أهالي غزة يسبحون في المياه العادمة

تلوث البحر يفسد فرص الاستجمام والهروب من حرّ الصيف.
السبت 2021/08/28
المتنفس الوحيد

البحر هو المتنفس الوحيد لأهالي غزة وملاذهم من حر الصيف وانقطاع الكهرباء، لكن نسبة التلوث فيه بالمياه العادمة أي غير المعالجة وصلت إلى 60 في المئة، ما يعني أن من يسبح فيه معرض لمخاطر البكتيريا والأمراض والعدوى، ومع ذلك هناك من يغامر بالسباحة.

غزة (فلسطين) – يُقلّل تلوث بحر قطاع غزة بالمياه العادمة من فرص استجمام السكان خلال الصيف باعتباره المتنفس الوحيد لهذه البقعة الجغرافية المُحاصرة إسرائيليا برا وبحرا منذ نحو 15 عاما.

وقالت سلطة جودة البيئة إن البحر يستقبل نحو 110 آلاف لتر مكعب منها يوميا، تكون إما معالجة بشكل أولي، أو غير معالجة، وفقا لتوفّر الطاقة الكهربائية في محطات المعالجة.

وأضاف عطية البرش، مدير دائرة المختبرات والمقاييس البيئة بسلطة المياه وجودة البيئة، أن آخر نتائج لفحوصات مياه البحر التي جرت بالتعاون مع وزارة الصحة في يونيو الماضي أظهرت أن نسبة تلوث البحر بلغت نحو 60 في المئة.

وتابع “60 في المئة من مياه شاطئ بحر غزة ثبت تلوثها وهي غير صالحة للسباحة والاستجمام”. وأرجع تلوث مياه البحر إلى تصريف كميات كبيرة من المياه العادمة، سواء المُعالجة أو غير المُعالجة، في مياه البحر بشكل يومي.

وارتفعت نسبة التلوث من 20 في المئة خلال عامي 2012 – 2013 إلى 60 في المئة وذلك بسبب “اشتداد الحصار وتفاقم أزمة الطاقة وعدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات المعالجة”، بحسب البرش.

الصورة
محاصرون بالحر ونقص الكهرباء

وأوضح البرش أن 7 محطات لمعالجة المياه العادمة تنتشر في مناطق مختلفة من قطاع غزة. وأضاف أن هذه المحطات خُصصت لـ”معاجلة المياه العادمة، وتصريفها إلى البيئة إما من خلال الترشيح بالخزان الجوفي أو إلى البحر وفقا لمواصفات عالمية”.

وأردف أن الحصار وعدم توفّر الطاقة اللازمة “منعا تلك المحطات من الوصول إلى كفاءتها المطلوبة للمعالجة، بالتالي فهي لم تصل إلى الحد المطلوب لمعالجة المياه العادمة”. وقال “هذه المحطّات بحاجة إلى طاقة بشكل مستمر، فضلا عن حاجتها الدائمة للصيانة”.

ومنذ سنوات يواجه قطاع غزة أزمة حادة في توفير الطاقة الكهربائية، حيث يحتاج إلى نحو 500 ميغاواط من الكهرباء تنتج منها محطة التوليد 60 إلى 80 ميغاواط فقط.

وإضافة إلى تلك الأزمة، فإن الحصار تسبب في عدم توفّر أجهزة ومواد التعقيم التي توصل المياه المعالجة إلى المواصفات الدولية، بحسب البرش.

كما تمنع إسرائيل، وفق البرش، إدخال المواد اللازمة والإنشائية لصيانة وتطوير محطات المعالجة الموجودة، أو استكمال إنشاء بعضها أو إقامة محطات جديدة.

وقال إن تلك الأسباب مجتمعة تتسبب في قصور في “عمل محطات المعالجة”. وحمّل البرش الجانب الإسرائيلي “المسؤولية الكبرى عن مشكلة تلوث الشاطئ”، مناشدا المجتمع الدولي بضرورة الضغط لـ”رفع الحصار عن غزة”.

وفي السياق ذاته قال البرش إن سلطة جودة البيئة ناشدت على مدار سنوات جميع المؤسسات الدولية والمحلية، ووضعتهم في صورة “خطورة تلوث البحر وآثاره على البيئة والإنسان”.

