أوبك+ أمام اختبارات لاستراتيجيتها في موازنة السوق

تضغط تطورات الأزمة الصحية العالمية وأيضا التطورات السياسية في بعض الدول المضطربة على تحالف أوبك بلس لتدفعه مرغما نحو تغيير استراتيجياته القديمة وتقود قادة الدول الكبرى أيضا إلى تقديم تنازلات في عدد من الملفات تجنبا لحالة ركود جديدة في الأسواق، بالإضافة إلى الوفاء بالالتزامات الدولية بتسريع الانتقال نحو الطاقة النظيفة. وكلّ هذه المتغيرات الفجائية تعقد مهمة أوبك بلس وتجعل جهود أعضائها لإدارة الأسواق مهمة صعبة ومعقدة.
واشنطن – أدى المتحور المكتشف حديثا من فايروس كورونا إلى انخفاض أسعار النفط القياسية، حيث أدت حالة عدم اليقين بشأن تأثيره إلى اضطراب الأسواق العالمية.
وأثارت الإعلانات المتزايدة عن عمليات الإغلاق الأوروبية الجديدة بعض عدم اليقين بشأن آفاق الطلب على النفط بحلول العام الجديد، لكن قيود السفر الدولية الجديدة التي فُرضت ردا على انتشار أوميكرون المبكر من المرجح أن تزيد من إعاقة تعافي الطلب على وقود الطائرات.
ويرجح الباحث في شؤون الشرق الأوسط للاقتصاد والطاقة كولبي كونيلي أن تتابع الدول المنتجة للنفط ضمن تحالف أوبك بلس المؤلف من 23 عضوا الأسعار، حيث تواجه المجموعة الآن مجموعة جديدة من المتغيرات للعام الجديد، وهو العام الأخير الذي فرضت فيه قيود الإنتاج المفروضة استجابة لكورونا للبقاء ثابتة.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز إن أسعار الوقود الآخذة في الزيادة وضعت حكومات العالم في سباق مع الزمن من أجل تحقيق توازن بين تعهداتها بخفض انبعاثات الكربون من جهة والحفاظ على أسعار منخفضة للوقود من الجهة الأخرى.
كيف وصلنا إلى هنا؟

تمر أسواق النفط بمأزق لم يكن من الممكن تصوره قبل أسابيع فقط. كانت الأسعار المعيارية في حالة انتعاش لا يمكن إيقافه على ما يبدو واستمر لعدة أشهر، حيث وصل مؤشر برنت القياسي الدولي إلى أعلى مستوى له منذ سنوات عند أكثر من 86 دولارا للبرميل في أواخر أكتوبر، قبل أن يبدأ الحديث عن إصدار احتياطي البترول الاستراتيجي في فرض ضغط على الأسعار. ثم بعد يوم واحد فقط من عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة، حيث انخفضت الأسعار بما يقرب من 10 دولارات للبرميل عن اليوم السابق، مع استقرار خام برنت عند 72.72 دولار للبرميل مع ورود أنباء عن بدء انتشار متحور جديد.
ومع ذلك، حتى يوم إعلان الرئيس جو بايدن عن اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي، ظلت الأسعار في ارتفاع. ولم يرَ بعض المحللين أن خطوة إدارة بايدن كانت ناجعة سياسيا. فأسعار البنزين والديزل تعتبر تاريخيا موضوعا حساسا في الولايات المتحدة على الصعيد السياسي، ولا شك في أن بايدن، الحزب الديمقراطي، يشعر بالقلق إزاء تأثير التضخم على انتخابات منتصف المدة والتي تفصلنا عنها الآن أقل من سنة.
وأدى ارتفاع أسعار الوقود في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى دعوات لاتخاذ إجراءات من جانب الجمهور والعديد من المسؤولين المنتخبين، مع حرص خصوم بايدن السياسيين على إلقاء اللوم في الزيادات على البيت الأبيض، على الرغم من أن الخيارات السياسية المتاحة للرئيس والتي يمكن أن يكون لها تأثير مباشر ودائم على أسعار النفط الخام قليلة.
ومن المحتمل أن يكون مراقبو استطلاعات الرأي الديمقراطيون قد حفزوا على اتخاذ إجراء من خلال العديد من التقارير التي تفيد بأن أسعار النفط كانت في حالة تمزق تصاعدي من شأنه أن يؤدي إلى وصول سعر برميل النفط الخام 100 دولار قبل نهاية العام الجاري، على الرغم من أن الاحتمالات الفعلية لهذه النتيجة كانت دائما موضع جدل كبير، كما هو الحال مع قدرة الإصدارات نفسها على إحداث التأثير المطلوب على الأسعار.
