أمين حسن الناصر الرئيس التنفيذي لأرامكو يقود حرباً ذكية في أسواق الطاقة

مهندس البرنامج الوطني داخل الشركة العملاقة وخارجها.
الثلاثاء 2022/08/16
ناصر يعكس أخلاقيات الرجل في العمل

الرياض - خلال الساعات الماضية أعلنت شركة النفط السعودية أرامكو عن استعدادها لزيادة إنتاج الخام إلى الطاقة القصوى البالغة 12 مليون برميل يوميا، لتفي بوعدها الذي أطلقته في مارس الماضي، حين قالت إنها ستعمل على سد أي ثغرات في السوق خلفتها الحرب في أوكرانيا، مؤكدة أنها تخطط لزيادة إنتاج الغاز بأكثر من 50 في المئة بحلول عام 2030.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين ناصر للصحافيين في مكالمة عن الأرباح إن الشركة مستعدة لزيادة إنتاجها من الخام إلى طاقتها القصوى البالغة 12 مليون برميل يوميا كلما طلبت الحكومة السعودية ذلك، مشيراً إلى أن الطلب العالمي على النفط في حالة جيدة، متوقعا أن يؤدي تخفيف الصين لقيود كوفيد والانتعاش في صناعة الطيران إلى زيادة الطلب على الخام.

يقول ناصر عن الأرقام التي كشفتها أرامكو مؤخراً “تعكس نتائجنا القياسية للربع الثاني زيادة الطلب على منتجاتنا، خاصة أننا مورد منخفض التكلفة ومن بين الأقل في كثافة الانبعاثات الكربونية بأعمال التنقيب والإنتاج في قطاع الطاقة”.

ناصر بدأ يتحول إلى ظاهرة لافتة للأنظار، بفضل التزامه وطيلة أربعين عاماً بنظام صارم في العمل، قد يكون مثيراً لغضب كثيرين، بسبب تعارضه مع الدبلوماسية، لكنه يبقى محط إعجاب لأنه يعكس أخلاقيات الرجل في العمل

وخلال العقود الماضية، كان ناصر يتدرج في مواقع العمل ويثبت جدارته فيها، عندما تولى منصب النائب الأعلى لرئيس التنقيب والإنتاج قام بقيادة أكبر برنامج للاستثمار الرأسمالي لأرامكو ضمن مجموعة الأعمال المتكاملة للشركة في مجال النفط والغاز.

وقد التقطت وسائل الإعلام حول العالم إشارة وزير الطاقة السعودي الذي مازح في وقت مبكر من أحد المساءات ألف شخص من الحاضرين في إحدى المناسبات، قائلاً إن وقت نوم ناصر قد حان في تمام التاسعة ليلاً. إنه رجل عمل وإدارة وصاحب مواعيد دقيقة دوماً.

ناصر بدأ يتحول إلى ظاهرة لافتة للأنظار، بفضل التزامه وطيلة أربعين عاماً بنظام صارم في العمل، قد يكون مثيراً لغضب كثيرين، بسبب تعارضه مع الدبلوماسية، لكنه يبقى محط إعجاب لأنه يعكس أخلاقيات الرجل في العمل.

أرامكو تحتفل هذه الأيام بنسبة 90 في المئة من الزيادة في أرباحها للربع الثاني من هذا العام، محطمة التوقعات ومستفيدة من ارتفاع أسعار النفط وزيادة الطلب عليه، ويتوقع ناصر أن يتصاعد هذ االرقم أكثر خلال الفترة القادمة، مبيناً أن نمو الطلب سوف يستمر للأعوام القادمة المتبقية من العقد الثالث من هذا القرن، على الرغم من الظروف الاقتصادية القلقة.

