أهل معان في الأردن يستقبلون الحجاج ويودعونهم بحفاوة

الطريق قسّمت إلى منازل أو استراحات عرفت بمنازل الحج، نظرا إلى طول المسافة حيث تنزل فيها القافلة للاستراحة عدة أيّام.
الجمعة 2022/07/01
حللتم أهلا ونزلتم سهلا

من العادات التي يتفاخر بها أهالي معان في الأردن منذ سنوات طويلة، استقبالهم الحجيج العابرين إلى المكة، يُعدّون لهم موائد الضيافة الغنية بالأطعمة المتنوعة والشرب، ويهيئون لهم سبل الراحة قبل أن يغادروا لمواصلة طريقهم.

معان (الأردن) ـ أخذ الأردني تميم عليان يردد مع غيره من أهل معان “أهلا أهلا بالحجاج”، بينما يقدمون لهم قطع البطيخ الشهي والفاكهة. بهذه الحفاوة يستقبل أهالي معان حجاج بيت الله الحرام كل سنة في محطتهم الأخيرة، قبل مغادرة المملكة إلى الديار المقدسة.

ومنذ القدم، دأب متطوعون مثل عليان على إقامة منصات في واحة معان قبل موسم الحج، لإعداد مجموعة متنوعة من الأطعمة والمشروبات لخدمة الحجاج العابرين.

وقال عليان “توارثنا هذه العادة أبا عن جد وسيتوارثها أبناؤنا من بعدنا، فنحن أهالي معان من الصغير إلى الكبير، رجالا ونساء، نستقبل الحجيج بحفاوة، نفرح بهم ونوفر الرعاية لهم، في مشهد يعزز أواصر الأخوة والمحبة”.

هذا التقليد يعتز به كثيرا سكان مدينة معان الواقعة جنوب الأردن، والتي تقع على الطريق إلى مكة منذ القدم، إذ كانت تربط بين الشام وفلسطين مع الحجاز، حيث كانت استراحة يمر بها الحجاج قبيل تشييد سكة الحديد العثماني.

طرقت قوافل الحجّاج منذ المئات من السنين دروبا رئيسيّة في طريقها إلى مكة المكرمة. وكان الحجاج في طريقهم إلى مكة يتجمعون بأعداد كبيرة تصل إلى الآلاف في واحد من أربعة أماكن، هي العراق ومصر واليمن والشام، ثم تخرج القافلة لأداء الفريضة بإمرة أمير الحج.

ونظرا إلى طول المسافة، فقد قسّمت طريق الحج إلى منازل أو استراحات عرفت بمنازل الحج، حيث تنزل فيها القافلة للاستراحة عدة أيّام، وعادة ما تحوي هذه المنازل آبارا وتجمعات سكانيّة وأسواقا ومساجد.

Thumbnail

بالإضافة إلى حجّاج بلاد الشام، ضمّت قافلة الشام حجّاجا من آسيا الصغرى وشبه جزيرة البلقان، حيث يبدأ مسيرها من دمشق وتشق طريقها عبر قرى الشام إلى أن تقطع عرض البلقاء حتى تصل إلى معان، وكانت معان عند الحجاج أول الحجاز في الذهاب، وآخره في الإياب، وظلّت حتى منتصف القرن التاسع عشر من أكبر البلدان في طريق الحجّ كما يصفها الرحالة الفنلندي جورج فالين عام 1845.

وتحدث واثق أبودرويش، وهو متطوع من مدينة معان، عن هذا التقليد المتوارث قائلا “كنا نستقبل الحجيج، يبيتون في دواويننا، نقدم لهم ما لدينا من الطعام والشراب ونتعايش معهم، وتصل علاقتنا بهم إلى مرحلة نتزوج منهم ويتزوجون منا في الأيام القديمة”.

ومع مرور الوقت أصبح التقليد أكثر تنظيما، وتقام الآن حملة سنوية يطلق عليها “سبيل معان” في الواحة. وتعود الذاكرة الشعبيّة هناك إلى 70 سنة مضت، قدّم فيها المعانيون الطعام والسقاية للحجاج دون مقابل، في ما عرف بإطعام عابر السبيل.

ويروي أبودرويش عادة أهل معان في الخمسينات في استقبال الحجاج، إذ وفّر المعانيون مياها لعابري السبيل مثلما فعل درويش المكيّ صاحب محل بيع الحلويات الشاميّة من بئر في بيته. وفي السبعينات بعثت نساء المدينة الطعام مع أطفالهن إلى المساجد التي ينزل فيها الحجاج.

وقال “أفضل شعور أنك تقدم ما تستطيع للضيوف دون مقابل. فقط نطلب منهم دعاء الخير في مكة المكرمة، ذلك كل ما نطلبه منهم”.

وعبّر أحد الحجاج واسمه نايف المومني عن امتنانه لأهل معان قائلا “لفت انتباهي كرم ضيافتهم، وهذا أمر يفرح القلب. وباعتباري أحج لأول مرة فأنا أكتشف هذا الكرم، رغم أنه ليس غريبا على أهل معان”.

وأوضح حاسم الجازي، مدير واحة حجاج معان، كيف أن أهل معان يحرصون على التمسك بهذا التقليد، قائلا “بالنسبة إلى أهل معان الآن صارت عادة أساسية ثابتة عندهم لا يقدرون على تركها”.

Thumbnail
Thumbnail
20