو المعني بتحفيظ القرآن بالأجندة المحددة له، بما يجعله أسيرا لها ولا يستطيع الحياد عنها، لأن ذلك يعرقل نجاح المفتين ويحرجهم أمام المستفتين، في حين أن الدعوة الدينية التي لا تلبي تطلعات الناس لن تقصي التشدد، بل قد تزيد منه.

ويمثل تراجع ثقة الكثير من الناس في الفتوى الرسمية تحديا مضاعفا أمام مفتي المساجد لاستقطاب أكبر قدر ممكن من جمهور المنصات والمواقع التابعة لتيارات إسلامية متطرفة، ما يتطلب الابتعاد عن سطحية الفتوى طالما أن انغلاق الخطاب الدعوي وغياب التجديد يقودان إلى تسريع وتيرة نفاذ المتطرفين إلى المجتمع.

وأكد عيد أنه ليس مطلوبا من المنوط بهم السيطرة على المساجد في رمضان أو غيره من باقي شهور السنة التماهي السياسي مع الحكومة، لأن ذلك يعطى انطباعا بأن ما ينبثق عن المؤسسة الدينية يحمل أجندة محددة، ما يصب في صالح السلفيين الذين أصبحوا يعوّلون على تراجع ثقة الناس في الداعية والمحفظ والمفتي الرسمي للبقاء في المشهد.

وإذا نجحت الأوقاف في ضبط المدارس القرآنية وإبعاد المتشددين عنها بمحفظين وسطيين، فقد تصطدم بمعضلة معقدة ترتبط بأن بعض الأهالي يستعينون بمحفظين من المحسوبين على السلفية داخل المنازل، أيّ أن هذه العناصر نجحت فعليا في أن تسيطر على أرباب الأسر ولا تمانع في تحوّل البيت إلى مسجد صغير، ما يفرض على المؤسسة الدينية جهودا مضاعفة لغلق منابع التشدد لتكون المساجد الشرعية هي الأساس في كل شيء على مستوى الفتوى وتحفيظ القرآن والدعوة.

7