أمم أفريقيا نقطة تحول في مسيرة المدرب المحلي

الإيفواري إيمرس فاي يأمل في إتمام مهمة اعتلاء العرش القاري.
الأحد 2024/02/11
وقفة ناجحة

يسدل الستار رسميا عن منافسات "كان 2023" مساء اليوم الأحد بمواجهة قوية للغاية تجمع بين منتخب كوت ديفوار ومنتخب نيجيريا، في المباراة النهائية. ورغم التاريخ الكبير للمدربين الأوروبيين مع منتخبات أفريقيا، إلّا أن المدرب المحلي هو الأكثر تمثيلا، بأربعة مدربين محليين، في دور الثمانية واحد منهم تم تعيينه خلال المنافسات، ويتعلّق الأمر بإيمرس فاي مدرب البلد المستضيف.

أبيدجان - تحدث إيمرس فاي، المدير الفني لمنتخب كوت ديفوار، عن المنافسة المرتقبة بين منتخب الفيلة ومنتخب نيجيريا على لقب نهائي كأس الأمم الأفريقية "كان 2023". وقال فاي في تصريحات صحفية "دائما الإنجازات والبطولات تولد من عنق الأزمات، أراها فرصة عظيمة للجيل الحالي من اللاعبين، لنا تكرار مجددا". وأضاف "يجب علينا استغلال عاملي الملعب والجماهير التي أتوقع أن تملأ مدرجات الحسن واتارا بكثافة، نحن حاليا في حلم جميل، أتمنى أن يختتم بالتتويج”. وتابع مدرب الفيلة "نمتلك لاعبين على أعلى مستوى وقادرين على الفوز باللقب، لمَ لا، فهم جميعهم على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم".

وشدد "نشعر بنبض الجماهير ومدى انتظارها لرؤية معانقة الكأس ونحن أيضا، لذلك سنقوم بدراسة المنافس جيدا ووضع الخطط المناسبة لمواجهته، واستغلال نقاط الضعف لديه". وتساءل "هل كان أحد يصدق أن نصل إلى النهائي بعد النتائج المتذبذبة للاعبين خلال مرحلة المجموعات". وأردف "إصرار وعزيمة اللاعبين على محو نكسة غينيا الإستوائية، كانا بمثابة مفعول السحر في عبورنا للنهائي، إذا أردنا الفوز بهذه البطولة، فسنفوز بها”. وأشار المدرب إلى أنه أخبر جميع اللاعبين بأهمية تواجدهم مع الفريق، بمن في ذلك الذين يشاهدون المباريات من المدرجات والبدلاء.

إيمرس فاي هو المدير الفني للمنتخب الأولمبي، وتم تعيينه خلفا للفرنسي غاسكيه، بعد الهزيمة الساحقة التي تلقاها منتخب الفيلة على يد غينيا الإستوائية 4 – 0، وكادت تعصف بآماله في التأهل لولا حلوله ضمن أفضل المنتخبات التي احتلت المركز الثالث. وتمكن فاي من قيادة المنتخب إلى الانتصار على حامل اللقب، منتخب السنغال، في دور الـ16.

بروز الأسماء

◙ تاريخ يسجل الأرقام
◙ تاريخ يسجل الأرقام 

ساهمت بطولة كأس أمم أفريقيا خلال السنوات الأخيرة في بروز الكثير من الأسماء، حيث تألق مدربون في قيادة المنتخبات إلى نجاحات غير متوقعة، وكانت نقطة تحوّل كبيرة في مسيرتهم الاحترافية، بارتفاع أسهمهم على الصعيد القاري، حيث أصبحوا نجوما في العالم.

وتُطالب الجماهير في كوت ديفوار باستمرار المدرب إيمرس فاي في قيادة منتخب الفيلة، بعد أن قادهم للتأهل إلى نهائي كأس أمم أفريقيا الحالية، عقب مشوار بطولي، خاصة التأهل على حساب منتخب السنغال القوي في ثمن النهائي، الذي كان قد حقّق ثلاثة انتصارات في الدور الأول من البطولة، ولكن المدرب المؤقت نجح في إيقاف المرشح الأول للحصول على لقب هذه النسخة وتأكيد تألقه في بطولة كأس أمم أفريقيا 2021 في الكاميرون عندما حصدت السنغال أول لقب في رصيدها.