الاكتفاء الذكي

أرامكو تحتل مع شركة أبل مركزا هاما في الاقتصاد العالمي، فهما الشركتان الأكثر قيمة في العالم
أرامكو تحتل مع شركة أبل مركزا هاما في الاقتصاد العالمي، فهما الشركتان الأكثر قيمة في العالم

حالياً تجهد أرامكو لاستثمار موقعها الريادي في التنقيب والإنتاج وتعزيز حضورها في التكرير والتسويق والكيميائيات ضمن سلسلة القيمة البترولية، وذلك عبر ضخ استثمارات ضخمة وإطلاق شراكات في مشاريع عديدة داخل السعودية وفي الأسواق الدولية.

بعد جيل المؤسسين، برز ناصر كواحد من بين الذين يؤيدون دعم الشباب السعودي، وزيادة كفاءته وتطوير قدراته ومنحه الثقة لقيادة العمل في أرامكو. وقد تم تحويل هذا التوجه إلى برنامج وطني شكل جسراً بين كوادر الشركة الشابة والمواقع القيادية العليا.

وتهدف إدارة ناصر إلى نقل أرامكو إلى مرحلة جديدة من إنتاج طاقة ومنتجات أكثر نظافة عبر الاستثمار في التقنيات الواعدة، كالجيل القادم من محركات الوقود، وأعمال تحويل النفط الخام إلى كيميائيات، واستخدامات الطاقة المتجددة، ومشاريع الطاقة النظيفة، والحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ودور الشركة في تحمّل مسؤوليات المناخ.

أما مشروع “اكتفاء” فهو أحد المشاريع الذكية التي يقودها ناصر، وهي مبادرة للقيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد وتهدف إلى وضع برنامج لسلسلة التوريد المحلية عالمي المستوى وذي فاعلية وكفاءة لتغطية نشاطات الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تدعم ما تحتاجه أرامكو من المشتريات.

تأثير واسع الطيف

إدارة ناصر تهدف إلى نقل أرامكو إلى مرحلة جديدة من إنتاج طاقة ومنتجات أكثر نظافة عبر الاستثمار في التقنيات الواعدة، كالجيل القادم من محركات الوقود، وأعمال تحويل النفط الخام إلى كيميائيات

إلى جانب عمله في أرامكو فإن لشخصية ناصر تأثيرا كبيرا في مجالات أخرى عديدة، فهو عضو في المجلس الاستشاري الدولي لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومجلس أمناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومجلس الأعمال الدولية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، والمجلس الاستشاري للرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين لمعهد ماساتشوستس للتقنية، والمجلس الدولي لـ”جي.بي مورغان”.

درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، ومنها حصل على درجة البكالوريوس في هندسة البترول، كما أكمل ندوة التطوير الإداري في أرامكو السعودية التي عُقدت في واشنطن نهاية التسعينات، وبرنامج أرامكو السعودية للأعمال الدولية، وبرنامج كبار التنفيذيين في جامعة كولومبيا الأميركية.

وانشغل تقرير لوكالة بلومبيرغ مؤخراً بالبحث في المرتب الذي يحصل عليه ناصر مقارنة بنظرائه في شركات بترول عالمية مثل شل وشيفرون وإكسون. وبحسب التقرير فإن ناصر حصل على نحو 5 ملايين دولار، حسب أرقام العام 2016 عندما بدأت الشركة في إعداد الطرح الأولى لأسهمها. وما لفت نظر معدي التقرير هو مقارنة مرتب ناصر بما يتقاضاه آخرون، فخلصوا إلى أن مرتبه يقل بنحو الخُمس مقارنة بمبلغ 23.8 مليون الذي حصل عليه بن فان بيردين المدير التنفيذي لشركة شل، بينما يتقاضى مايكل ويرث المدير التنفيذي لشركة شيفرون 20.6 مليوناً.

الباحث في شؤون الطاقة لدى معهد باكر التابع لجامعة رايس جيم كرين يشير إلى وجود شعور قوى بأن العمل في أرامكو يحقّق مهمة المحافظة على ثروات السعودية لخدمة الأجيال القادمة، غير أنه يضيف “إن عملك في أرامكو يعني أنك ستعامل كأنك أحد نجوم السينما”.

