أوبك تتسيد مشهد الإنتاج النفطي: وداع بلا دموع لثورة النفط الصخري

تباطؤ إنتاج النفط الصخري الأميركي الذي كان ورقة أميركية لترجيح أسعار النفط، يفسح المجال أمام منظمة أوبك لتسيد المشهد، حيث تخطط السعودية والإمارات والكويت لزيادة طاقتها الإنتاجية هذا العقد، لكن تظل هناك مخاوف من عدم قدرة المنظمة على توفير طلبات السوق.
واشنطن - يتوقع المسؤولون التنفيذيون في الصناعة الأميركية عودة أوبك لتكون القوة الأكثر نفوذا في إمدادات النفط العالمية، ويرجحون أن تبقى كذلك في المستقبل المنظور بعد تباطؤ نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وازدهرت صناعة النفط الصخري في 2010، حيث حفرت الشركات حيثما استطاعت وبما يتجاوز إمكانياتها لتعزيز الإنتاج. ونما المعروض من النفط في الولايات المتحدة بسرعة كبيرة إلى درجة أن أميركا أصبحت تعتبر المنتج المتأرجح الجديد في السوق القادر على ضخّ المعروض بسرعة كلما ارتفعت أسعار النفط العالمية والطلب.
تقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية في أحدث توقعات الطاقة قصيرة المدى هذا الأسبوع أن إنتاج النفط الخام الأميركي سيرتفع من 11.88 مليون برميل يوميا في 2022 إلى 12.44 مليون برميل يوميا هذا العام.
ويبقى النمو المتوقع بـ560 ألف برميل في اليوم على أساس سنوي في مستوى نصف وتيرة نموه قبل الجائحة. وكان إنتاج النفط الأميركي سجل ارتفاعا لعدة سنوات بأكثر من مليون برميل يوميا كل عام حتى 2019، حسب بعض المشاركين في مؤتمر سيراويك الدولي للطاقة بمدينة هيوستن الأميركية الأسبوع الماضي.
ومن المقرر، وفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة، أن يتباطأ النمو أكثر في 2024، حيث من المتوقع أن يبلغ متوسط الإنتاج 12.63 مليون برميل يوميا العام المقبل. ويبقى هذا أقل من 200 ألف برميل في اليوم عن المستوى المتوسط المقدر لعام 2023.
إنتاج النفط الخام الأميركي سيرتفع من 11.88 مليون برميل يوميا في 2022 إلى 12.44 مليون برميل يوميا هذا العام
ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز عن ريان لانس، وهو الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة كونوكو فيليبس، قوله إن مصاعب تلوح في الأفق.
وتعطي صناعة النفط الأميركية الآن الأولوية لعائدات المساهمين رغم انتقادات البيت الأبيض. لكن معدلات النضوب الأسرع في العديد من الآبار تجتمع مع عقبات سلسلة التوريد والعمالة لعرقلة النمو.
وأشارت شركة شفرون الأسبوع الماضي على سبيل المثال إلى أنها أخفقت في تحقيق أهداف أدائها في حوض ديلاوير في بيرميان، ويرجع ذلك أساسا إلى استغلال أعلى من المتوقع.
وسترتفع حصة أوبك في السوق ونفوذها على إمدادات النفط العالمية مع توقف نمو الإنتاج في الولايات المتحدة. ويقول مسؤولون تنفيذيون في النفط الصخري إن المنظمة التي يقودها أكبر منتجيها في الخليج تسيطر الآن على الأسواق.
وقال لانس خلال سيراويك إن “العالم سيعود إلى ما كان عليه في السبعينات والثمانينات ما لم نفعل شيئا لتغيير هذا المسار”.
ويتوقع أن تقفز حصة أوبك في السوق من حوالي 30 في المئة الآن إلى ما يقرب من 50 في المئة في المستقبل، حيث يأتي المعروض الإضافي من أوبك والولايات المتحدة ونمو النفط الصخري.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “بايونير ناتشورال ريسورسز” سكوت شيفيلد لصحيفة فاينانشال تايمز على هامش مؤتمر الطاقة إنه يرى “أن الرائدين الآن هم ثلاث دول، وسيكونون كذلك خلال الـ25 عاما القادمة. وهم السعودية والإمارات والكويت”.
إنتاج النفط في الولايات المتحدة قد ينمو بما يقرب من 600 ألف برميل يوميا، حسب توقعات إدارة معلومات الطاقة هذا العام
تخطط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط هذا العقد. ومن المقرر أن تلبي حصة متزايدة من الطلب العالمي الآن، حيث إن النفط الصخري الأميركي لا يستطيع الاستجابة بإنتاج أعلى. وقال شيفيلد لصحيفة فاينانشال تايمز في وقت سابق من هذا العام إن “نموذج الصخر الزيتي لم يعد بالتأكيد منتجا متأرجحا”.
عادت السوق الآن إلى أيدي أوبك، لكن المنظمة لا تستطيع تلبية كل النمو المتوقع في الطلب بمفردها.