وقدّم منتخب كوت ديفوار مباراة في مستوى عال، فبعد أن تجاوز البداية الصعبة، إثر قبوله هدفا مبكرا، نجح الفيلة في استعادة الثقة بقدراتهم، وتغييرات المدرب طوال اللقاء كانت نقطة تحول في المواجهة من خلال فرض سيطرة قوية على وسط الميدان، الذي يُعتبر نقطة قوة حامل اللقب. وتابع التألق في بقية المباريات الأخرى، خاصة أمام مالي، بعد أن نجح في التغييرات التي قام بها.

الجماهير في كوت ديفوار تطالب باستمرار المدرب إيمرس فاي في قيادة منتخب الفيلة، بعد أن قادهم للتأهل إلى النهائي
◙ الجماهير في كوت ديفوار تطالب باستمرار المدرب إيمرس فاي في قيادة منتخب الفيلة، بعد أن قادهم للتأهل إلى النهائي

ولا يمكن نسب كل النجاحات إلى المدرب المساعد، الذي خلف الفرنسي جون لويس غاسكيه، بعد إقالته من مهامه إثر الهزيمة التاريخية أمام غينيا الاستوائية، ولكن الروح المعنوية العالية التي خاض بها نجوم منتخب كوت ديفوار المواجهة أمام السنغال أكدت أن المدرب نجح في تحفيز اللاعبين وإعدادهم ذهنيا من أجل حسن التعامل مع مباراة قوية وصعبة مثل اللعب أمام أفضل منتخب في البطولة.

وبات المدرب المساعد مرشحا للاستمرار في قيادة بطل أفريقيا مرّتين، إذ أنه قد يسير على خطى الكثير من المدربين الذين استفادوا من كأس أفريقيا لرفع أسهمهم والإشعاع والتمتع بفرصة كبيرة، مثل التونسي جلال القادري، الذي قاد منتخب تونس في لقاء وحيد في كأس أفريقيا 2022، عندما عوّض منذر الكبير الذي أصيب بفايروس كورونا قبل مواجهة نيجيريا، وقدّم المنتخب التونسي عرضاً قوياً للغاية جعل الجماهير تطالب بتثبيت القادري، وهو ما حصل فعلياً مباشرة بعد أن ودّع نسور قرطاج كأس أفريقيا.

وقاد المدرب القادري المنتخب التونسي في نهائيات كأس العالم في قطر عام 2022، كما أنه تمتع بفرصة تمديد العقد مع النسور، وقادهم في النسخة الحالية التي كان حصادها كارثياً بعد أن ودّع منتخب تونس البطولة منذ الدور الأول، دون أن يحقق أي انتصار وسجل هدفاً وحيدا، ورحل القادري عن المنتخب بعد هذا الحصاد الكارثي، بما أن عقده مع المنتخب التونسي يفرض وصوله إلى المربع الذهبي من أجل تمديد التجربة.

من جانبه بات القُمري الفرنسي، أمير عبدو، من بين أكثر المدربين المطلوبين من قبل مختلف الاتحادات الأفريقية، بعد أن نجح في ترك بصمته في نسخة أمم أفريقيا 2021 مع جزر القُمر بالوصول التاريخي إلى الدور الثاني، ثم تألق مع منتخب موريتانيا وقاده للمرة الأولى إلى الدور الثاني بعد انتصار مثير على منتخب الجزائر، ولم يكن المدرب معروفاً قبل مشاركته في النسخة الماضية من النهائيات التي جعلت منه نجماً معروفاً في كل القارة الأفريقية.

ويُعتبر الفرنسي هيرفاي رينارد من المُدربين الذين قدمتهم بطولة كأس أمم أفريقيا إلى الجماهير في العالم، بما أنه لم يكن معروفا قبل أن يكتب أفضل صفحات النجاح ويُصبح المدرب الوحيد الذي تُوج باللقب الأفريقي مع منتخبين مختلفين إلى حدّ الآن، والكثير من المنتخبات تحلم بالتعاقد معه بل هو محل تنافس بين الاتحاد الجزائري وكذلك الإيفواري، ويدين بكل النجاحات لبطولة كأس أمم أفريقيا التي ساعدته في رفع أسهمه، كما أنه قاد لاحقاً منتخبيْ المغرب والسعودية في بطولة كأس العالم إضافة إلى تدريب منتخب فرنسا للسيدات.

