أنقرة تغامر برفض اللجوء إلى صندوق النقد

جددت الحكومة التركية مكابرتها ورفضها اللجوء إلى صندوق النقد الدولي رغم تسارع انحدار أوضاعها المالية في وقت يؤكد فيه المحللون أن الاقتصاد التركي عاجز عن مواجهة تداعيات تفشي فايروس كورونا بسبب قلة الموارد المالية.
أنقرة - أكد وزير المالية التركي براءت البيرق عدم عقد اجتماعات أو طلب مساعدة من أي مؤسسة أو دولة، وذلك في تأكيد لنفي مكتب الرئيس رجب طيب أردوغان إمكانية عقد صفقة جديدة مع صندوق النقد الدولي.
وفتح البيرق بابا للتكهنات بشأن موقف أنقرة مستقبلا بقوله في منشور على موقع تويتر “نتواصل مع العديد من الدول والمؤسسات حول مكافحة فايروس كورونا وتأثيره على الاقتصاد”.
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى البيرق قوله “في تركيا، ندعم آليات مختلفة بين الدول لضمان استمرار التجارة العالمية؛ وغير ذلك، فإننا لم نعقد أي اجتماع أو نطلب أي شيء من أي مؤسسة أو دولة”.
وجاء ذلك بعد استبعاد الرئاسة التركية أن يتم طلب قرض من صندوق النقد الدولي، بعد تكهنات أثارها تصريح لرئيسة الصندوق كريستينا جورجيفا تحدثت فيه عن “اتصال بناء” بين الصندوق وأنقرة.
وأكدت أن تركيا لا تخطط لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي تدرس فيه خيارات تمويلية لتخفيف الأثر الاقتصادي لانتشار فايروس كورونا.
وكانت رويترز قد نقلت عن مسؤولين قولهم إن تركيا أجرت محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الحصول على خط مبادلات من مجلس الاحتياطي الاتحادي، إضافة إلى خيارات تمويل أخرى.
وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية خلال مقابلة مع قناة “سي.أن.أن تُرك” إن “صندوق النقد الدولي ليس على جدول أعمالنا. تركيا ليس لديها ترتيب لعقد صفقة جديدة مع الصندوق”.
وكشفت مديرة الصندوق عن زيف ادعاءات تركيا بعدم إجراء محادثات بالرد على انتقادات أردوغان للصندوق بالقول “في الواقع لدينا انخراط مثمر للغاية مع جميع الأعضاء، بما فيهم تركيا… نحن هنا من أجل جميع أعضائنا”.
وكان تأكيد جورجيفا وجود محادثات مع أنقرة قد أوقف تراجع الليرة نهاية الأسبوع الماضي، بسبب قناعة الأسواق بحاجة تركيا إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
لكن إصرار المسؤولين الأتراك على نفي تلك المحادثات أدى إلى تراجع العملة التركية في نهاية التعاملات الأوروبية أمس، بأكثر من ثلاثة في المئة لتصل إلى 6.79 ليرة للدولار.
ويقول محللون إن الاقتصاد التركي يعاني من مشاكل هيكلية عميقة، وإن تسارع تفشي الوباء في البلاد سيؤدي إلى تعميق مواطن الاختلالات العميقة، خاصة في ظل استخفاف قيادتها بتداعيات انتشار الفايروس.
وصنفت موديز تركيا كواحدة من أقل الدول قدرة على التغلب على الصدمة التي سببها الوباء، ورجحت ألا يسجل اقتصادها أي نمو في العام الحالي وأن يتضرر قطاع السياحة بشكل خاص هذا الصيف.
وتؤكد كابيتال إيكونوميكس أن السياسة النقدية في تركيا تعاني من صعوبات أكبر من معظم الأسواق الناشئة، حيث تتمتع تلك الدول بأسعار فائدة منخفضة جدا بالفعل على عكس تركيا.
وكانت الحكومة التركية قد أعلنت عن حزمة دعم تقل قيمتها عن 15 مليار دولار لتوفير الإغاثة للشركات المتضررة من تفشي الوباء، وهو رقم ضئيل قياسا بحجم الاقتصاد التركي وبرامج دعم الدول الأخرى.