ومع استمرار عدم استجابة أوبك بلس لدعوات البيت الأبيض المتكررة لزيادة إنتاج النفط، يبدو أن إدارة بايدن تولي أهمية أكبر لخيار إطلاق النفط الخام من احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي، مما أدى في النهاية إلى الإعلان عن أن الولايات المتحدة ستنظم إصدارين مجموعهما 50 مليون برميل من النفط الخام.
وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الهند أنها ستطلق 5 ملايين برميل من مخزونها الخاص، مع إضافة المملكة المتحدة 1.5 مليون برميل أخرى. كما كان من المتوقع أيضا أن تطلق الصين واليابان وكوريا الجنوبية، التي شكلت مجتمعة 60 في المئة من استهلاك النفط في آسيا والمحيط الهادئ في 2020، كميات من المخزونات الاستراتيجية، على الرغم من عدم توضيح التزاماتها بعد.
وفي حين أن إصدارات احتياطي البترول الاستراتيجي من المرجح أن تثير الجدل بين مندوبي أوبك بلس بغض النظر عن قرار المجموعة النهائي، إلا أنها كانت مشكلة لا تزال واضحة نسبيا نظرا لحقيقة أنها تمثل مستوى ثابتا من زيادة العرض التي تتوفر في السوق على مدى زمني محدد.
جهود التحالف لإدارة الأسواق وتحقيق التوازن بين أولويات السياسة ستصبح مهمة معقدة أكثر من أي وقت مضى
ويمكن تعليق خطط المجموعة لمواصلة ضخّ 400 ألف برميل يوميا في إمدادات إضافية على أساس شهري لمدة شهرين لتعويض تأثير إحجام احتياطي البترول الاستراتيجي.
والآن، تستعد المجموعة للتعامل مع السؤال الأكثر صعوبة حول كيف سيشكل متحور كورونا الجديد الطلب على النفط في 2022.
وفي الفترة السابقة استغل قطاع النفط والغاز الطبيعي الارتفاع الحاد في الأسعار في التركيز على المخاطر التي تهدد أمن الطاقة والقدرة على دفع فاتورة التقليل من الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة بسرعة، إذ كان تراجع الاستثمارات في إنتاج الوقود الأحفوري من المخاوف المشتركة في اجتماع هيوستن.
ونقلت فايننشال تايمز عن أمين الناصر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط دعوته زعماء العالم إلى الاختيار بين الاستمرار في الاستثمار في الوقود الأحفوري في السنوات المقبلة أو الاستسلام للمخاطر التي قد تنتج عن الارتفاعات الحادة في معدل التضخم التي تنذر باضطرابات اجتماعية قد تجبر دول العالم على التخلي عن أهداف الانبعاثات.
ولم يكن الناصر الوحيد الذي تناول تلك المخاوف، إذ قال جيف ميللر الرئيس التنفيذي لشركة هاليبرتون لخدمات مواقع إنتاج وحقول النفط إن هناك “تراجعا حادا في استثمارات القطاع على مدار السنوات السبع الماضية”، وهو ما أرجعه إلى الضغوط التي يتعرض لها القطاع من أجل المناخ وعدم توافر رؤوس الأموال بسبب الهبوط الحاد في عائدات القطاع.
وجاءت تلك التصريحات وسط ضغوط من قبل المستثمرين والمجتمع على شركات الوقود الأحفوري لتجعل أنشطتها أقل إضرارا بالبيئة.
إلى أين نتجه
قبل ظهور أوميكرون، كان من المحتمل أن تناقش أوبك بلس مزايا الإيقاف المؤقت لزيادة الإنتاج الشهرية لشهر يناير، اعتمادا على بيئة السعر. وبدا أن الطلب سيستمر في التحسن خارج إصدارات احتياطي البترول الاستراتيجي، حيث تشير معظم التوقعات إلى وجود فائض في سوق النفط في وقت ما في النصف الأول من العام. ومع ذلك، من المرجح أن يفضل التحالف نهجا أكثر حذرا مع اقتراب فصل الشتاء.
وفي الوقت الحالي، من المحتمل أن يتخذ هذا شكل توقف مؤقت عند إضافة أي معروض في يناير مع إبقاء إمكانية تكرار هذا القرار مفتوحا في فبراير.