نجاح محلي

◙ وقفة ناجحة
◙ وقفة ناجحة

يوجد كذلك منتخب مالي الذي يدربه إريك شيل منذ 2022، وتحديدا منذ الإقصاء على يد تونس في الدور الفاصل للتأهل إلى نهائيات كأس العالم. وشيل هو لاعب سابق لمنتخب مالي، وسبق له أن درب أندية فرنسية في دوري الدرجة الثانية، وحقق مع مالي بداية جيدة بهزيمة واحدة في 17 مباراة مقابل 12 انتصارا.

كذلك، هناك منتخب الرأس الأخضر الذي يدربه بيدرو ليتاو بريتو، المعروف باسم بوبيستا، اللاعب السابق للمنتخب ذاته، وهو يدرب المنتخب منذ عام 2020، وقاد المنتخب في النسخة الثانية، حيث تأهل إلى الدور الثاني، لكنه اصطدم بمنتخب السنغال، وكانت المباراة صعبة للغاية بعد طرد لاعبين من الرأس الأخضر، ليقصى بـ2-0.

وهناك كابا دياورا المدير الفني لمنتخب غينيا، وهو كذلك لاعب سابق لغينيا، لعب لمارسيليا وباريس سان جرمان، وقاد المنتخب إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا 2022 لكنه أقصي في دور الـ16 أمام غامبيا.

◙ مدرب نيجيريا، البرتغالي جوزيه بيسيرو، من بين المدربين الأكثر خبرة؛ إذ درب أكثر من 15 ناديا ومنتخبا

وفي المركز الثاني يوجد المدربون البرتغاليون. أولهم مدرب نيجيريا البرتغالي جوزيه بيسيرو، وهو أكثر المدربين في دور الثمانية خبرة، إذ كان مساعدا لكارلوس كيروش في ريال مدريد، ودرب أكثر من 15 ناديا ومنتخبا، من أشهرها سبورتينغ لشبونة والسعودية وبورتو وفنزويلا. تعاقد معه الاتحاد النيجيري بعد فشل التأهل لنهائيات كأس العالم في قطر، ولكن مساره مع المنتخب شهد عدة مشاكل، خصوصا البداية الكارثية في تصفيات مونديال 2026، وأعلن مؤخراً أنه سيغادر بعد نهاية أمم أفريقيا أياً كانت النتيجة.

والبرتغالي الثاني هو بيدرو جونسالفيس، المدير الفني لمنتخب أنغولا، الذي درب منتخبيْ أنغولا تحت 17 و20 عاما وحقق معهما نتائج جيدة قبل تدريب منتخب الكبار منذ 2019، لكنه لم يتأهل إلى النسخة السابقة.

ثم يأتي المدير الفني الفرنسي لمنتخب الكونغو الديمقراطية سيباستيان ديسابر، الذي تولى تدريبه منذ الإخفاق في التأهل لمونديال 2022، وهو اسم معروف أفريقيا، درب عددا من النوادي الأفريقية كالوداد المغربي والإسماعيلي المصري والترجي التونسي، وأقصى منتخب مصر في دور الـ16.

وأخيرا هناك البلجيكي هوغو بروس مدرب منتخب جنوب أفريقيا، الذي أقصى أسود الأطلس، وهو الوحيد بين المدربين الثمانية الذي سبق له الفوز بكأس أمم أفريقيا مع الكاميرون عام 2017. ويدرب البافانا بافانا منذ 2021، وتحديدا منذ الإخفاق في التأهل لنسخة "كان 2022".

