أمهات هليكوبتر

السبت 2017/08/19

تحدث علماء النفس مطولاً عن الأمهات اللاتي يشبهن طائرة الهليكوبتر، لفرط اهتمامهن بأبنائهن بطريقة تجعلهن يحلقن طوال الوقت حولهم باهتمام مفرط وخارج عن المعقول، من وجهة نظر الأبناء طبعاً.

إلا أن الأمر يختلف تماماً في الجانب الآخر، حيث لا تجد الأم حرجاً في إظهار حبها واهتمامها بهذه الصيغة المبالغ فيها؛ فالحب هو أن تكون في حياة من تحب لحظة بلحظة أو أقرب قليلاً من حبل الوريد، أشبه كثيراً بالمسافة الفاصلة بين شهيق وزفير.

يستغرق بالضحك كثيراً أبناء صديقتي وهم ينادونها باسمها الجديد هليكوبتر، لفرط عنايتها ومتابعتها لأدق لحظات حياتهم اليومية؛ ماذا يأكلون وماذا يقرؤون، هل يبتسمون كثيراً، هل يكدرهم أمر ما، هل يستمتعون بعطلتهم، هل يرتدون ملابس مناسبة للطقس؟ هل وهل؟

لكن صديقتي لا تكترث، ولا يهمها أن تكون هليكوبتر أو حتى طائرة نفاثة، المهم أنها تستمتع بحبها لأطفالها في كل ثانية من عمرها تقضيها معهم، وهي متأكدة بأنها لن تواجه في المستقبل أي شعور بالندم لأنها لم تستطع أن تمنحهم ما يكفي من الحب والوقت والاهتمام. أنا أيضاً، لا أكترث لهذه المزحة؛ فأنا أم هليكوبتر من الدرجة الأولى!

كنت أفكر في هذا الأمر وأنا أطالع الخبر الغريب في صحيفة الصباح الذي يؤكد، بأن الأم البريطانية {ج} تنبّهت بعد مرور أكثر من عام ونصف فقط، إلى وجود نتوء بارز في وسط مقعد السيارة الخاص بطفلها الرضيع؛ وبعد بلوغ الطفل ثمانية عشر شهراً من البكاء والألم وأحياناً الصراخ ونوبات الغضب التي كانت تصيبه كلما لمح السيارة في مدخل المنزل وأخبره حدسه بأنه على موعد جديد مع الألم.

هذا الألم لم تستطع الأم الرقيقة أن تجد له أي مبرر أو تفسير، كلما حاولت وضع طفلها وربطته في مقعده الخاص للإنطلاق في رحلة قد تطول أو تقصر في السيارة، بينما يواصل النتوء الحديدي المغلف بجلد خفيف، ضرباته الموجعة على ظهره عند كل استدارة لمقود السيارة أو كل عثرة تصادف مسيرتها على شارع مملوء بالحفر!

كيف تم اكتشاف أداة التعذيب الصامتة هذه؟

ببساطة؛ في فصل الصيف الحالي، عندما اضطرت الأم إلى الاستغناء عن قميص الطفل بسبب حرارة الطقس، وضعته ببنطاله القصير عاري الصدر على المقعد ذاته وحين انتهت الرحلة القصيرة في السيارة والتي دفع الطفل ثمنها غالياً من الألم والصراخ والدموع، وجدت الأم علامة حمراء كبيرة تشبه الجرح الناشف على ظهر الطفل وتحديداً فوق مسار عموده الفقري!

ثم تفحصت قليلاً مقعده فاكتشفت وجود النتوء الذي يشبه المسمار، وكان تعليقها على الأمر “كنا نقضي الساعات في قيادة السيارة ونحن نستمتع بزيارة أماكن عديدة في أيام العطلات، طوال عامين، وكان هو يقضي أسوأ أوقاته، وكأنه معتقل داخل غرفة تعذيب، كم أشعر بالأسى”!

وفي معرض صدمتها، قررت الأم أن تلقي باللوم على أصحاب الشركة المصنعة للكرسي، وتتهمهم بإنتاجهم السيء البعيد عن مواصفات السلامة.

وبهذا خسرت الشركة المصنعة ثقة عميلتها الثرية بسبب خطأ غير مقصود، لكن ماذا عن الطفل الضحية؟ وما هو شكل الثقة التي ستربطه بوالدته الحنون؟ وكيف ستكون مواصفات المقعد الذي سيضطر للجلوس عليه طوال دورة حياته، التي لن يتسنى للأم طبعاً وهي مشغولة بنزهاتها أن تنتبه لنتوءاته. متى سيبلغ سن الرشد ويتاح له الهرب من غرفة التعذيب هذه؟

كاتبة عراقية

21