وتأخرت تركيا في اتخاذ إجراءات للوقاية من تفشي فايروس كورونا لأنها لا تستطيع احتمال التداعيات الاقتصادية لتلك الإجراءات بسبب أوضاعها المالية الهشة.
وكشفت مصادر قريبة من حزب العدالة والتنمية عن وجود توتر بين البيرق ووزير الصحة، الذي يضغط من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
ويقول الكاتب في موقع “أحوال تركية” إيمري ديليفيلي، إن “عدم وجود موارد كافية هو السبب وراء إحجام أردوغان عن المضي قدما في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، فالدولة ببساطة لا تملك الموارد اللازمة لتأمين الحظر الكامل”.
ويؤكد أن قلة الاحتياطات المالية لا تترك أمام أنقرة سوى خيار واحد فقط هو اللجوء إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
ويبرر ديليفيلي عدم لجوء تركيا إلى صندوق النقد حتى الآن إلى استياء أردوغان من الصندوق، لكنه يقول إنه “سوف يلجأ إليه حين يتضح له وللبيرق وللاقتصاديين أنه لا يوجد طريق آخر”.
وكشفت بيانات معهد الإحصاء التركي الصادرة أمس تراجع وتيرة نمو الناتج الصناعي لتركيا خلال فبراير الماضي، أي قبل فرض إجراءات العزل التي أقفلت معظم النشاطات الصناعية في البلاد.
وقال اتحاد مصنعي السيارات في تركيا إن إنتاج السيارات انخفض في مارس بنسبة 22 في المئة على أساس سنوي ليصل إلى نحو 103 آلاف سيارة بعد توقفات بسبب فايروس كورونا. وأضاف الاتحاد أن الصادرات تراجعت 30 في المئة.
وأظهرت بيانات البنك المركزي التركي الصادرة أمس ارتفاع عجز ميزان الحساب الجاري لتركيا خلال فبراير الماضي بأكثر من عشرة أضعاف مستوياته قبل عام ليصل إلى 1.23 مليار دولار.
كما أظهرت بيانات يوم الجمعة أن معدل البطالة في تركيا ارتفع إلى 13.8 في المئة في الفترة من ديسمبر إلى فبراير. ومن المتوقع أن تتضاعف أرقام البطالة بعد أن أوقف تفشي الوباء معظم قطاعات الاقتصاد التركي.
ويتصدر قطاع السياحة، الذي يمثل عصب الاقتصاد التركي، قائمة القطاعات المتضررة، لأن معظم الفنادق والمنتجعات السياحية تعتمد على موسم يمتد فقط من نهاية أبريل إلى نهاية أكتوبر.
ولذلك فإن انتشار فايروس كورونا يمثل ضربة قاضية لنشاط الفنادق وشركات القطاع السياحي المرتبطة بها، بعد انهيار جميع حجوزات الموسم الحالي.
ويقول ديليفيلي إن الفنادق حتى إذا لم تواجه الإفلاس، فإنها ستتعرض لضغوط رهيبة وسيكون لذلك تأثير كبير على الاقتصاد التركي، لأنها تمثل ثلثي عائدات السياحة وتساهم بنسبة 5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المستبعد أن تستعيد السياحة عافيتها حتى لو تبدد الوباء في شهر يونيو، حيث ستحتاج شركات الطيران لبعض الوقت لاستئناف الرحلات ويحتاج الناس لكسب بعض المال تدريجيا للعودة للرحلات السياحية.
ورجحت وكالة التصنيف الائتماني اليابانية الأسبوع الماضي أن يؤدي الضغط النزولي على الليرة إلى مزيد من الانخفاض في احتياطيات النقد الأجنبي، وإلى مزيد من الضغط على التمويل الخارجي عن طريق القطاع الخاص.
وتوقعت “أن تقوم الحكومة بوضع حزم مالية أكثر قوة بما في ذلك تدابير متعلقة بالميزانية في المستقبل القريب للتعامل مع التباطؤ السريع للاقتصاد، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تدهور إضافي للوضع المالي للحكومة”.