ناصر عضو في جمعية مهندسي البترول، وقد حصل على جائزة هذه الجمعية للإنجاز مدى الحياة في عام 2017، كما حصل في عام 2015 على ميدالية “تشارلز ف. راند” الذهبية التي تمنحها الجمعية للإنجازات المتميزة في إدارة التعدين، بما في ذلك البترول وعلم المعادن.

وقبل عامين اختارته لجنة مكوّنة من كبار مسؤولي الطاقة التنفيذيين في العالم لمنحه جائزة شخصية العام التنفيذية في مجال الطاقة. وتسلَّم جائزة كافالير التي يقدمها نادي الكيميائيين برعاية مؤسسة “آي.سي.آي.إس”.

تحديات أمن الطاقة

مشروع "اكتفاء" هو أحد المشاريع الذكية التي يقودها ناصر، وهي مبادرة للقيمة المضافة الإجمالية
مشروع "اكتفاء" هو أحد المشاريع الذكية التي يقودها ناصر، وهي مبادرة للقيمة المضافة الإجمالية

أرامكو تحتل مع شركة أبل مركزاً هاماً في الاقتصاد العالمي، فهما الشركتان الأكثر قيمة في العالم. وقد سجّلت أرامكو في ربيع هذا العام موقع الصدارة، بفضل ارتفاع الأسعار مسجلة أعلى مستوياتها في 14 عاما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.

وتشكل أرامكوا مجتمعاً كبيراً بلغ عدد موظفيه 70 ألف موظف يعملون على مواجهة تحديات الطاقة في العالم، لتبقى الشركة قادرة على الدفاع عن الاستخدام المستمر للوقود الأحفوري أثناء الانتقال إلى طاقة أنظف، وعن ذلك يقول ناصر إن نقص الإنفاق على إنتاج النفط يمكن أن يكون له عواقب اجتماعية خطيرة، وإنه من الضروري استمرار الاستثمار بالتوازي مع تطوير مصادر طاقة بديلة، منتقداً في كلمة له أمام مؤتمر البترول العالمي في هيوستن بولاية تكساس الأميركية الافتراض بأن العالم يمكن أن يتحول إلى وقود أنظف بين “عشية وضحاها فعليا”.

وهو يعتقد أن الاعتراف العلني بأن النفط والغاز سيلعبان دورا أساسيا وهاما خلال الفترة الانتقالية وما بعدها وسيكون هذا صعبا بالنسبة إلى البعض. لكن ذلك الاعتراف بهذا الواقع، بحسب ناصر، سيكون أسهل بكثير من التعامل مع انعدام أمن الطاقة، والتضخم المتفشي والاضطرابات الاجتماعية، حيث “ستصبح الأسعار مرتفعة بشكل لا يمكن تحمله، ويبدأ انهيار الالتزامات الصفرية الصافية للدول”.

أرامكو تحتل مع شركة أبل مركزا هاما في الاقتصاد العالمي، فهما الشركتان الأكثر قيمة في العالم. وقد سجّلت أرامكو في ربيع هذا العام موقع الصدارة، مسجلة أعلى مستوياتها في 14 عاما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا

تصريحات ناصر غير الدبلوماسية هذه، والتي تأتي من سعودي غير مصنوع في الولايات المتحدة هذه المرة، لاقت صداها على الفور، لاسيما وأنها تنطلق من فاتيكان النفط الأميركي في تكساس، وتأتي رداً على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية لمناقشة زيادة الإنتاج النفطي.

إدارة ناصر لأرامكو تمكنت من الاستحواذ على شركة “سابك” السعودية العملاقة للبتروكيماويات، في إدراج قياسي بالبورصة قيمته 29.4 مليار دولار، وأصدرت أول تقرير للشركة بعد عقود من “السرية”.

