أوروبيون جزائريون يفضلون البقاء في الجزائر بعد رحيل فرنسا

المستوطنون الأوروبيون كانوا مرتبطين جميعهم بالجزائر ارتباطا قويا.
الأربعاء 2022/02/23
تاريخ وإرث مشترك مع الجزائريين

الجزائر – مع اقتراب ذكرى مرور ستين عاما على توقيع اتفاقيات إيفيان التي مهدت لنهاية حرب الجزائر واستقلالها بعد أكثر من 130 عاماً من الاستعمار الفرنسي، لا يزال الأوروبيون المولودون في الجزائر والذين بقوا في وطنهم الأم يعرّفون أنفسهم بالجزائريين الحقيقيين.

وتقول ماري فرانس غرانغو المولودة قبل 84 عاما في الجزائر “أسفي الوحيد هو أنني لم أتعلّم اللغة العربية بشكل جيد”.

وتضيف السيدة التي عاشت آنذاك في بيئة “أوروبية خالصة” أنها خلال دراستها في الجزائر “حتى السنة الثالثة ثانوي، لم يكن هناك طالب جزائري واحد يدرس معي”.

وولدت غرانغو في الشلف غرب الجزائر على بعد 200 كيلومتر عن العاصمة، وقضت طفولتها غير بعيدة عن هذه القرية آنذاك مع جدتها لأبيها في واد رهيو، بعدما التحق والدها بجبهة القتال في بداية الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).

وإثر عودته انتقلت العائلة إلى الجزائر العاصمة لتتابع ماري فرانس تعليمها، لأن “لا مدرسة” في قريتها.

وتعرّفت على زوجها جان بول غرانغو في تجمع للشباب المسيحيين البروتستانت، وتزوجا في العاشر من مارس 1962 قبل أسبوع من التوقيع على اتفاقيات وقف إطلاق النار في إيفيان (وسط شرق فرنسا) بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الوطني.

الأوروبيون المولودون في الجزائر والذين بقوا في وطنهم الأم، لا يزالون يعرّفون أنفسهم بالجزائريين الحقيقيين

وقبل استقلال الجزائر بفترة وجيزة في يوليو لحقت غرانغو زوجها إلى فرنسا بعد استدعائه للخدمة العسكرية، لكن الزوجين “عادا بشكل نهائي” في بداية عام 1963 عندما تحصل جان بول غرانغو على وظيفة في العاصمة الجزائرية.

وخلال سنتي 1961 و1962 تواصل زوجها الطبيب مع مناضلي جبهة التحرير الوطني الذين أمدهم بالأدوية والدم، وفق ما تقوله زوجته.

ومثل عائلة غرانغو اختار البعض من “الأقدام السوداء” -وهو الوصف الذي يطلق على الأوروبيين المولودين في الجزائر وقت الاستعمار والذين شاركوا أحيانًا في الكفاح من أجل الاستقلال- عدم الرحيل.

وتوضح “كان المستوطنون الأوروبيون مرتبطين جميعهم بالجزائر ارتباطا قويا، ولهذا السبب كانت مغادرة البلاد مأساة بالنسبة إليهم”.

وكان عدد المستوطنين في عام 1963 قرابة مئتي ألف مستوطن لم يبق منهم عام 1993 سوى 30 ألفا، وفقًا للمؤرخة إيلان براكو. ورحل عدد كبير من هؤلاء إلى فرنسا خلال العشرية السوداء (1992 – 2002).

وتقول غرانغو “لم نسع للعيش مع الأوروبيين الآخرين الذين بقوا في الجزائر، بل أردنا التعرف على الجزائريين والاختلاط بهم”. وتشير إلى أن زوجها كان يحاول “الاستجابة لاحتياجات المرضى وطلاب كلية الطب بالوسائل القليلة المتوفرة”.

وأصبح جان بول -الذي حصل على الجنسية الجزائرية عام 1970- أستاذًا في طب الأطفال في مستشفى بني مسوس بالعاصمة، ثم مستشارًا لوزير الصحة عام 1994.

وتوفي الطبيب -الذي وضع جدول تطعيم الأطفال في الجزائر- في أغسطس 2020 عن عمر يناهز 82 عامًا.

ويحمل ثلاثة من أبناء عائلة غرانغو الخمسة أسماء جزائرية. فقد “نشأوا هنا وذهبوا إلى المدرسة في الجزائر ويتحدثون العربية بطلاقة”، وفق ما تقوله والدتهم. وتضيف “حتى أننا كنا بالكاد نفهم ما يقولون عندما كنا نستمع إليهم يتحدثون مع بعضهم البعض باللهجة الجزائرية”.

وحصلت ماري فرانس مثل زوجها على الجنسية الجزائرية عام 1972، و”كان ذلك خيارا”، وفق قولها.

عدد المستوطنين كان في عام 1963 قرابة مئتي ألف مستوطن لم يبق منهم عام 1993 سوى 30 ألفا

وكان الزوجان غرانغو “شابين ومتفائلين”. وتقول ماري فرانس “قلنا لأنفسنا هذا وطننا، لقد ولدنا هنا وسنبقى هنا”، ولو واجها صعوبات.

وتؤكد المرأة التي أمضت معظم حياتها المهنية موظفة في وزارات أنه “ليس من السهل ألا تكون مثل بقية الناس، ولا تلقى دائمًا قبولا. ألا تكون مثل بقية الناس يعني ألا تكون مسلمًا، وأن تكون من أصل فرنسي وتحمل إسما كإسمنا”.

ومن الأوروبيين الجزائريين عائلة كارولين ألتيراك جانسن التي تبلغ اليوم 69 عامًا. غادرت عائلتها وهران (غرب) عام 1959 عندما نُقل والدها إلى العمل في فرنسا.

لكن عائلتها لجهة أمها “تقطن في الجزائر منذ خمسة أجيال”. وتقول “اخترت العودة إلى الجزائر في عام 2006 للإشراف على الأعمال العائلية التي أنشأها أجدادي في عام 1918”.

ولديها “ذكريات كثيرة عن الطفولة والمراهقة خلال العطل السنوية” التي قضتها عند جدّيها أو أبناء عمومتها، وتقول “كنا جميعًا أبناء أرض الجزائر”.

وبعد الاستقلال بقي جزء من عائلتها الكبيرة في الجزائر حيث كانت “جذورهم”، ولأن حياتهم الاجتماعية والمهنية كانت “راسخة فيها (الجزائر) بقوة”.

وتقول كارولين في شقتها بالعاصمة الجزائرية “اليوم أنا جزائرية بالقلب في هذا البلد الرائع وغير المعروف، وأنا أدافع عنه بشدة”.

وتضيف أنها “فخورة أيضًا بكونها فرنسية على أرض الجزائر ويشرفها أن يتم الترحيب بها على هذا النحو”.

وتروي كارولين قصة شانتال لوفافر، وهي “جزائرية أخرى بالقلب” أسست عائلتها مطبعة موغان في عام 1867. وبعد قضاء جزء من حياتها في إسبانيا إثر الاستقلال عادت في سن الـ48 إلى الجزائر في خضم الحرب الأهلية (1992 – 2002) من أجل إعادة تشغيل المطبعة. وتوفيت في مسقط رأسها عام 2015 عن عمر يناهز 70 عامًا.

6