أمهات المكسيك يمضين عيدهن في انتظار أبنائهن المخفيين قسرا

قصص مؤلمة تعيشها أمهات المكسيك بسبب حالات الاختفاء القسري لأبنائهن وإفلات الخاطفين من العقاب وهم أعضاء في عصابات الجريمة المنظمة أو قوات الأمن.
الأربعاء 2022/05/11
العدد يرتفع يوميا

غوادالاخارا (المكسيك)- تدرك غوادالوبي كارامانيرا البالغة 61 عاما، تمام الإدراك ما تعتزم فعله لمناسبة عيد الأم الذي تحتفل به المكسيك الثلاثاء… “البحث عن أبنائها” الخمسة المفقودين في ولاية خاليسكو الأكثر تضررا جراء عمليات الإخفاء القسري في البلاد.

وتقول مدبرة المنزل المتحدرة من سان بيدرو دي تلاكويباك في ولاية خاليسكو “هذه خمسة كراس فارغة. هنا لا شيء يدعو للاحتفال”.

وبصوت تخنقه الدموع، تروي هذه الأم لتسعة أبناء محنتها. فقد اختفى ابنها لوسيرو عام 2016 بعد أن خرج من أجل مقابلة عمل، ثم اختفى إخوته الأربعة عام 2019 بعدما أوقفهم عناصر من الشرطة البلدية خلال تنقلهم. ورغم اتهام ضابطين بالإخفاء القسري، لم يتم الشروع في أي عملية بحث في القضية.

◙ ولاية خاليسكو تعد وحدها 14 ألفا و498 مفقودا من أصل مجموع المفقودين في المكسيك البالغ عددهم 95121

ومن القصص المؤلمة، الأم التي اصطحبت ابنتها إلى سجن في المكسيك كي تزور شريكها. وشاهدتها وهي تدخل السجن، لكنّ الفتاة لم تغادر السجن قط. وعندما سأَلَت الأم السلطات المعنية في السجن عن ابنتها، زعم المسؤولون أنه لا معلومات لديهم بشأنها. والفتاة لا تزال مختفية حتّى اليوم.

هذه القصة هي مجرد مثال على الحالات التي تمت الإشارة إليها في تقرير جديد صدر عن اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري عقب البعثة التي قامت بها إلى المكسيك في نوفمبر الماضي. ويتضمن التقرير ما توصّلت إليه اللجنة من نتائج، ويكشف اتساع نطاق مشكلة الاختفاء في البلاد ويعرض توجهاتها وتوصيات اللجنة بشأنها.

ويقدم الآلاف من المكسيكيين باقات من الزهور لأمهاتهم لمناسبة عيدهن الثلاثاء، كما تنزل الآلاف من النساء إلى الشوارع للتظاهر من أجل مواصلة البحث عن أطفالهن المفقودين.

تعدّ ولاية خاليسكو وحدها 14 ألفا و498 مفقودا من أصل مجموع المفقودين في المكسيك البالغ عددهم 95121، بحسب أرقام رسمية نُشرت في نوفمبر الماضي خلال زيارة قام بها وفد من الأمم المتحدة. وأشار عضو من اللجنة الأممية الذي أمضى عشرة أيام في المكسيك، إلى اختفاء أكثر من مئة شخص “أثناء إقامتنا”.

◙ مأساة إنسانية

وتحدثت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري في خلاصاتها عن “مأساة إنسانية” على خلفية “الإفلات المطلق من العقاب” للخاطفين، وهم أعضاء في عصابات الجريمة المنظمة أو قوات الأمن.

وقد جاء في تقرير اللجنة، “الإفلات من العقاب في المكسيك هو سمة هيكلية تساهم في استنساخ حالات الاختفاء القسري والتستر عليها، وتعرّض الضحايا وأولئك الذين يدافعون عن حقوقهم ويعززونها، وموظفو الخدمة العامة الذين يبحثون عن الأشخاص المختفين ويحققون في قضاياهم والمجتمع ككل إلى الخطر وتسبب القلق لهم”.

ذكرت إحدى الضحايا التي تحدثت إلى أعضاء اللجنة، كيف أثر الإفلات من العقاب وعدم الوصول إلى المعلومات المتعلقة بحالات الاختفاء في البلاد على حياتها.

وقالت: “لم أتخيل يوما أن أكون هنا معكم أتحدث عن اختفاء والدتي. لم أدرك قطّ أنّ الاختفاء متفشّ حقيقة أو أنه يمكن أن يطالني. فنحن لا نتعلّم ذلك في المدرسة مثلا. وعندما تختفي الأم فجأة، لا فكرة لدينا عمّا يجب أن نقوم به. هو كابوس نعيشه يوميا”.

وتواصل الأمهات بحثهن عن أبنائهن المفقودين في ولايات تواجه عنف عصابات المخدرات مثل خاليسكو. تجوب أراسيلي هيرنانديس البالغة 50 سنة شوارع غوادالاخارا لتضع ملصقات لولديها المفقودين. وتقول “هذه مهمتي”.

ففي عام 2017، خُطفت ابنتها فانيسا. وبعد يومين، اختفى أليخاندرو أثناء البحث عن شقيقته. كذلك فقدت روزاورا ماغانيا (61 عاما)، أثر ابنها كارلوس إدواردو قبل خمس سنوات. وتقول هذه المرأة التي تستنكر تقاعس السلطات “لم أتخيل قط أني سأحمل مشروع الحياة هذا: الانتقال من التقاعد إلى البحث عن أبنائي”.

تلقت أزوليما إسترادا (49 عاما)، تأهيلا علميا في القانون وأساليب البحث للعثور على إيفان ألفريدو الذي اختطفه مسلحون مع رفيقه في عام 2020، وهو في الثلاثين من عمره.

◙ تنزل الآلاف من النساء إلى الشوارع للتظاهر من أجل مواصلة البحث عن أطفالهن المفقودين

ومع فقدانها الأمل في العثور عليه حيا، تعتقد إسترادا أن ابنها مدفون في ولاية سونورا. لكن عمليات الحفر محفوفة بالخطر، إذ أن مخبري العصابات الإجرامية يراقبون الموقع باستمرار.

وتحصي الحكومة 37 ألف جثة مجهولة الهوية في مؤسسات الطب الشرعي، لكنّ منظمات المجتمع المدني تتحدث عن 52 ألف جثة. وتضاف هذه الأرقام إلى 340 ألف شخص قُتلوا في أعمال عنف مرتبطة بالجريمة المنظمة منذ عام 2006.

وكان البرلمان المكسيكي وافق أخيرا في نهاية أبريل على إنشاء “مركز وطني لخدمات التعرّف البشري”، لضمان متابعة البحث عن المفقودين أو التعرف على رفاتهم.

وتعود حالات الاختفاء القسري الأولى في المكسيك إلى الستينات والثمانينات من القرن الماضي، لكن الحالات ارتفعت بعد إطلاق الدولة المكسيكية حملة عسكرية واسعة على عصابات المخدرات في البلاد قبل ستة عشر عاما.

و”لا تزال الجريمة المنظمة أحد الأسباب الرئيسية لحالات الاختفاء”، بحسب لورا أتويستا من مركز التحقيقات الاقتصادية والخبرة، في إشارة إلى عمليات تهريب المخدرات أو المهاجرين أو المحروقات المسحوب بطرق احتيالية.

كما تتحدث السلطات عن “فساد قوات الشرطة المرتبط بالجريمة المنظمة”، وفق ما ورد في نوفمبر على لسان وكيل وزارة الدولة لحقوق الإنسان أليخاندو إنسيناس.

18