وطرح ناصر فكرته عن الإدارة اللامركزية التي أثبتت جدواها، من خلال منح السلطات الإدارية والصلاحيات للمدراء الفرعيين وللعاملين في أركان الشركة العملاقة، غير أنه حافظ على صلاته اليومية المباشرة مع الموظفين، بعد أن بدأ كواحد منهم، وكمهندس بترول عادي، فهو يزور الحقول والمصانع كل يوم في شهر رمضان على سبيل المثال، ويتناول الإفطار مع العاملين لإشعارهم بالمشاركة وبعث الطمأنينة لديهم خاصة بعد أن تعرضت الشركة لقصف بالطائرات المسيرة الإيرانية قبل ثلاثة أعوام في بقيق وخريص، وحينها تسبب ذلك بانخفاض إنتاج النفط الخام السعودي إلى النصف. في تلك اللحظات انتقل ناصر وخلال 7 دقائق فقط من مقر إقامته إلى وحدة الطوارئ بأرامكو لمواكبة العمل عن كثب رغم الخطر.

تأثرت نسبة 50 في المئة من عمليات أرامكو بالهجوم الذي أكدت واشنطن أنه إيراني بينما نفت طهران تبنيه، إلا أن ناصر استطاع وخلال أسابيع قليلة استعادة الجزء الأكبر من عمليات الشركة عبر ما يسمى بسياسة إدارة المخاطر.

الأقوياء خلف ناصر

Thumbnail

يتمتع ناصر بدعم قوي من وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورئيس مجلس إدارة أرامكو أيضا.

إنجاح أرامكو يعني تأمين أفضل نتائج عائدات النفط، من أجل تمويل المشاريع السعودية المتطلعة نحو المستقبل، وفق خطط التنويع الاقتصادي الطموحة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مثل إقامة مدينة صحراوية ضخمة بتكلفة قيمتها 500 مليار دولار.

بهذا التعزيز يصبح من الطبيعي أن يطالب ناصر “اللاعبين الآخرين” من شركات الطاقة العالمية بمزيد من الاستثمار لرفع الطاقة الإنتاجية من النفط والغاز “لأن العالم بحاجة إلى ذلك”. وقال خلال مشاركته بمنتدى الاقتصاد العالمي في دافوس إن أكثرية استثمارات شركات النفط الكبرى بالآونة الأخيرة هي في مشاريع “غير مستدامة، توفر كمية من الطاقة لفترة زمنية محدودة”.

القصف الإيراني لأرامكو بالطائرات المسيرة تسبب بانخفاض إنتاج النفط الخام السعودي إلى النصف، وفي تلك اللحظات انتقل ناصر وخلال 7 دقائق فقط من مقر إقامته إلى وحدة الطوارئ بأرامكو لمواكبة العمل عن كثب

كما أن استثمارات شركات النفط العملاقة انخفضت من 700 مليار دولار في 2014 إلى 300 مليار العام الماضي، قبل أن ترتفع قليلاً إلى حوالي 400 مليار دولار حالياً، لكنها تبقى غير كافية لتلبية الطلب العالمي على الطاقة.

وفي العام 2021 قررت أرامكو زيادة الإنفاق الاستثماري إلى 50 مليار دولار، بعد أن كان 31 ملياراً أي بزيادة أكثر من 60 في المئة. في حين لم يتجاوز متوسط زيادة الإنفاق الاستثماري لشركات الطاقة العالمية للفترة عينها نسبة 15.5 في المئة.

ويبقى ناصر يحذّر من المخاطر المتوقعة رغم شجاعة قراراته، يقول “نحن نمر بأزمة طاقة بسبب نقص الاستثمار، وهي بدأت تحدث تأثيراً في أعقاب جائحة كورونا، والعالم يواجه عجزاً كبيراً في إمدادات النفط مع تخوف معظم الشركات من الاستثمار في القطاع وسط ضغوط الطاقة الخضراء”.

رؤية أرامكو بقيادة ناصر تترجم ما عرضته من قدرتها على رفع الطاقة الإنتاجية القصوى من النفط إلى أكثر من 13 مليون برميل وأكثر يومياً بحلول عام 2027، مقابل 12 مليون حالياً. إلى جانب رفع القدرة الإنتاجية من الغاز بأكثر من 50 في المئة بحلول عام 2030.

12