وتابع “كما أوضحنا أن إسرائيل هي المعيق الرئيسي لاستكمال المشاريع التطويرية الخاصة بالشاطئ”. وأشار إلى أن سلطته طالبت المؤسسات الدولية بـ”توفير أجهزة ومواد لتعقيم المواد العادمة الخارجة من المحطات، لكن إسرائيل لم تستجب لتلك المطالب”.

110 آلاف لتر مكعب يستقبلها البحر يوميا، تكون إما معالجة بشكل أولي أو غير معالجة

بدوره أوضح سعيد العكلوك، رئيس قسم النفايات والصرف الصحي في غزة، أن تصريف المياه العادمة إلى مياه البحر يتسبب بتلوث المياه والرمل الرطب والرمل الجاف أيضا على الشاطئ. وتابع العكلوك أن “استجمام الناس قبالة الشواطئ الملوثة وجلوسهم على الرمال الجافة لهذا الشاطئ، يتسبب بنقل الأمراض والملوّثات (الجراثيم والميكروبات) إليهم”.

وأردف “من يجلس على هذا الشاطئ ليس بأمان من العدوى بالملوّثات الموجودة في المياه، وبعضها يسبب أمراضا خطيرة”.

ومن أبرز الأمراض التي تسببها الشواطئ الملوّثة بالمياه العادمة أمراض الطفح الجلدي، وأمراض الجهاز التنفسي والعيون والأذن والجهاز الهضمي.

ومن أخطر تلك الملوّثات، بحسب العكلوك، بكتيريا إبسيدومونس والتي تعرف على أنها “انتهازية”، أي أنها “تُصيب المناطق ذات المناعة الضعيفة في الجسم، ما يتسبب بصعوبة شفائها”.

وقال “هذه البكتيريا أيضا لديها قدرة للنمو في الصابون والمعقّمات، لذا يعتبر التعامل معها فيه نوع من الصعوبة الكبيرة”. وفضلا عن ذلك، فإن أمراضا خطيرة أخرى تتسبب بها المياه الملوثة مثل “التهاب السحايا، والتهاب الكبد الوبائي، والأمراض المعوية الصعبة”، وبعضها يصل بالمُصاب إلى الوفاة.

وأشار إلى أن فصل الصيف تزداد فيه الإصابة “بأمراض الطفح الجلدي، والجهازين البصري والسمعي والسحايا”، إلا أن وزارته لم تتكمن من إجراء مقارنة بينها وبين الأمراض المنقولة من المياه.

وحثّ المواطنين على ضرورة الالتزام بخارطة الأمان “التي تنشرها وزارة الصحة بالتعاون مع سلطة جودة البيئة عن المناطق الآمنة للسباحة والابتعاد عن الملوّثة حفاظا على الصحة”.

الصورة
يسبحون في برك من التلوث

وفي الوقت الذي يمتنع فيه العشرات من الفلسطينيين بغزة عن زيارة الشاطئ خوفا من الإصابة بالأمراض نتيجة تلوثها بالمياه العادمة، يتجاهل بعضهم تلك التحذيرات ويسبحون في المناطق “الخطرة”.

وقال أحمد حبوش (26 عاما) إنه امتنع عن التنزه على شاطئ بحر غزة منذ أكثر من عامين جرّاء تلوثه بالمياه العادمة.

وذكر حبوش أن طفله أصيب خلال السنوات الماضية بأمراض معوية بعد سباحته في البحر ما دفعه إلى الامتناع تماما عن زيارته، حتّى يتم وقف ضخ المياه العادمة إلى البحر.

وأشار إلى أنه “يتم تجميع المياه العادمة من مناطق مختلفة من أنحاء قطاع غزة وضخها في البحر، فهي تحمل أمراضا وميكروبات من مختلف الأصناف”.

بدوره قال رائد أحمد إنه لا يمانع في السباحة في مياه البحر، بشرط أن تكون بعيدة نوعا ما عن أماكن تصريف مياه الصرف الصحي.

وأضاف “هذا هو المتنفس الوحيد لنا، وإن لم نتوجه إلى البحر، فلن يكون هناك بديل عنه”. وأشار إلى أنه يتابع ما تنشره سلطة جودة البيئة عن المناطق الآمنة للسباحة ويلتزم بها خوفا من الإصابة بالأمراض.

17