أهلا بالثقافة الكردية في تركيا إذا كانت في صالح أردوغان

تمنع الحكومة التركية الأقلية الكردية، مثل غيرها من الأقليات، من التمتع بحرية التعبير وتكريس ثقافتها الخاصة. وبعد أن مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رمزا لفك القيود على الأكراد خلال العقد الأول من حكمه، إلا أنه سرعان ما أعاد ممارسات القمع والاضطهاد ضد الأكراد منذ عام 2015. وتزايدت هذه الممارسات تحت غطاء الشرعية منذ إعلان حالة الطوارئ إثر محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي ما أطلق ذراع الرئيس وحكومته لتضييق الخناق على الأكراد ومحاربة ثقافتهم بشتى السبل.
الأربعاء 2017/07/05
وأد الهوية الكردية في تركيا يمر عبر قتل الثقافة

ديار بكر (تركيا) – منذ أن تأسست الجمهورية التركية عام 1923، بهوية وطنية أحادية الثقافة آنذاك، تم منع الأقلية الكردية التي تمثل 20 بالمئة من مجموع سكان تركيا من التعبير عن ثقافتهم الخاصة، وفي بعض الأحيان من التحدث باللغة الكردية. وقام الرئيس التركي الحالي بحل الكثير من تلك القيود حتى نهاية العقد الماضي، فيما وصفه البعض “بانفتاح كردي”، لكن أعمال القمع بدأت في الظهور بعد توقف اتفاقية وقف إطلاق النار مع ميليشيات الأكراد عام 2015.

وبعد فشل الانقلاب ضد أردوغان العام الماضي، قام الأخير بفرض قانون الطوارئ لاستهداف متآمري الانقلاب وأيضا للضغط على الجماعات والحركات التي تشكل إزعاجا للحكومة. وكنتيجة لذلك، تم اعتقال ما يصل إلى 50 ألف شخص ممن يشجعون على تأصيل مفهوم الثقافة الكردية مثل صاحب مطعم الكباب “غوستو” الكردي فورال تانتيكين.

ويكشف مطعم “غوستو” شكلا آخر من أشكال تهديد الثقافة الكردية، إذ لم يلجأ صاحبه إلى افتتاحه إلا في يناير بعد أن أقالت البلدية المحلية معظم أعضاء الفرقة المسرحية التي يديرها مع الكثير من الأكراد في مقاطعته. وقال تانتيكين في حواره مع “نيويورك تايمز”، “السبب وراء ذلك هو منعنا من الأداء باللغة الكردية”.

وبالنسبة لأشخاص مثل تانتيكين، تمثل حادثة المسرح رمزا للاعتداء المستمر على الثقافة الكردية، لقد شكل فرض القيود على حرية تعبير الأكراد في تركيا تراجعاً للإصلاحات التي وضعها أردوغان خلال العقد الأول من حكمه، إلا أن مصير الأكراد في المنطقة ظل منذ فترة طويلة إحدى أهم القضايا الرئيسية التي تشغل مكانة في التاريخ الحديث وتتخطى كل الحدود الدولية والأعراف. وفي مدن أخرى في المنطقة، قام الأوصياء من قبل الحكومة بتغيير تسمية بعض الشوارع التي حملت أسماء لبعض الشخصيات الكردية البارزة، وأزالوا أيضاً تماثيل الأبطال الأكراد، كما تم القبض على أكثر من 12 نائبا من الحزب الرئيسي المؤيد للأكراد في الشهور الأخيرة.

ووقع الصحافيون الأكراد والمؤيدون للأكراد ضحية لقانون الطوارئ الذي تم فرضه على حرية الخطاب. وبحسب تقارير جمعية الصحافيين الحرة، وهي وكالة إخبارية مراقبة مؤيدة للأكراد، ومحظورة في الوقت الحالي، يوجد 173 صحافيا في السجون التركية؛ بينهم 50 ممن عملوا لحساب وسائل إعلام كردية أو مؤيدة للأكراد.

وفي صيف العام الماضي، أُغلقت صحيفة “آزاديا ولات” الناطقة بالكردية إلى جانب 10 قنوات تلفزيونية تبث برامج باللغة الكردية.

وتفيد الحكومة بأن هذه السلسلة المتتالية من أعمال الحظر والإغلاق والاعتقالات شرعية. وقال غاليب إنزاريوغلو، من حزب أردوغان وممثل لمدينة ديار بكر في البرلمان، إن الذين تمت إقالتهم أو اعتقالهم هم ممثلو ومؤيدو حزب العمال الكردستاني. وأشار إلى أن إقالتهم ليست لها علاقة بتقييد الثقافة الكردية وإنما جاءت في المقام الأول استهدافا للعناصر الإرهابية.

