أوروبا تراجع علاقتها مع مصر حفاظا على مصالحها

تدفع الأوضاع الإقليمية والعالمية بدول المنظومة الأوروبية إلى مراجعة سياساتها الخارجية، سواء بشكل منفرد أو في إطار السياسة الأوروبية عموما، ويتجلّى ذلك واضحا من خلال القرار الأوروبي المؤثّر في عديد الملفات الدولية، والحراك الدبلوماسي النشط، الذي يمكن تلمّسه من خلال العلاقات المصرية الأوروبية، التي بدأت تصحّح مساراتها بصورة كبيرة، بما ينطوي على مزيد من التعاون خلال الفترة المقبلة.
ويمكن استشراف بوادر التحسّن في العلاقات بين مصر ودول أوروبا من خلال عدّة أمثلة، على غرار الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لألمانيا مؤخّرا، كما أن تلقيه دعوة لزيارة بريطانيا قريبا عزز هذا الاتجاه.
وكشف لقاء السيسي مع وزير خارجية فرنسا في القاهرة، والتباحث حول مبادرة فرنسية لتنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط، حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه القاهرة في هذا الفضاء.
وقال السفير بدر عبدالعاطي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن علاقة مصر مع الدول الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي متميزة، حيث طلبت المفوضية الأوروبية تعزيز العلاقات الثنائية، وإعادة تفعيل كافة الأجهزة المؤسسية المشتركة، لاستكمال المباحثات الخاصة ببلورة خطة عمل جديدة بين الجانبين، واستئناف اللجان الفرعية وصولا لعقد اجتماع مجلس المشاركة على مستوى وزراء الخارجية، ما يرسخ عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
مصر ليست وحيدة في إدارة علاقاتها مع أوروبا أو مع المجتمع الدولي بل تساندها دول الخليج من خلال دبلوماسية نشطة
وأوضح عبدالعاطي، في تصريح لــ”العرب”، أن جميع اللقاءات المصرية والأوروبية عكست تفهما في وجهات النظر حول عدد كبير من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الوضع في سوريا وليبيا، وملف عملية السلام، وجهود مكافحة الإرهاب، والرغبة في دعم التحول الديمقراطي، والإصلاح الاقتصادي في مصر، الأمر الذي ظهرت تجلياته في التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات.
يؤكّد العديد من الخبراء على أن هذه المؤشّرات دليل على أن هناك نقلة نوعية في التعاون بين الجانبين، خاصة أنه قد سبقتها تطورات في العلاقات مع كل من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا واليونان، وعدد آخر من الدول الأوروبية، وهو ما ينبئ بقرب حدوث تغيرات كبيرة في المواقف الأوروبية من بعض القضايا الشرق الأوسطية، التي لمصر حسابات فيها مختلفة عن بعض الجهات الغربية.
نقلة نوعية
يعتبر ملف الإخوان من أبرز نقاط الخلاف بين مصر والدول الأوروبية، لكن هناك بوادر تغيير في الموقف الأوروبي، حيث تؤكّد دراسة بعنوان “أوروبا تتجه للتهدئة مع مصر للحفاظ على مصالحها”، صدرت عن المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية في القاهرة، تؤكّد الموقف الأوروبي تجاه دعم جماعة الإخوان المسلمين سوف يتغير لينتقل إلى تبنّي سياسة “الدعم الحذر”. وأرجعت الدراسة السبب في ذلك إلى تنشيط بعض دول الخليج لعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأوروبية، وسعي الدول الغربية للحفاظ على مصالحها مع مصر.
|
وتوقعت الدراسة اتجاه الموقف الأوروبي إلى التهدئة من خلال تشجيع بدء عملية الحوار والمصالحة بين القوى السياسية في مصر.
وقالت إن هناك ثلاثة متغيرات تحكم عملية التغيير هذه:
* أولها، أن مصر ليست وحيدة في إدارة علاقاتها مع أوروبا أو مع المجتمع الدولي، بل تساندها دول الخليج من خلال دبلوماسية نشطة، وهي تدفع بجدية في هذا المسار، وبالنظر إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية للدول الأوروبية مع دول الخليج، فإنها لن تغامر بهذه المصالح.
* ثانيها، أن الدول الأوروبية براغماتية، وتضع في اعتبارها مصالحها الرئيسية في مصر، ويأتي على رأسها التعاون لمحاربة الإرهاب في المنطقة.
