أنقرة تنفّس عن أزماتها بتجديد الهجوم الكلامي على الرياض

النظام التركي يستثمر في ملعب خاسر بمحاولة التدخل في خصوصيات شؤون سعودية.
السبت 2020/03/21
بالمرصاد للجميع

وجدت أنقرة، وأذرعها الإعلامية، في خبر القبض على مسؤولين حكوميين سعوديين، ضمن الحملة المتواصلة على مكافحة الفساد في المملكة، فرصة لشن هجوم غير مبرر، والعالم منشغل بأزمة الفايروس المستجد، على الرياض. وأثار تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية التركية، وسبقته تقارير نشرتها مواقع محسوبة على قطر وتركيا، ذهبت في نفس السياق المستهدف للأمير محمد بن سلمان، أسئلة حول دوافع التركيز، بشكل خاص، على ولي عهد السعودية، الذي يعتبره الأتراك، يحمل موقفا عدائيا من أنقرة وحليفتها الدوحة، بسبب مواقفه من الإسلام السياسي.

إسطنبول  –  شنت وكالة الأناضول الرسمية التركية هجوما على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دون أي مناسبة، رابطة الهجوم، في تحليل مطول، بأن الأتراك يعتبرونه يحمل موقفا عدائيا من تركيا وحليفتها قطر.

 وكرر التقرير انتقادات سابقة للسعودية ولولي العهد، لكن الجديد أنه يأتي في وقت تطغى فيه أخبار كورونا، والعالم منشغل بمواجهة هذه الأزمة المستجدة، التي أربكت تركيا بشكل كبير، الأمر الذي اعتبره البعض محاولة للتنفيس بافتعال معارك خارجية.

هجوم غير مبرر

قال تقرير الأناضول إن “من يتابع السياسات الإقليمية للسعودية قبل تولي الأمير محمد بن سلمان يرى أنها كانت تسير دائما في خط متوازن، ولم تشهد العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية قبل ذلك مرحلة تدهور بهذه الدرجة التي شهدتها في عهده، بل كانت السعودية دائما في مقدمة اهتمامات أنقرة، وبقيت العلاقات في مستوى جيد بين الدولتين السنيتين القويتين”.

وأضافت الوكالة التركية أنه “منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، يشن الإعلام السعودي وطائفة العلماء المحيطين بولي العهد حملة تستهدف تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان”، وعزت هذه الاستدارة إلى ما أسمته “وقوف أنقرة إلى جوار قطر ضد قرار الحصار الذي اتخذته السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد الدوحة”، وكذلك “بسبب الموقف الذي اتخذته تركيا إزاء مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي”.

أنقرة وضعت نفسها في تحالف مع حركات إسلامية متشددة باتت مصنفة إرهابية في الخليج ومصر مثل جماعة الإخوان

ويعتقد متابعون للشأن التركي أن الهجوم على الأمير محمد بن سلمان يعكس محاولة من تركيا، عبر أدواتها الإعلامية، للتنفيس عن أزماتها وتركيز الأنظار على جهات أخرى، في وقت تعيش فيه تركيا وضعا معقدا ما يتعلق بالانتشار المتسارع لفايروس كورونا بعد أن سعت إلى التكتم عليه في البداية والإيهام بأنها في منأى عنه وأن نظامها الصحي قادر على إيقافه في مراحله الأولى.

تواجه تركيا خطر التعرض لموجة جديدة من عدم الاستقرار في سعر صرف عملتها الليرة، في ظل عمليات البيع الكثيف في الأسواق العالمية بسبب التداعيات الشديدة لفيروس كورونا.

وقول الاقتصادي التركي حسين صفا جافدار أوغلو إن تفشي فيروس كورونا المستجد يضرب الاقتصاد التركي في وقت بدأ فيه يُظهر مؤشرات التعافي بعد فترة طويلة من الركود.

أزمة سياسية

الوباء سيعمّق من أزمة الاقتصاد التركي
الوباء سيعمّق من أزمة الاقتصاد التركي

تعاني تركيا من أزمة اقتصادية كبيرة تحتاج إلى سنوات لتطويقها، وتعود في غالبها إلى الصدام السياسي الذي تلجأ إليه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط وخاصة السعودية، ما دفع إلى انحسار نوايا الاستثمار، وخاصة من رجال الأعمال في الخليج وتوقف السياح الخليجيين عن زيارة تركيا كوجهة أولى مثلما كان يحصل في سنوات ما قبل 2010.

لم تغير السعودية، ودول خليجية أخرى مواقفها من تركيا إلا بعد أن بالغت أنقرة في الهجوم على دول الخليج ودول عربية أخرى مثل مصر.

كما وضعت نفسها في تحالف مع حركات إسلامية متشددة باتت مصنفة إرهابية في الخليج ومصر مثل جماعة الإخوان المسلمين، بالتوازي مع تدخلاتها العسكرية المباشرة في سوريا وليبيا، وغير المباشرة مثلما يجري في اليمن وتونس وما يصحب ذلك من دعم وتمويل وتدريب وتسليح لأطراف متشددة.

وبهذه الخطوات، فإن تركيا وضعت نفسها في مواجهة مع غالبية الدول العربية، فكيف تتساءل الأناضول عن سر دعم السعودية للأكراد وانحيازها ضد أي سياسات لتركيا في المتوسط.

وقالت الأناضول “كما نصّب الإعلام السعودي نفسه المتحدث باسم منظمة: بي.كا.كا (حزب العمال الكردستاني) الإرهابية أثناء عملية: نبع السلام، العسكرية التركية شمالي سوريا، كما كان أشبه ببوق إعلامي تابع للنظام السوري أثناء تنفيذ عملية: درع الربيع، التركية بالبلد نفسه، وأصبح ثنائي السعودية والإمارات معارضا لتركيا في كل خطواتها”.

وكانت تركيا قد استثمرت لأسابيع قضية مقتل خاشقجي لابتزاز السعودية وحولتها إلى مادة إعلامية يومية في وسائل إعلامها وبندا قارا في تصريحات أردوغان ووزير خارجيته جاويش داود أوغلو، ومن الطبيعي أن ترد السعودية على الحملة التركية بحملة مضادة تتماشى مع سياستها الخارجية ورؤيتها لأمنها القومي.

وحاول مقال الأناضول أن يستثمر في ملعب خاسر، بمحاولة اللعب على عواطف أفراد العائلة الحاكمة في المملكة السعودية الذين ربما يكونون على هامش خيار الإصلاحات أو لديهم اعتراضات عليها، وسعى لإثارة الخلاف في محيط عائلة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، مع المعرفة مسبقا بأن السعوديين، يرفضون أي تعاط خارجي مع خصوصياتهم.

6