ومن المؤكد أن أكبر منتجي أوبك في الشرق الأوسط يستثمرون لتعزيز الطاقة الإنتاجية، لكن الإنتاج في أماكن أخرى يتقلص أو يتوقف، في حين كان الاستثمار في الإمدادات محبطا لسنوات، حسب مسؤولي أوبك.
وقال الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط الكويتي هيثم الغيص في هيوستن إن زيادة الطاقة والإمداد “مسؤولية عالمية لا تستطيع أوبك تحملها بمفردها”.
وتحتاج صناعة النفط إلى الكثير من الاستثمارات لإبقاء العرض عند المستويات الحالية. وربما تلعب أوبك دورها في ضوء زيادة حصتها في سوق النفط وتأثيرها عليه. لكن قلة من المنتجين الآخرين يتحرّكون مع الرسائل المتضاربة المستمرة من صانعي السياسات حول مستقبل صناعة النفط في عالم يسعى إلى تحقيق صافي الانبعاثات.
ويحذر مسؤولو أوبك منذ سنوات من أن الاستثمار في النفط والغاز يحتاج إلى زيادة كبيرة إذا أراد العالم تجنب الدخول في أزمة إمدادات. ويخشى الأمين العام لمنظمة أوبك أن تُخلق مشاكل أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف لعدم ارتفاع الاستثمارات.
وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي لبلومبيرغ الشهر الماضي “لست قلقا بشأن الطلب… بل ما يقلقنا هو ما إذا كنّا سنحصل على معروض كاف من النفط في المستقبل”.
وتبدو مخاوف المسؤولين الخليجيين في محلها، حيث قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الصادر خلال الشهر الحالي إن نمو الإنتاج في العام المقبل سيصل إلى 190 ألف برميل يوميا فقط، وهو ما سيشكّل تراجعا كبيرا عن توقعات هذا العام.
ويرى بعض روّاد الصناعة أن العالم بلغ النهاية بالفعل. وقال شيفيلد إن “عصر نمو الصخر الزيتي القوي انتهى في الولايات المتحدة. لم يعد نموذج الصخر الزيتي منتجا متأرجحا”.
كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال خلال الشهر الحالي أن العديد من شركات النفط الأميركية تخطط لإنفاق المزيد من الأموال هذا العام مع الحفاظ على ثبات الإنتاج أو تركه يرتفع بشكل طفيف. وذكر التقرير نضوب الحقول والتضخم كسببين رئيسيين لذلك.
ثم استشهدت وول ستريت جورنال في تقرير أحدث خلال الأسبوع الماضي ببيانات حول الإنتاجية أظهرت صعوبة العثور على الآبار الكبيرة في حوض بيرميان، وهو أكبر حقل لإنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. كما أن الآبار الكبيرة الحالية تنتج نفطا أقل مما كانت.
يعدّ النضوب الطبيعي جزءا من حياة شركات النفط، ويستغرق في الآبار التقليدية وقتا أطول. لكنه أسرع في الآبار الصخرية التي يستغرق بدء الإنتاج فيها وقتا أقل بكثير من الآبار التقليدية. ويزداد بذلك نفاد مخزون منتجي الصخر الزيتي.
وعندما ارتفعت أسعار النفط على إثر تحذيرات الولايات المتحدة بشأن غزو روسي وشيك لأوكرانيا في العام الماضي، قررت الشركات التوسع في أجزاء كانت غير جذابة سابقا من رقعة النفط الصخري. وانطلق الحفر في حوض أناداركو في أوكلاهوما وحوض دي.جي في كولورادو، حسب تقرير كولين إيتون الذي نُشر في وول ستريت جورنال خلال فبراير 2022.
ويعتبر محللون أن الأسعار المرتفعة حفّزت التنقيب في مساحات الصخر الزيتي الأقل إنتاجية، لأن الزيادة الهامشية في الإنتاج يمكن أن تساعد المنتجين على تعويض بعض الخسائر التي تكبدوها أثناء الوباء عندما انهارت الأسعار.
عادة ما تميل الأسعار المرتفعة إلى تحفيز زيادة الإنتاج، ولكن يصعب عدم التساؤل عما إذا وُجد سبب آخر للحفر في مواقع أقل شهرة، بما في ذلك أيوا وكانساس وإلينوي. ويمكن أن يكون السبب الحقيقي هو تراجع مساحات الحفر المتوفّرة.
وأظهرت مراجعة وول ستريت جورنال للبيانات التحليلية قبل سنة أن للعديد من الشركات العاملة في منطقة استغلال الصخر الزيتي أقل من عشر سنوات من الحفر. وتقتصر هذه المدة على ما بين ثلاث وسبع سنوات بالنسبة للشركات الأصغر.
ونفى شيفيلد العام الماضي إمكانية “الاستمرار في النمو بنسبة 15 في المئة إلى 20 سنويا”. وأكّد أن المخزون سينضب بالنسبة للجميع.
قد ينمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة بما يقرب من 600 ألف برميل يوميا، حسب توقعات إدارة معلومات الطاقة هذا العام. كما قد تكون النسبة أقل بكثير من ذلك، حسب توقعات شيفيلد وغيره من المديرين التنفيذيين الآخرين في الصناعة. لكن المؤكّد هو أن المستقبل سيشهد تراجعا في الإنتاج.