* ثالث المتغيرات، أن الدول الأوروبية أضحت بعد خبرة تعاملها مع دول المنطقة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، أكثر تفهما لتعقيدات المرحلة التي تمر بها مصر حاليا، وما يرتبط بها من ضغوط أمنية تستدعى التعامل معها بمعايير مختلفة تتفق وطبيعة المرحلة.
من جانبه، قال حاتم سيف النصر، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأوروبية، إن المسؤولين بالمفوضية الأوروبية أبدوا في كل اللقاءات المشتركة تفهمهم لتحديات التحول الديمقراطي، إلى جانب التحديات الأمنية التي تمر بها مصر في هذه المرحلة، وكشفوا عن اهتمام بالانتهاء من استكمال المرحلة الثالثة من خارطة الطريق، ودعم الجهود المصرية في مجال مكافحة الإرهاب.
وأوضح سيف النصر أن اجتماع سفراء لجنة الشؤون السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي مع سامح شكري وزير الخارجية في ديسمبر الماضي لبحث سبل تعزيز التعاون في مجال الإرهاب، كان نقطة تحول مهمة، كما أن عقد الحوار الاقتصادي المصري- الأوروبي في فبراير الماضي، لبحث تبادل الخبرات حول السياسات النقدية والمالية التي يتبعها كل جانب، مثل إضافة لتقريب المسافات على المستوى الاقتصادي.
وتابع سيف النصر، في تصريحات لـ”العرب”، أن مصر نجحت في الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على التوقيع على اتفاقية الدعم المالي الموحد للعام المقبل، والتي تتضمن أولويات التعاون خلال العام المقبل. وتقدم المفوضية الأوروبية بموجب الاتفاق حوالي 250 مليون يورو لمصر، وكذلك الاتفاق مع الاتحاد من أجل المتوسط على تنفيذ عدد من مشروعات التنمية الحضرية.
|
الدور الخليجي
أشار السفير محمد شاكر، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، وسفير مصر في بريطانيا سابقا، إلى أن بعض الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا، كان لديها ظن بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي لن ينجح في إدارة البلاد، إلا أن عبوره من عنق الزجاجة والقرارات الاقتصادية والمشروعات التنموية، لاسيما مشروع قناة السويس الجديدة، ساهم في إعادة الثقة، كما لعب دعم دول الخليج دورا في تعزيز مكانة مصر.
وأضاف شاكر، في تصريح لـ”العرب”، أن بريطانيا مثلا فقدت جزءا كبيرا من نفوذها في المنطقة، بعد انهيار العراق المحطة الأولى للتواجد الاقتصادي البريطاني في المنطقة، لذلك تحاول تعويض هذا بالتواجد في المنطقة عن طريق بوابة مصر الإقليمية.
وشدد شاكر على أن ملف الاستثمارات الاقتصادية ومكافحة الإرهاب، تعد من الملفات الرئيسية التي تتحكم في دفة العلاقات الأوروبية – المصرية، علاوة على الأزمة الليبية ومحاربة داعش والهجرة غير الشرعية.
ووصف حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث السياسية والجنائية، الدعوات التي يتلقاها الرئيس السيسي لزيارة العواصم الأوروبية، بالإيجابية والمهمة لتمتين العلاقات بين مصر وهذه الدول.
وقال سلامة، لـ”العرب”، إن بريطانيا كانت منصة للإخوان لمهاجمة النظام المصري بعد 30 يونيو، ودعوة كاميرون للسيسي لزيارتها من الممكن أن تهدم، أو على الأقل تخفف الصواريخ التي تطلقها هذه المنصة، مؤكدا أن أوروبا تدرك أهمية مصر الإستراتيجية.
وشدد سعيد اللاوندي، الخبير في الشؤون الأوروبية، أن دبلوماسية الديمقراطيات الغربية ظلت مع مصر متقلبة، وتتسم بقصر النظر، منذ تحقيق نصر أكتوبر عام 1973 الذي لم يكن متوقعا بالنسبة إلى الغرب.
كل هذه العوامل، فتحت آفاقا جديدة للتعاون بين مصر ودوائر غربية متعددة، وهو ما ينعكس حتما على التفاهم حول عدد من الملفات السياسية الحرجة والشائكة.