أهالي الموصل يستمتعون بتقاليدهم الرمضانية رغم المصاعب

الموصل (العراق) – “سحور، سحور، سحور”، يصرخ ريان الخالدي وعلي المحبوب بأعلى صوتيهما لإيقاظ سكان مدينة الموصل لتناول وجبة السحور في شهر رمضان، على وقع دقات طبل ودف كانت محرمة في زمن تنظيم الدولة الإسلامية قبل نحو عام.
يدور ريان وعلي وهما يلبسان جلابيتين تقليديتين ويلفان على خصريهما كوفية حمراء، في شوارع حي البكر بالجانب الشرقي للموصل، كبرى مدن محافظة نينوى في شمال العراق، ويضربان الطبل أمام منازل لا تزال تحمل آثار الرصاص الشاهد على معارك دامية دارت في المدينة.
وقبل استعادة القوات الأمنية للمدينة من تنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح العراق في العام 2014، كانت هذه التقاليد الرمضانية “بدعة” في شريعة الجهاديين، أما اليوم فقد استعادت الأسواق بعض نشاطها، حيث تعرض أمام محال تجارية كثيرة عبوات من العصائر التي تأتي بألوان زاهية صنعت خصيصا بمناسبة شهر الصيام.
ويقول الخالدي، الذي يعمل وزميله في أحد المطاعم بالأيام العادية، إن “مهنة المسحراتي جزء من تراث المدينة الديني والاجتماعي”.
ويضيف “داعش اعتبرها بدعة ومنع ممارستها، لكننا اليوم نعود بها من جديد ونحييها”.
ويشير الأهالي إلى أن تنظيم داعش، إضافة إلى تحريم مهنة المسحراتي، منع عادات وتقاليد كثيرة في شهر رمضان، منها رفع الأذان للإشارة إلى الامتناع عن المأكل والمشرب قبل بزوغ الفجر.

وفرض الدواعش حينها إجراءات تحد من حركة المواطنين وتمنعهم من ممارسة طقوس هذا الشهر، ما اضطر العديد من أصحاب المحلات والمقاهي والمطاعم إلى إغلاقها، وتوقف الاحتفالات الدينية وجلسات المديح النبوي.
ويقول ناهض عبدالله (32 عاما) الذي يعمل سائق سيارة أجرة، “كنت أضطر للذهاب إلى صلاة التراويح بعد الإفطار خوفا من داعش، الغالبية كانت تفضل عدم الذهاب حتى لا تسمع خطب وتهديدات التنظيم”.
ويضيف “داعش منع خلال شهر رمضان خروج النساء من المنزل وارتياد الأسواق إلا لحاجة ضرورية وبصحبة محرم مع ارتداء الحجاب والخمار وقفازي اليدين بشكل كامل”.
وتؤكد ربة المنزل أم رغد (29 عاما) أن الناس “كانوا يخافون من عقوبات وتشديد التنظيم الجهادي الذي يتحجج عليهم ويعتقلهم لأبسط الأسباب، كان لا يسمح باختلاط العائلات”.
ويقول حسن عبدالكريم حسن (26 عاما) الذي يعيش في بقايا بيت مليء بثقوب قذائف الهاون التي أودت بشقيقته ذات الأعوام العشرين، “داعش هدم العديد من الجوامع والمنازل في المنطقة، كنا نفطر على صوت أذان بعيد”.
ويضيف هذا الشاب العاطل عن العمل “في غالب الأحيان، نصوم بلا سحور، فلا كهرباء أو هواتف أو ساعات نضبط بها وقت السحور والفطور”.
وخسرت عائلات كثيرة منازلها ومصادر رزقها بفعل المعارك والضربات الجوية، من بينها أبوسلمان (45 عاما) الذي عاد إلى مدينته بعد ثلاث سنوات من النزوح، ليجد ممتلكاته مدمرة.
ويقول الرجل الذي يعمل بائعا للخبز في أوقات الصيام في السنوات السابقة، “اليوم فقدت بيتي.. وشهر رمضان كان يعني لي الكثير، وكان دخلي يزداد مع دخول هذا الشهر، لكن فقدان متجري مصدر رزقي الوحيد جعلنا نعيش على صدقات الخيرين”.
وتنشط منظمات إنسانية وخيرية لتوزيع المساعدات على الأهالي مع حلول شهر رمضان، لكن الأكثر شيوعا، تنظيم خيرين لموائد إفطار جماعية في المنطقة القديمة المنكوبة، وهو تقليد كان سائدا في المدينة منذ سنوات.
وفي حي باب لكش في المدينة القديمة، تمتد طاولة على أمتار عدة عليها صحون الطعام وكؤوس العصائر، قرب رجال يحضرون الأرز والدجاج، قبيل موعد الإفطار.
وتجلس أم محمود (46 عاما) إلى الطاولة محتضنة أحد أطفالها قائلة “نحن سعداء جدا، نتمنى أن تتكرر هذه المبادرات الطيبة التي تعكس التكافل الاجتماعي الذي عرف به الموصليون أيام الشدائد والنكبات”.
وككل المدن العربية تشهد الموصل خلال شهر رمضان موجة غلاء في المواد الاستهلاكية زادت من معاناة العائلات الموصلية التي تناشد التجار تخفيض الأسعار بسبب الفقر والبطالة المنتشرين في المدينة.
وتقول أم محمد التي عادت من السوق ببعض الخضار “رمضاننا هذه السنة دون وجبة الكبة التي لا تغيب عن مائدتنا في شهر الصيام ولا طرشي ولا زيتون ولا حتى حلوى، الغلاء حرمنا من عاداتنا الرمضانية الجميلة، لكن يظل هذا الحال أفضل مما عشناه خلال السنوات الماضية”.

وللشباب الموصلي عاداته الرمضانية حيث يجتمع الأصدقاء في المقاهي الشعبية للعب الورق والدومينو يتراهنون على دفع قيمة ما احتسوه من مشروبات، أما اللعبة الأكثر شهرة خلال شهر رمضان فهي لعبة المحيبس والتي تشترط وجود فريقين بأعداد مفتوحة من اللاعبين.
ويستخدم اللاعبون فيها محبسا صغيرا يعمد كل فريق إلى إخفائه بيد أحد المتبارين المتخفي تحت ستار، لتبدأ رحلة البحث عن هذا المحبس من قبل الفريق الآخر.
ويقول أبوأحمد، الذي يمتلك أحد المقاهي، إن لعبة المحيبس الشعبية عادت مجددا حيث اعتاد شباب مناطق العرصة والزنجيلي يوميا ممارسة هذه اللعبة الشعبية خلال سهرات رمضان التي تمتد حتى موعد السحور.