شعور أردوغان بخيانة الناخبين الأكراد دفعه إلى اللجوء مرة أخرى إلى موقف الدولة التركية التقليدي بشأن الأكراد

وصرح إنزاريوغلو “تمت بالفعل تبرئة بعض الأشخاص الذين اشتبه في أنهم يمثلون خطرا أو يقومون بنشاط سياسي تحت مسمى الأنشطة الثقافية، لكن لم يتم وقف أي نشاط ثقافي بأي حال من الأحوال”.

لم يعد من الواضح تحديد من له الحق في الدفاع عن الثقافة الكردية، خاصة بعد أن اتضح أن الأكراد لا يشكلون كتلة متماسكة. فقد صوت نحو 30 بالمئة من سكان ديار بكر لصالح الحكومة في الاستفتاء لمنح أردوغان سلطات أوسع. كما ينتمي عشرات الآلاف من الأكراد بجنوب شرقي تركيا إلى قوات “حرس القرى”، الميليشيات التي تدعم الجنود الأتراك في معركتهم ضد حزب العمال الكردستاني.

إلا أن منتقدي أردوغان الأكراد أكدوا نوايا الحكومة، وقال حقي بولتان، رئيس جمعية الصحافيين الحرة، ورئيس تحرير سابق لجريدة “آزاديا ولات”، “هدف الحكومة واضح وهو إنهاء الحركة السياسية وتدمير الثقافة الكردية”.

وأصابت الحملة ضد الثقافة الكردية الكثيرين بالدهشة، لأنهم كانوا على اقتناع تام حتى وقت قريب بأن أردوغان قد خفف القيود المفروضة على الحياة واللغة الكردية بالفعل، وعلى الرغم من عدم اعتراف أردوغان باللغة الكردية كلغة رسمية في الدستور التركي، إلا أنه سمح بتدريسها ضمن مجموعات محدودة على مستوى المدرسة الثانوية، كما أمر بفتح قناة تلفزيونية ناطقة بالكردية.

ويقول مؤيدو أردوغان إنه اضطر إلى التراجع عن ذلك، وقال إنزاريوغلو “إنه حزب العمال الكردستاني الذي سئم من الالتزام بمعاهدة السلام”.

غير أن منتقدي أردوغان يؤكدون من خلاله أنه كان يتوق لهذا القتال. فقد عانى حزبه لتوه من أسوأ أداء انتخابي له خلال عقد من الزمان، وفقد عددا كبيرا من الأصوات الانتخابية التي ذهبت إلى التحالف الجديد المؤيد للأكراد، وحزب وطني يميني آخر معارض لإصلاحاته الكردية.

ودفعه الشعور بخيانة الناخبين الأكراد وسعيه إلى استعادة أصوات القوميين إلى اتخاذ القرار باللجوء مرة أخرى إلى موقف الدولة التركية التقليدي بشأن الأكراد. وقال محمد كايا، رئيس مركز البحوث الاجتماعية الواقع في ديار بكر، “حينها، بدأ أردوغان بشن حرب ثقافية وسياسية كاملة على الأكراد”.

وتمثلت تلك الحروب في عزل إثنين من رؤساء البلديات في المدينة وإلغاء خططهما التي شجعت على تقديم دورات في اللغة كردية مكثفة وممولة من الدولة. ثم تمت إزالة الاسم الكردي للمدينة “أميدا” من بعض اللافتات الموجودة في الشوارع، وتكررت تلك الخطوة في مدن كردية أخرى. وثمة بعض التغييرات التي تحدث في مقاطعة سور القديمة وسط ديار بكر، التي يعتبرها العديد من الأكراد رمزا للأمة الكردية، ولكن تم تدمير العديد من مناطق المقاطعة وتم غلق أخرى.

وقال عبدالله ديميرباس، عمدة سور السابق “يريدون تتريك وأسلمة المنطقة بالكامل”. ومع ذلك، لم تكن الدولة هي العقبة الوحيدة التي تقف في طريق انتشار الثقافة الكردية.

فبعد أن انتقد عبدالله كيسكين، رئيس “أفيستا” أكبر دار نشر باللغة الكردية في تركيا، المتمردين الأكراد بسبب قتالهم في المناطق السكنية مثل سور، تم إحراق مستودعه الذي كان يضم كتبه بشكل غامض بعد بضعة أيام. وقال كيسكين إن الحياة كانت أسوأ في الماضي بالنسبة للمجتمع الكردي. فعندما كان طفلا لم تكن الموسيقى الكردية مسموحا بها.

وأضاف أن الأمور تحسنت هذه الأيام. ففي هذا العام، نشرت مؤسسته وحدها أكبر عدد من الكتب الكردية التي لم يستطع المجتمع الكردي بأكمله أن ينشرها خلال السنوات الـ60 الأولى من الجمهورية التركية، لكنه اعترف كذلك بأن الحكومة تشن خلال العامين الماضيين “نوعا من الانقلاب ضد اللغة والثقافة الكردية”.

12