اعتلاء العرش

◙ اسم يسطع في سماء أفريقيا
◙ اسم يسطع في سماء أفريقيا

يقود البرتغالي جوزي بيسيرو نيجيريا في مساعيها لخطف اللقب، والإيفواري إيمرس فاي يأمل في إتمام مهمة اعتلاء العرش القاري مع منتخب بلاده. جوزيه بيسيرو كان يوما ضمن الجهاز الفني لريال مدريد، لم يكن هذا الرجل الستيني (63 عاما) مدربا للنادي الإسباني العملاق، وإنما كان مساعدا لمواطنه كارلوس كيروش خلال الموسم 2003 – 2004. لكن تجربته في فريق كان يضم أسماء لامعة في تاريخ كرة القدم، مثل زيدان و(البرازيلي) رونالدو وراؤول وفيغو، تعطينا فكرة عن مسيرة مدرب نيجيريا حاليا، وعن قدراته التي سمحت له بتدريب بعض الأندية الكبيرة.

فلدى تعيينه على رأس منتخب النسور الخضراء في مايو 2022، عقب فشله في بلوغ نهائيات كأس العالم في قطر وبعد خروجه المبكر من بطولة كأس الأمم الأفريقية في الكاميرون على يد تونس في ثمن النهائي، أُسندت له مهمة إعادة ترتيب الأمور وبناء فريق يرقى إلى سمعة نيجيريا قاريا وعالميا. إلا أن بيسيرو فعل خلاف ذلك.

بدأت الشكوك تحوم حول قدرة بيسيرو على تحقيق الأهداف الموكلة إليه منذ انطلاق حملة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026، إذ تعادل زملاء المهاجم فيكتور أوسيمين في المواجهتين الأوليين بالمجموعة الثالثة أمام فريقين ضمن الأقل تصنيفا في أفريقيا والعالم وهما ليزوتو وزيمبابوي. وقد أقر العضو في المكتب التنفيذي للاتحاد النيجيري لكرة القدم نسي إيسان في نوفمبر 2023 بأن "الجميع يريد فك الارتباط" مع مدربه البرتغالي، لكن المشاكل المالية التي يتخبط فيها الاتحاد حالت دون ذلك.

◙ صحوة نيجيريا بقيادة جوزيه بيسيرو استمرت وصارت تفرض نفسها لتدخل على خط السباق نحو الفوز النهائي

على ضوء هذه المعطيات يمكن أن نفهم لماذا خرج النسور عن قائمة المرشحين للفوز بكأس الأمم الأفريقية 2024 عندما انطلقت المسابقة في 13 يناير الماضي، لاسيما أنهم سجلوا تعادلا مخيبا للآمال منذ الجولة الأولى أمام غينيا الإستوائية (1-1). إلا أنهم ظهروا بوجه مخالف تماما في المواجهة الثانية أمام منتخب البلد المضيف، فتألقوا تكتيكيا وبدنيا وفنيا وذهنيا، لينتزعوا نقاط الفوز على الرغم من عاملي الأرض والجمهور.

استمرت صحوة نيجيريا بقيادة جوزيه بيسيرو، وصارت تفرض نفسها لتدخل على خط السباق نحو الفوز النهائي. وكما قال مرارا خلال مؤتمراته الصحفية، يتمنى جوزيه بيسيرو أن يكون قائد "السفينة الخضراء" التي سترسو بنجاح في ميناء التتويج في 11 فبراير.

فقد تبددت الشكوك حول خططه التدريبية، كما تبددت الضبابية المحيطة بمنتخب نيجيريا، وبات كثيرون (من الفنيين والصحافيين والمشجعين) يرشحونه للفوز باللقب، والذي سيكون الرابع في تاريخ هذا البلد الواقع في غرب القارة بعد 1980 و1994 و2013. وقد أعطاه بيسيرو قوة دفاعية لم يكن يمتلكها، إذ تلقت شباكه هدفا واحدا في خمس مباريات وقبل المواجهة أمام جنوب أفريقيا في نصف النهائي، وأعطاه أيضا انسجاما شبه مثالي في مختلف الخطوط من خلال انضباط تكتيكي متميز، ما أتاح لمهاجميه فرصة تسجيل خمسة أهداف رائعة. لكن المدرب البرتغالي تمنى لو سجل فريقه المزيد. وصرح "نحن منتخب جيد (..) مازلت راضيا عن أداء اللاعبين حتى الآن".

16