ومع وجود أوميكرون، يتوقع كونيلي أن تزيد إصدارات الاحتياطي البترولي الاستراتيجي المستمرة حتى ذلك الحين.
وإذا بدا أن البديل الجديد أقل احتمالا لتعطيل السفر والتعافي الاقتصادي، فقد تواصل أوبك بلس زيادات إنتاجها البالغة 400 ألف برميل يوميا في فبراير.
وقد يعكس هذا اتجاها صعوديا بشكل خاص يبدو من الصعب تخيله في الوقت الحالي، ولكن ظهور متحورات جديدة يعد بمثابة بطاقة بديلة للأسواق بحيث لا يمكن استبعاد مثل هذه النتيجة تماما حتى تتوفر المزيد من البيانات حول أوميكرون، والتي يمكن أن تستغرق عدة أسابيع.
ويرى المحلل الاقتصادي كونيلي أنه إذا كان الأسوأ صحيحا، ووضع أوميكرون نظرة مستقبلية قاتمة في جميع أنحاء العالم مع انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء، فقد يفكر التحالف حتى في خفض إنتاج جديد بالإضافة إلى وقف الزيادات. وعلى الرغم من أن هذا من شأنه أن يساعد في وضع حد أدنى للأسعار ومنعها من العودة إلى المستويات المنخفضة التي من شأنها أن تبدأ في توسيع عجز ميزانية البلدان المنتجة، إلا أنه سيعكس أيضا احتمالات غير مؤكدة لاستمرار تعافي الطلب على النفط العام القادم، والذي كان متوقعا على نطاق واسع العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة.
ومع ذلك، فإن أي مسار عمل بدءا من هذه النقطة فصاعدا سيكون صعبا.
ويتوق معظم المنتجين داخل أوبك بلس إلى مواصلة زيادة الإنتاج بعد المصاعب الاقتصادية الناجمة عن تدمير الطلب المرتبط بالوباء في العام الماضي. وبالنسبة إلى آخرين، مثل نيجيريا وأنغولا، وبشكل متزايد العراق والكويت، بدأت مشكلات الإنتاج والبنية التحتية المتدنية في تعقيد عملية رفع الإنتاج فوق المستويات الحالية.
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خلق احتكاك بين أعضاء المجموعة حيث تستمر في التراجع عن تخفيضات الإنتاج حتى 2022، خاصة إذا كان المنتجون الكبار مثل المملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة سيحتاجون إلى زيادة إنتاجهم للتعويض عن الأداء الضعيف المزمن.
ويقول كونيلي إن التحالف سيحتاج أيضا إلى مراقبة تطورين جيوسياسيين رئيسيين سيؤثران على أعضائه في العام المقبل. الأول هو استئناف المحادثات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، مما قد يؤدي إلى تراجع الولايات المتحدة التدريجي عن العقوبات المفروضة على إيران وإضافة ما يصل إلى 1.5 مليون برميل من النفط الخام إلى السوق.
تماما مثل أوميكرون، لا تبدو احتمالات هذه النتيجة واضحة جدا في الوقت الحالي. وربما يكون الأمر غير مؤكد بنفس القدر وهو الانقطاع المحتمل لصادرات النفط الليبي إذا أسفرت الانتخابات المقررة في البلاد في أواخر ديسمبر عن حرب أهلية.
وحافظت ليبيا على صادراتها بأكثر من مليون برميل يوميا منذ رفع الحصار المفروض محليا والذي أدى إلى مستوى إنتاجها إلى ما يقرب من الصفر في أواخر 2020، وقد تؤدي خسارة هذه البراميل بسهولة إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى.
ومن الأمور الحاسمة بالنسبة إلى أوبك بلس أن كلا البلدين معفيان حاليا من حصص الإنتاج، ومن المرجح أن تؤدي إعادة تخصيص الحصص لتشمل أحدهما أو كليهما في استراتيجية موازنة السوق المنقحة إلى انشقاق في صفوف المجموعة.
وما تظهره هذه المتغيرات قبل كل شيء هو أن إدارة السوق من أوبك بلس يبدو أنها ستظل مكونا لأسواق النفط في المستقبل المنظور. ونظرا لأن التحديات التي يواجهها أعضاؤها في التحضير لانتقال الطاقة تتباعد بشكل متزايد، فإن جهود التحالف لإدارة الأسواق وتحقيق التوازن بين أولويات السياسة لأعضائه ستنمو لتصبح مهمة معقدة أكثر من أي وقت مضى.